2024-06-26 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

إعلان بايدن: أفخاخ خبيثة وضمانات (إيدو خشب)!

إعلان بايدن: أفخاخ خبيثة وضمانات (إيدو خشب)!
جو 24 :


كتب: كمال ميرزا

قامت وسائل إعلام عربية نقلاً عن موقع (Middle East Eye) بنشر ما يُفترض أنّه النص الكامل لـ (المُقترح الإسرائيلي) لـ (وقف إطلاق النار) في غزّة، والذي تبنّاه الرئيس الأمريكي (جو بايدن) وأطلقه كإعلان باسمه، وشرع بممارسة الضغوطات على دول العالم والمنظومة الدولية من أجل تبنيه وتأييده حتى قبل الكشف عن تفاصيله وحيثياته والتعرّف عليها!

نص المقترح المنشور لا يخرج عن نهج السفالة الصهيونية والغربية عموماً في مثل هذا المواقف: واضحون، محدّدون، مباشرون فيما هو لهم.. مغمغمون، معوّمون، متملّصون فيما هو للآخرين!

المقترح عموماً فيه نَفْس نَفَس الاستعلاء والعنجهية المقيت، وكأنّ أي اتفاق سيحصل هو مكرمة أو فضل سيزجيه العدو الصهيو - أمريكي للفلسطينيين، وليس حقّهم الشرعي والمكتسب الذي انتزعوه انتزاعاً ودفعوا من أجله أثماناً غالية!

والمقترح أيضاً مليء بالثغرات والمطبّات والأفخاخ التي يمكن أن يتذرّع بها العدو الصهيوني للنكوص، والتهرّب من التزاماته، والانقلاب على الاتفاق [كعادته] متى قضى وطره، أو اختمر لديه مخطط بديل ومؤامرة بديلة.

بعيداً عن التفاصيل العملياتيّة والإجرائية للاتفاق، هناك أربع نقاط أساسية تدعو للتوقف والتأمّل والاحتراز:

النقطة الأولى أنّ نص المُقترح المنشور يُسمّى كلّاً من أمريكا وقطر ومصر كضامنين للاتفاق في حال توقيعه.

على أي أساس تمّت تسمية هذه الدول؟ وكيف ستستطيع هذه الدول أن تضمن ما يفترض أن تضمنه؟

ضمانة بهذا الحجم تحتاج إلى عدد دول أكبر من هذا.. خاصة وأنّنا نتحدث عن فترة زمنية طويلة نسبياً تمتدّ إلى 3 ـ 5 سنوات هي المدّة المفترضة لـ (إعادة الإعمار)!

كما أنّ الأصل عندما نقول (ضامن)، أن يتحلّى هذا الضامن بميزتين أساسيتين لا غنى عنهما: تمتعه بالحدّ الأدنى من النزاهة والمصداقية والحياد تجاه جميع أطراف الاتفاق، وقدرته على الضغط على جميع أطراف الاتفاق وحملها على الوفاء بالتزاماتها في حال تخلّفت أو حاولت التملّص!

بالنسبة لأمريكا فهي طرف أساسي في في القتال الدائر، وحرب الإبادة والتهجير التي يتعرّض لها أهالي غزّة هي عمليّاً حرب أمريكية يخوضها الكيان الصهيوني بالوكالة، وباستخدام السلاح الأمريكي، وتحت غطاء ودعم أمريكي مفتوح سياسياً واقتصادياً وعمليّاتيّاً ولوجستيّاً.. وبالتالي كيف تكون أمريكا ضامناً موثوقاً؟!

المطلوب هنا ضامن يضمن أمريكا ويردعها، لا أن تكون أمريكا هي الضامن!

وما هي الضمانات التي ستقدّمها الولايات المتحدة لضمانتها؟ اتفاق مكتوب؟ كلمة شرف؟ قَسَم بروح الآباء المؤسسين؟ على رأي المثل الشعبي الدارج (يا طالب الدبس من ..... النمس)!

تقديم الضمانات هنا يستدعي وجود ضامنين بحجم الولايات المتحدة الأمريكية وأنداد لها، كروسيا والصين، وذلك ليضمنوها هي ضدّ انحيازها المطلق للجانب الصهيوني!

