jo24_banner
jo24_banner

طوفان الأقصى و"اليهودي المخدوع"!

كمال ميرزا
جو 24 :



في هذه اللحظات كم أتمنّى لو كنتُ أتقن اللغة العِبريّة!

يقول الحديث المأثور: "من تعلّم لغة قوم أمِن شرّهم".

الكثير من المحقّقين يُجمعون على أنّ هذا الحديث لا أصل له، وليس حديثاً نبويّاً، وإن كانوا يقرّون بصحّة معناه والحكمة منه، ويعتبرونه من كلام العلماء وليس كلام الرسول.

المهم، طوال تاريخ الصراع العربي ـ الصهيونيّ، وقبل أن ندخل في حقبة السلام الجبان والتطبيع الوقح والعمالة "عيني عينك"، أيام كانت جميع الدول العربيّة تدّعي أنّها على عداء مع الكيان الصهيونيّ، وأنّ تحرير فلسطين من البحر إلى النهر هو قضيتها الكبرى، وأنّه "لا صوت يعلو على صوت المعركة".. كان هناك إحجام عجيب من قبل الدول العربية عن تعليم اللغة العِبريّة على نطاق واسع أو جعلها متاحةً للعموم.

أيامها هذا السلوك كان يتبدّى وكأنّه ضرب من "المجهود الحربيّ" و"الفعل المقاوِم"، وذلك للحيلولة دون شعور الناس بالقُرب من الكيان الصهيونيّ، والحيلولة دون تأثّرهم بـالدعايّة الصهيونيّة الموجّهة، والحيلولة دون تسهيل التخابر بينهم وبين العدو.

طبعاً فيما بعد يدرك المرء أنّ هذا الكلام هراء وغير دقيق علميّاً وسياسيّاً وتعبويّاً، وأنّ عدم تعليم اللغة العِبريّة على نطاق واسع قد حافظ على هالة الغموض والرعب والخصوصيّة والتفوّق "الأسطوريّة" التي عملت الماكينة الإعلاميّة والدعائيّة بدأب على نسجها حول الكيان الصهيونيّ، ومنع المواطن العربي من كسر حاجز الخوف والإحساس بالعجز تجاه هذا البعبع الأجوف، وفكّ السحر عنه، واكتشاف مدى خوائه وتهافته وتهافت مجتمعه وتركيبته الداخلية وعقليّة ومنطق وتفكير المنتمين إليه مسؤولين وعسكريّين وعوام، وضمان أنّ صورة الكيان لدى المجتمعات العربيّة لا تخرج عن صيغة "التهويل" و"التضخيم" و"الخصوصبّة" و"الحصريّة" التي يُراد لها أن تستقر في مخيال المواطن العربيّ ووجدانه!

بل إنّ من أسباب عدم تعليم اللغة العِبريّة هو حماية المجتمع الصهيونيّ نفسه من اختراق المجتمعات العربيّة له، وقيام الشخصيّة العربيّة القويّة والثقافة العربيّة الإسلاميّة الراسخة باكتساح وابتلاع "رجل الشارع" الصهيونيّ الممتلئ بخرافات وأوهام واهية وإحساس زائف بالقوة!

لكن بعيداً عن هذا المسار التآمري، والذي لا فرق ما إذا كان قد مورس بقصد أو من قبيل "التياسة".. فإنّ سبب رغبتي بمعرفة وإتقان اللغة العِبريّة هذه اللحظة، هو كي أتمكن من الخروج إلى الشارع، ومخاطبة جموع المواطنين الصهاينة (إذا جاز إطلاق وصف مواطنين عليهم) الذين يحتشدون ويتظاهرون ضد عصابة حربهم المسمّاة "حكومة" مطالبين بإبرام صفقة تبادل أسرى الآن وتوّاً!

هل أنتم مجانين؟! هل أنتم حمقى؟!

هل صدقتهم حقّاً أيّها الّلمم والشراذم أنّكم "شعب" وأنّكم "قوميّة"؟!

