بين الوطنية والارتماء في أحضان السفارات: مواقف متباينة للأردنيين
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
في ظل التصعيد المستمر للعدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب بشكل عام على غزة والضفة الغربية ولبنان، ظهرت تصرفات بعض النواب الأردنيين الذين لبوا دعوة السفير البريطاني كصدمة واستفزاز لمشاعر الشعب الأردني. صورة النواب الأردنيين الـ45 وهم واقفون أمام السفير البريطاني يستمعون لكلمته جاءت مفاجئة صاعقة و مخيبة للامال ، و أثارت استياء واسعاً في الشارع الأردني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. هذا المشهد، الذي جاء في توقيت حساس للغاية، أظهر بعض النواب في موقف محرج ومهين خاصة وأن العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين يتواصل بلا هوادة.
في وقت يستمر فيه جلالة الملك عبدالله الثاني بجهود دؤوبة على الساحة الدولية، حيث يقف على منبر الأمم المتحدة مخاطباً الضمير العالمي، محاولاً إيقاظ الحس الإنساني ولفت الانتباه إلى المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال. الملك في خطبه وتصريحاته لا يدخر جهدًا في إبراز حجم المعاناة والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، محذراً من تداعيات استمرار هذا الصراع على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وفي السياق ذاته، يبذل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي جهوداً متواصلة، حيث لا يكل ولا يمل من التنديد بجرائم إسرائيل، سواء من خلال لقاءاته الثنائية أو مداخلاته في المحافل الدولية، محاولاً الضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته واتخاذ موقف حازم تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة.
هذه الجهود السياسية والدبلوماسية تأتي متزامنة مع التحركات الشعبية داخل الأردن، حيث يعبر الشعب الأردني يوميًا، صباحًا ومساءً، عن تضامنه العميق مع القضية الفلسطينية. الأردنيون يشاركون في المسيرات والمظاهرات، يرفعون الأعلام الاردنية والفلسطينية ويرددون شعارات تدعم صمود الشعب الفلسطيني وتطالب بوقف العدوان.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تكتظ بالمحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، حيث يبذل الأردنيون قصارى جهدهم لإيصال صوتهم إلى العالم، مؤكدين على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إنسانية تمس كل عربي ومسلم، وتعبر عن ضمير الأمة بأسرها .
توقيت هذه الدعوة يثير العديد من التساؤلات حول دوافع النواب الذين حضروا هذا اللقاء. إذا كان الهدف من الدعوة تهنئتهم على انتخابهم، فكان من الأولى أن يقوم السفير بزيارتهم في مقر مجلس النواب بعد انعقاد جلساته وليس العكس. كما يطرح التساؤل حول ماهية النقاشات التي قد تمت في ظل استمرار العدوان، وهل تناولت القضايا التي تهم الأردنيين وتدعم الشعب الفلسطيني؟ صورة النواب وهم واقفون أمام السفير البريطاني، وكأنهم يتلقون تعليمات، تعكس تباينًا غير مقبول في المكانة وتعامل غير مبرر مع الموقف، حيث كان من المفترض أن يكونوا أكثر حذرًا في تمثيل مصالح ناخبيهم، خاصة في هذه الأوقات الحساسة.
الموقف لا يعكس فقط غياب الحس الوطني لدى هؤلاء النواب، بل يستفز مشاعر الأردنيين ويتجاوز الأعراف الدبلوماسية المعهودة. كان على النواب أن يظهروا احترامًا أكبر لناخبيهم، ويأخذوا بعين الاعتبار التأثير السلبي لمثل هذه الزيارة في هذا التوقيت. تصرفهم هذا يعد سقطة مبكرة، ويستوجب مساءلة الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها. فلا يمكن لأي نائب أن يتعامل مع دولة تدعم الاحتلال الإسرائيلي دون أن تتم محاسبته. الأحزاب السياسية يجب أن تتخذ موقفًا واضحًا وحاسمًا من هذه التصرفات، وأن تطالب بمحاسبة النواب الذين تجاهلوا مشاعر الشارع الأردني ،والشعب الاردني واع وسيراقب موقف هذه الاحزاب من هذه السقطة وغيرها من مواقف نواب هذه الاحزاب تحت القبة.
في المقابل، يجب أن نشيد بالموقف الوطني المشرف للعديد من النواب الذين رفضوا هذه الدعوة، وفي مقدمتهم نواب الحركة الإسلامية الذين لطالما كانوا في مقدمة المدافعين عن القضايا العربية والإسلامية. موقفهم هذا ليس مفاجئًا، بل هو استمرار لمواقفهم الثابتة في دعم القضية الفلسطينية والتصدي للهيمنة الغربية الداعمة للاحتلال. رفضهم لهذه الدعوة يعكس وعيًا سياسيًا وأخلاقيًا بأهمية دورهم كنواب منتخبين يمثلون صوت الشارع الأردني.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن نغفل موقف رئيس بلدية إربد الكبرى، الدكتور نبيل الكوفحي، الذي رفض للمرة الثانية استقبال السفير البريطاني، وقبلها السفيرة الأمريكية، احتجاجًا على مواقف بلديهما الداعمة للكيان الصهيوني. قرار الدكتور الكوفحي الشجاع يعبر عن ضمير الشارع الأردني الذي يرفض التطبيع بأي شكل مع الدول التي تدعم الاحتلال والعدوان. هذا الموقف الوطني يبرز كرمز للالتزام بالقيم الوطنية والعروبية، ويظهر أن هناك مسؤولين منتخبين يضعون مصلحة الأمة وقضية فلسطين فوق كل اعتبار آخر.
في الختام، يجب أن يكون موقف النواب الذين رفضوا الدعوة، والموقف الصلب لرئيس بلدية إربد، نموذجًا يحتذى به من قبل جميع المسؤولين في الأردن. إن استجابة النواب الآخرين لدعوة السفير البريطاني في ظل هذه الظروف لا يمكن قبولها، ويجب أن تدرك الأحزاب السياسية التي ينتمي لها هؤلاء النواب .
أن الشعب الأردني لن ينسى و لن يغفر لمن يتخلى عن مبادئه الوطنية في هذه المرحلة الحرجة.