أمّا بالنسبة لقطر ومصر، ومع حبّنا الكبير والغامر لهاتين الدولتين وشعبيهما.. فيا حسرة! ما الذي في جعبة النظامين القطري والمصري كي يضغطا به على الكيان الصهيوني في حال عدم التزامه؟

قطر ومصر قادرتان فقط على الضغط على الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية، ولكن ما الذي تستطيع هاتين الدولتين فعله للكيان الصهيوني؟

ست وخمسون دولة عربية وإسلامية اجتمعت في قمّة مشتركة في الرياض، ولم تستطع مجتمعةً التغبير على بسطار جندي صهيوني في غزّة أو الضفة؟ فما الذي ستستطيع قطر ومصر فعله منفردتين؟

هل نتحدث هنا عن الشجب والمزيد من الشجب، والاستنكار والمزيد من الاستنكار، والإدانة والمزيد من الإدانة، والمناشدة والمزيد من المناشدة.. في حال قيام الكيان الصهيوني بخرق الاتفاق؟

مصر تحديداً، والتي يُفترض أنّها الدولة العربية والإقليمية الأقوى، أقوى حتى من الكيان الصهيوني نفسه منفرداً، لم تحرّك ساكناً عندما أقدم الكيان على احتلال معبر رفح، وقتله أحد الجنود المصريين على الحدود، أو عند قيام الكيان بخرق جميع الاتفاقات والتفاهمات الموقّعة واحتلال (محور فيلادلفيا) وما يمثّله ذلك من خطر محدق على الأمن القومي المصري.. فهل ستتحرّك مصر من أجل غزّة وضمان إمضاء الاتفاق داخل غزّة؟!

مع حبنا وتقديرنا لكلّ من قطر ومصر، ولكن ضمانتهما هنا (إيدو خشب)، وهو التعبير التي كانت تستخدمه جدتي (حليمة) رحمها الله للاعتذار كعجوز شركسية عن ضعف لغتها العربية: (عربيتي إيدو خشب)!

التقرير المنشور عبر موقي RT عربي بخلاف التقارير الأخرى يشير أيضاً إلى السعودية كضامن مُقترَح، ولا أدري هل هذا خطأ تحريري أو خطأ في الترجمة أم أنّ السعودية هي حقّاً كذلك؟

المهم، أنّ ما يسري هنا على قطر ومصر كضامنَين يسري أيضاً على السعودية، ويزيد على ذلك أنّ الحديث الآن يدور حول اتفاق تطبيع واسع النطاق بين السعودية و(إسرائيل)، وتنفيذ مشاريع استثمارية ضخمة وإستراتيجية بين الطرفين.. وهذا من شأنه إضعاف موقف السعودية كضامن مُحتَمل.

النقطة الثانية التي تستدعي التوقف والتأمل والاحتراز هي تلك المتعلقة بالجهات التي ستتولّى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية طوال مدة الاتفاق، وتتولّى مهمة إعادة الإعمار.

فمن ناحية لم يأتِ المقترح على ذكر اسم (الأنروا) صراحةً باعتبارها المنظمة الأممية الأولى المعنيّة بهذا الشأن، والمتواجدة فعليّاً على الأرض، وهو ما يستثير المزيد من الشكوك والريبة بكون (الأنروا) هي أساساً موضع حرب شعواء من قبل المعسكر الصهيو - أمريكي، وعرضةً لعملية شيطنة وتشكيك وتفكيك مُمنهجة!

ومن ناحية ثانية تَرَكَ نص المقترح المعوّم الباب مشرعاً لكي تكون أيّ دولة وأيّ منظمة في العالم جزءاً من جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.. فهل هذا تمهيد من أجل احتلال غزّة احتلالاً ناعماً على يد طابور خامس من منظمات المجتمع المدني الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها المنظمات التابعة للـ USAID والاتحاد الأوروبي كما هو حاصل في الضفة الغربية والعديد من الدول العربية في المنطقة؟

النقطة الثالثة تتعلّق بخلو المقترح من أيّ ذكر للضفّة الغربية والقدس والأقصى، وأي ضمانات بخصوصها، وكأنّ هذه جبهة وهذه جبهة، وهذه قضية وهذه قضية، وهذا شعب وهذا شعب.. علماً أنّ الممارسات الصهيونية الاستعمارية التهويدية ضد الأقصى هي العنوان الأول والأبرز الذي رفعته معركة "طوفان الأقصى" منذ اليوم الأول!

هذا التجاهل للضفة والقدس والأقصى مقصود طبعاً، من أجل تعزيز وتكريس وترسيخ الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني [والمزيد من توظيفه في المستقبل]، ولعدم منح فصائل المقاومة أي أحقيّة أو شرعيّة للحديث باسم الضفة الغربية والقدس، والإبقاء على ذلك حقّاً حصريّاً لسلطة (التنسيق الأمني) في رام الله!

في حالة الأقصى قد يتذرّع البعض بأنّ الولاية على هذا الملف هي للأردن و(الوصاية الهاشمية)، حسناً أين هي هذه الوصاية وأين هو الأردن من مجمل المُقترح المُعلَن؟!

هل تجاهُل الأردن هنا هو امتداد لسياسة الفصل بين الضفة وغزّة، ومحاولة تكريس فكرة أنّ الأولوية الأردنية والأمن القومي الأردني ينحصران بالأوضاع في الضفة الغربية فقط؟ 

الأمن القومي الأردنيّ، شأنه شأن أيّ دولة عربية أخرى، يمتدّ بامتداد جغرافيا الوطن العربي كلّه ومحيطه الجيو - بوليتيكيّ، فما بالنا ونحن نتحدث عن (غزّة) التي لا تبعد عن الأردن إلا بمقدار (مقرط العصا)؟!

والنقطة الرابعة ليست مذكورة في نص الاتفاق المقترح، ولكنّها أهم من أي مقترح ومن أي اتفاق يمكن التوصّل إليه.. وهي (وحدة الساحات)!

فلنفترض أنّه قد تمّ التوقيع على اتفاق فعلاً، وتمّ وقف الحرب أو وقف العمليات القتالية أو وقف إطلاق النار أيّاً كانت التسمية، وتمّ تبادل الأسرى، وتمّ الشروع في إعادة الإعمار.. ثمّ قام الكيان الصهيوني بفتح جبهة الشمال وشنّ عدوان مفتوح وواسع النطاق على لبنان، فما هو موقف المقاومة الفلسطينية في هذه الحالة؟

مبدأ (وحدة الساحات) يُملي على المقاومة الفلسطينية إعلان الحرب من طرفها هي الأخرى، ولكنّها إذا فعلت ذلك ستكون قد أخلّت بالاتفاق المُبرم، وهذا سيعطي الكيان الصهيوني الذريعة للعودة وتدمير ما تمّ بناؤه وترميمه حتى تلك اللحظة بعد أن يكون قد استعاد أسراه وسلب المقاومة هذه الورقة!

بل إنّ الضامنين أنفسهم قد يتحركوا ضدّ المقاومة الفلسطينية بكونها ضمانة باتجاه واحد كما رأينا بحكم واقع الحال!

بكلمات أخرى، أخبث ما في المقترح الإسرائيلي/ إعلان بايدن ليس محاولته الآنية انتشال الكيان الصهيوني من ورطته وسلب المقاومة نصرها.. بل أخبث ما فيه محاولته بعيدة المدى وأد فكرة المقاومة وثقافتها، وضرب مجمل تيار الممانعة وتفكيك جبهته الموحّدة.

الحلّ لتلافي هذا الفخ، هو بأن يكون أيّ اتفاق سيوقّع جزءاً لا يتجزّأ من تفاهمات واتفاقات مماثلة تُوقّع مع بقية جبهات المقاومة في لبنان والعراق واليمن، وبحجم ضمانات يتناسب مع حجم هذه الاتفاقات، وأيُّ خرق أو إخلال بأيٍّ من هذه الاتفاقات يعتبر خرقاً وإخلالاً ببقيّة الاتفاقات.

وهذا بدوره لا يتحقّق إلا بتنظيم مؤتمر دوليّ بمشاركة جميع القوى والأحلاف والتكتّلات الدولية الوازنة في العالم، وتقديم ضمانات بحجم هذا الحضور، لا أن يُترك هذا الملف حِكراً على أمريكا والكيان الصهيوني وأعوانهما ليصولوا ويجولوا فيه كما يحلو لهم، وليلعبوا دور الخصم والقاضي والجلّاد في آن واحد!

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news