هل صدّقتم حقّاً أنّكم "الشعب المختار" لـ "يهوه"، هذا الإله الدمويّ الوثنيّ المنسوج من أكاذيب توراتيّة وتلموديّة محرّفة، وخرافات ماشيحانيّة وقباليّة غنوصيّة مُلحدة؟!

هل صدّقتم أنّ فلسطين هي "أرض معادكم" التي وعدكم بها الربّ لتُقيموا عليها "فردوسكم الأرضيّ" المُسمّى "صهيون"؟!

ألم تلاحظوا، وأنتم "المؤمنون" و"الموحّدون"، أنّ تعاليم حاخاماتكم وراباياتكم الأفّاقين تخلو من أي حديث أو سرديّة متينة وواضحة المعالم حول "يوم آخر" وحياة و"فردوس سماويّ" ما بعد الموت؟!

هل صدّقتم أنّكم "واحة حريّة وديمقراطيّة وتقدّم"؟!

هل صدّقتم أنّكم مواطنون تتمتّعون بحقوق إنسان مكتسبة وحرّيات متكافئة وُمصانة، وأنّ حياة أحدكم لها قيمة و"بتفرِق" (maters) عند الإيجاب؟!

هل صدّقتم أنّ أسراكم أولويّة بالنسبة للنخبة السياسية التي تحكمكم بارتباطاتها الماديّة والمصالحيّة بشبكة من الشركات والبنوك والصناديق السياديّة المتجاوزة للحدود والقوميّات والأديان والتاريخ والله نفسه؟!

أنتم من حيث المبدأ لم تكونوا في عين "الرجل الأبيض" الأوروبيّ سوى "حثالة بشريّة" ينبغي التخلّص منها وإعادة تصديرها وطرحها كما تُطرح القمامة خارج القارّة!

وأنتم بالنسبة للرأسماليّين اليهود الذين أسّسوا الحركة الصهيونيّة، وحلفائهم الرأسماليّين المسيحيّين البروتستانتيين الكالفنيين.. لستم سوى "مادة استعماليّة" توظّف من أجل خدمة مصالحهم، وتشييد صرح نظامهم العالميّ الجديد القائم على الإمبرياليّة والهيمنة والسلب واستعباد "الأغيار" وقتلهم وتدميرهم إذا أبدوا رفضاً أو ممانعة أو مقاومة!

تظنّون أنّ الآخرين "أغيار" أو (غوييم) وجدوا من أجل خدمتكم؟! في حين أنّكم أنتم أنفسكم "أغيار" بالنسبة للطغمة الفاسدة الشيطانية التي تحكمكم وتتحكّم بكم!

أنتم تنتمون إلى كيان يعتبر من القانونيّ والشرعيّ أن يقوم بقتل جنوده، جنود الربّ، في حال سقطوا في الأسر، فقط حتى لا يكونوا ورقة تفاوضيّة بيد العدو.. فهل ستُقيم عصابة حربكم وزناً لأسرى كانوا يرقصون في حفل بالعراء؟ أو مستوطنين تمّ استيرادهم من أربع جهات الأرض ليكونوا فلّاحين وعمّال ورعيان وحائطاً بشريّاً في وجه "العدو"؟

كلّ هذه المماطلة وكلّ هذا التسويف وكلّ هذا القمع من قبل حكّامكم رغم مظاهراتكم الحاشدة وصوتكم العالي.. هو من قبيل تعويدكم و"تطبيعكم" على فكرة أنّكم لا تستطيعون، ولا تقدرون، ولا "تمونون"، وبلا قيمة حقيقيّة، وأنّه عند الضرورة هناك اعتبارات ومصالح أهم وأعلى وأولى من حياة أحدكم أو ما تتوسمونه لأنفسكم من حقوق!

أو كما نقول باللهجة العاميّة لدينا: "كول هوا إنت وإياه.. لا تصدقوا حالكو.. هاظ حجمكو وهاي قيمتكو الحقيقية.. ومن يوم وطالع هاظ إلّلي إجاكو.. وطالما إنو واحدكو ماكل شارب نايم ملاقي شغل وسامحينله من وقت للثاني يحكي ويفضفض ويفش غلّه.. بوسوا إديكو وجه وقفا ولا تتنمردوا على النعمة والفضل والمكرمة إلّلي معطينكم إياها وإلا ذنبكو على جنبكو.. وإلّلي مش عاجبه يقلب وجهه يطلع برّه أو إحنا بنقلبله إياه"!

