هل بات القضاء على أهل غزة هدفا استراتيجيا للاحتلال ؟
كمال ميرزا
جو 24 :
حتى ما قبل إنطلاق "طوفان الأقصي"، كان معروفاً للجميع أنّ القضاء على "المقاومة" ومجمل "تيار الممانعة" هو "هدف مشترك" يجمع ما تسمّى أنظمة الاعتدال العربي بالصهيوني والأمريكي و"الأطلسي"، ولم تكن هذه الأنظمة من جانبها تحاول إنكار ذلك أو تجتهد في تمويهه وتجميله.
من هنا جاءت المواقف الهزيلة للأنظمة العربية بعد إنطلاق معركة "طوفان الأقصى" وحرب الإبادة والتهجير الصهيونية التي تلتها، حيث بدا واضحاً أنّ هذه الأنظمة تراهن على قدرة عصابة الحرب الصهيونية على "إنجاز المهمة" المناطة بها سريعاً، والقضاء على المقاومة، وتفكيك محور الممانعة، وتهيئة الأرضيّة للترتيبات الجديدة للمنطقة والقضية الفلسطينية التي سبق للأنظمة العربية وأن "بصمت" عليها على بياض، وهيّأت بيتها الداخلي ودولها وشعوبها لها منذ أمد (غالباً من بوابة الفقر والعَوَز الاقتصادي وتقويض أركان الدولة بحجة التطوير والتحديث وإعادة الهيكلة)!
ولكن بعد أكثر من تسعة أشهر من القتل والدمار وجرائم الحرب المتواصلة، ما تزال رياح المقاومة تهب بما لا تشتهي سفن "الاعتدال" و"السلام الاقتصادي" و"الأخوّة الإبراهيمية" و"الأدوار الوظيفيّة" لـ "النخب الحاكمة المتغرّبة".. الأمر الذي بلور على ما يبدو هدفاً مشتركاً جديداً هو: القضاء على أهالي غزّة أنفسهم!
قد يجادل البعض أنّ الإبادة كانت غايةً للصهيوني منذ اليوم الأول، ليس منذ (7) أكتوبر، بل منذ أول يوم انطلق فيه المشروع الصهيوني في فلسطين.. وهذا صحيح، لكن بالنسبة للأنظمة العربية فالظاهر أنّها كانت تؤمّل نفسها أنّ الأمر لن يستدعي كلّ هذه "الأثمان"، ولن يصل إلى هذه المواصيل؛ فقط القضاء على "المقاومة" ومَن ينبغي القضاء عليهم، ثمّ بقية "العامّة" أو "الدهماء" أو "الغوغاء" الذين يسهل تفريقهم والتسيّد عليهم أمرهم هيّن ومقدور عليه!
يبدو أنّ ثقة الأنظمة العربية قد كانت عمياء بإمكانيّة استنساخ تجربتها مع شعوبها وتجربة سلطة التنسيق الأمني و"التجربة الدايتونيّة" في غزّة!
لكن لمّا استقر يقين هذه الأنظمة باستحالة ذلك، وأنّ "المقاومة" في غزٌة هي نتيجة وليست سبباً، وأنّها انعكاس لحالة عرفانيّة إعجازيّة من الإيمان والبطولة والصمود والفداء تشمل جميع أهالي غزّة والمجتمع الغزّاوي برمّته.. فقد صدر القرار بضرورة القضاء على هذا المجتمع!
الأنظمة العربية تتبنّى في موقفها من غزّة القاعدة المشهورة: ما لا يتم الواجب به فهو واجب! ولمّا كان القضاء على المقاومة لا يمكن أن يتمّ كما أثبت واقع الحال دون القضاء على حاضنتها الشعبية، فلا بدّ إذن من القضاء على هذه الحاضنة!
الفرق هنا أنّ الأنظمة العربية قد حوّلت هذه القاعدة من قاعدة فقهية شرعية رحمانية إلى قاعدة شيطانية باسم "السياسة" و"العقلانية" و"الواقعية"!
يتشدّق المسؤولون والحكّام العرب في كلّ مقام أنّ "السياسة هي فن الممكن"، وكأنّهم لم يحفظوا من إرث العلوم السياسية وأدبيّاتها سوى هذه العبارة، و"المُمكن" عندهم دائماً هو قتل الفلسطيني واستباحة شعوبهم!
إصرار الأنظمة العربية إصراراً يصل حدّ المغالاة على الاحتفاظ بكامل منظومة علاقاتها وارتباطاتها وتنسيقها و"دفاعها المشترك" مع الصهيوني والأمريكي، ورفضها العنيد استخدام أيّ من الأوراق الكثيرة المتاحة بين يديها للضغط على الكيان الصهيوني وداعميه، وتصاعد وتيرة قمع الأنظمة العربية وتنكيلها بأي أصوات داخلية تنتقد تخاذلها و/ أو تعبّر عن تضامنها وتأييدها ووقوفها إلى جانب المقاومة.. كلّ هذا ما عاد بالإمكان التخفيف من وطأته وتأويله باعتباره ضرباً من خوف الأنظمة أو وهنها أو انعدام حيلتها، وعدم تفسيره كنوع من القبول والرضا والشراكة!
أمّا الاختباء وراء جهود الإغاثة الاستعراضيّة ومسرحية "الوساطة" و"المفاوضات" السمجة فما عاد مُنتجاً لآثاره، بل أصبح عاملاً إضافياً لإدانة هذه الأنظمة أكثر وتعريتها أمام نفسها وأمام شعوبها والآخرين!
الجميع يتواطؤون للقضاء على "المجتمع الغزّاويّ" و"النموذج الغزّاويّ" و"الحالة الغزّاويّة"، لكن بمشيئة الله تعالى فإنّ غزّة وعدواها الإيمانيّة والإنسانيّة هي مَن ستقضي على كيدهم جميعاً!