غزّة.. والأم.. والكرامة: الحرّ لا يكون إلا صنيعة امرأة حرّة!
كمال ميرزا
جو 24 :
غزّة أُمّ، والضفة أُمّ، وفلسطين أُمّ، والمقاومة أُمّ!
المسألة ليست مسألة مجازٍ أو استعراض لغوي أو محاولة للتذاكي واستدرار العواطف في "عيد الأم"، ففي كلّ قضية تحرّر وطني ابحث عن الأم ستجدها هناك.
الأُمّ هي التي تربّي، الأُمّ هي التي تزرع الاستعداد للبطولة والإقدام والشجاعة في نفوس أبنائها، الأُم هي التي تربط على قلوب أبنائها.
في التعبير الشعبي، عندما نريد أن نمتدح رجولة ومروءة وبطولة شخص ما نقول له: "يسعد الصدر إللي رضّعك"، أي "طوبى للصدر الذي أرضعك"، وذلك إقراراً بأنّ الحُرّ لا يكون إلاّ صنيعة امرأة حُرّة أرضعته الحرية مع حليبها!
والمُقاوِم حين يُقدم على فعل المقاومة لا يخشى شيئا مثل حزن أُمّه ودموعها وانفطار قلبها، ولكن كلّ هذا الخوف والتردّد والإشفاق يتحوّل إلى طاقة فعل وفداء حين يستشعر رضا أمّه وبركة دعائها وتشجيعها واحتسابها.
الأب يمكن أن يكون قدوة، وأحيانا لا يكون، ولكن الأُمّ هي "صمام الأمان" النفسي لأبنائها، و"المرجلة" تحتاج إلى قلوب، والأُمّ هي صمام القلوب.
والقضية الفلسطينية، أُمّ القضايا، هي قضية أُمّهات بلا منازع، وهي قضية المرأة الفلسطينية بلا منازع، ولو تُركَتْ القضية للرجال و"قِوامتهم" و"شنباتهم" و"حساباتهم العقلانية" لراحتْ القضية وصُفّيتْ وتلاشتْ منذ وقت طويل!
بل إنّ كلّ الانتكاسات التي تعرّضتْ لها القضية الفلسطينية عبر تاريخها هي "همالة زُلُم" و"سقاطة رجال"!
في قصيدته بعنوان "ذيل طاووس يمسّ مقابر الموتى" يقول "مريد برغوثي":
"هي العليمةُ بالمذابحِ والجهولُ بمجدها
ولقد تزغردُ في الجنازةِ
ثمّ تبكي في الفراش لوحدِهَا
وهي المُكفّنة الولودُ
هي الطباشير ُ التي كَرِهَ الجنودُ
هي المظاهرةُ التي تنفضُّ ناقصةً
وكاملةً تعودُ
كأنّها ذهبُ الزمان وقد أزاحَ شوائِبَه".
هذه هي الأُمّ الفلسطينية، هذه هي الأُمّ الغزّاوية.. "ذهب الزمان"!
وفي قصيدته "رنّة الأبرة"، والتي يجب أن تكون أيقونة تُعلَّق في كلّ منزل فلسطيني جوار مفتاح العودة ورسم "حنظلة" وصور الشهداء المكلّلة بشريط أسود.. يقول "مريد":
"وسوادُ ثوبكِ صامتٌ
لكنّ كفّكِ منذُ أن قالتْ، تقولُ
تدحو الفطائرَ كلَّ عيدٍ
أو تزوّقُ للمواليدِ القماطَ
وتمسحُ الأحزانَ والدَّمَ والبلاطَ
وتعصرُ الزيتونَ في القُففِ المهولةِ
تنسجُ الأزهارَ في ركنِ المخدّةِ للصغيرِ
وفي الصباحِ تشدُّ شحمةَ أُذْنهِ
وتعالجُ البللَ الغزيرَ على السريرِ
تردُّ شالتها تُعزّي في القتيلِ
تردُّ شالتها وتذهبُ للتهاني
تزرعُ الريحانَ في الشرفاتِ
تشغلها مقاديرُ الأرزِّ
وآخرُ الأخبارِ من جهةِ الفدائيّينَ
والبنتُ التي حردتْ لأنَّ حماتها وصلتْ
وأنباءُ الوِفاقِ العالميِّ
ووجبةُ الغدِ
والغسيلُ"!
هذه هي الأُمّ الفلسطينية، الأُم "المُشتبِكة"، الأُمّ التي استلهم منها "الباسل" غالبا مبدأ المقاومة كنمط حياة وتفاصيل عيش يوميّة!
ولدينا في الأردن ترتبط الأُمّ بـ "الكرامة"، لذا يصادف الاحتفال بعيد الأُمِّ احتفالنا بذكرى "معركة الكرامة".. "يسعد الصدر" الذي أرضع شهداءها وأبطالها واحدا واحدا!
وعليه، فإنّ البِرّ لدينا كأردنيين بِرّان اثنان لا يستقيم أحدهما دون الآخر: بِرُّ أُمّهاتنا، وبِرُّ الكرامة!
ولكن ما هو إرث الكرامة حتى نبرّه؟
الكرامة هي المعركة التي حطمتْ أسطورة جيش العدو الصهيوني الذي "لا يُقهر".. تماما كما حطّم "طوفان الأقصى" أسطورة دولة الكيان التي لا يمكن أن تزول!
إذن البِرّ هو أن نصل الأمس باليوم، و"الكرامة" بـ "الطوفان"، أليس كذلك يا نشامى، ويا أبناء "مشهور حديثة"، ويا رفاق "خضر شكري"؟
واحد واحد واحد.. الهدف موقعي.. واحد واحد واحد.. العدوّ واحد، وما لم يعي العرب ذلك فلن تقوم لهم قائمة ولن تعود لهم كرامة!
تنفرد القوات المسلحة الأردنية أنّ اسمها منذ نشأتها هو "الجيش العربي"، أي أنّه جيش كلّ العرب وليس "الأردنيين" فقط.
وتقول أغنية "الجيش العربي" التي كتب كلماتها الشاعر الحيفاوي "حيدر محمود" ولحّنها المُلحّن الحلبي "شاكر بريخان":
"يا قدسُ يا شمس الهدى
أرواحنا لكِ فدا
غداً سنلتقي غدا
على ثراكِ الطيبِ
يا جيشنا يا عربي"
والغد قد أتى مع "طوفان الأقصى"، فيا "نشامى" ويا حرائر الأردن وأُمّهاته ماذا نحن فاعلون؟!