إذا كانت عصابة حربكم تنظر إلى الفلسطينيّين والعرب باعتبارهم "حيوانات بشريّة" من الواجب والأخلاقيّ قتلها، فإنّكم في عيون هذه العصابة لا تقلّون "حيوانيّةً" عنهم.. وجزء من سياسة حكومتكم في هذه المرحلة تعريفكم بهذه الحقيقة وتوطينكم عليها شيئاً فشيئاً!

وعليه، فمن بين أكثر الناس الذين ينبغي أن يكونوا ممتنّين لـ "طوفان الأقصى" أنتم، لأنّ "الطوفان" قد عرّفكم حقيقتكم وكشف حقيقة دولتكم المزعومة، وعرّفكم حجم الخدعة والخديعة التي أنتم جزء منها وتعيشون فيها.

الأمر أقرب إلى ما قاله "إدوارد سعيد" من أنّ اليهوديّ والعربيّ (والمسلم) هما أشبة بالممثّلين أو الدمى على مسرح الاستشراق الغربيّ، الاستشراق الغربيّ الذي هو مظهر أو شقّ معرفيّ للمشروع الرأسماليّ الإمبرياليّ الغربيّ وعلاقات السلطة والتبعيّة المنبثقة عنه.

بكلمات أخرى، اليهوديّ والعربيّ (والمسلم) جميعهم "ضحايا" للمشروع الإمبرياليّ الصهيونيّ المسيحيّ البروتستانتيّ الأنجلو ـ سكسونيّ الغربيّ!

لكن مهلاً، ينبغي الحذر هنا، فمثل هذا الكلام ومثل هذا الطرح يُتّخذ من قبل البعض مدخلاً ومبرّراً ومسوّغاً لتسويق مفاهيم مغلوطة وغايات مشبوهة مثل "السلام" و"التعايش السلميّ" و"الأخوّة الإبراهيميّة".. أو لطرح حلول تافهة وسطحيّة وتلطيفيّة مثل الحلّ الذي اجترحه "إدوارد سعيد" نفسه عندما شارك في تأسيس أوركسترا للسلام/ الديوان الشرقيّ الغربيّ.. وغيرها من المبادرات الراميّة إلى تنشئة وتخريج "أجيال السلام"!

حتى يشفع هذا الكلام لسواد اليهود وعوامهم، فيجب أن يقرّوا به أولاً، وأن يعترفوا به، وأن يخضعوا للمفاعيل التي يمليها عليهم هذا الإقرار والاعتراف.. كأن يقفوا بأنفسهم في وجه كيانهم والمشروع الإمبرياليّ الذي يمثّله ولو بقوّة السلاح، و/أو يعودوا إلى بلدان "الشتات" المزعوم التي ينحدرون منها وينتمون إليها، ويُعيدوا للفلسطينيّين أرضهم وكامل حقوقهم على ترابهم الوطنيّ، ابن عكا قبل ابن نابلس، وابن صفد قبل ابن الخليل.. ومن ثمّ يعود للفلسطينيّ والعربيّ حريّة أن يقرر: هل يصفح عنكم أم لا؟! هل يتصالح معكم أم لا؟! هل يتعايش معكم أم لا؟!

وما دون ذلك فلتذهبوا للجحيم أنتم وأسراكم، فالفلسطينيّ فوق عذاباته ومعاناته والأثمان الباهظة التي يدفعها طوال عمره ليس مجبراً أن يدفع أيضاً ثمن غبائكم (ونفس الكلام ينطبق على المجتمع الأمريكي وغبائه)، وأن يحمل ويتحمّل وزر رضاكم أو استكانتكم أو استمرائكم أن تكونوا "أداةً" بيد عصابة حربكم وماكينة القتل والإبادة والدمار التي يمثّلها كيانكم الوظيفيّ الهجين!

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير