حرية التعبير والعدالة في الأردن
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
يمر الكاتب الأردني أحمد حسن الزعبي بمرحلة حرجة، ويعاني من تقييد حريته في التعبير عن آرائه، وهي قضية تتجاوز حالته الشخصية لتلامس كل من يسعى للتعبير بحرية في الأردن.
حرية التعبير ليست مجرد حق فرعي؛ بل هي ركن أساسي للديمقراطية والعدالة في أي مجتمع. في هذا السياق، نتضامن بشكل كامل مع الزعبي وكل من يعاني من تقييد حرية الرأي في وطننا الحبيب.
لقد عبّر جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين مراراً عن أهمية حرية التعبير، مؤكداً أن سقفها يجب أن يكون السماء. هذه الرؤية الملكية تعكس التزام القيادة الأردنية بإرساء دعائم الدولة الحديثة القائمة على الديمقراطية والانفتاح. وقد كفل الدستور الأردني حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية وشفافية، بدون خوف من الملاحقة أو التضييق، ما يعزز من قدرة الشعب على المشاركة في بناء مجتمع منفتح ومتقدم.
لكن للأسف، لا يتماشى واقع الحال مع هذه الرؤية السامية، حيث أقرّ قانون الجرائم الإلكترونية بنصوص غامضة ومفاهيم فضفاضة تُتيح استخدامه لتقييد حرية التعبير بطرق غير عادلة. هذا القانون تسبب في تشويه سمعة الأردن على المستوى الدولي، حيث يُستخدم لملاحقة الكُتّاب والنشطاء بدلاً من حماية المجتمع من الجرائم الإلكترونية الحقيقية، مما يتنافى مع القيم الأردنية الأصيلة التي تقوم على التسامح والعدالة.
أحمد حسن الزعبي لم يكن مجرد كاتب، بل كان صوتًا يعبر بصدق وأمانة عن هموم المجتمع الأردني وتطلعاته. قلمه كان شعلةً تضيء درب الإصلاح والتغيير، ولم يكن أداةً للإساءة بل منصةً لطرح القضايا المهمة والدفاع عن حقوق الناس. إن سجن الزعبي بسبب آرائه يُظهر الحاجة الماسة لإعادة النظر في السياسات المتبعة تجاه الكُتّاب والمفكرين في الأردن.
ندعو اليوم أصحاب القرار إلى مراجعة شاملة لقانون الجرائم الإلكترونية، بحيث يتم تعديل أو إزالة النصوص التي تقيد حرية التعبير وتضعف مناخ الحريات. هذه المراجعة يجب أن تتماشى مع المبادئ الدستورية التي تحترم كرامة المواطن وتقدّر حقه في التعبير عن رأيه بحرية وبدون خوف من الملاحقة القانونية أو القمع.
وفي ظل الظروف الراهنة، ندعو الحكومة الجديدة بقيادة الدكتور جعفر حسان إلى اتخاذ موقف شجاع يتمثل في إطلاق سراح الكاتب أحمد حسن الزعبي فوراً، كخطوة رمزية نحو تحسين البيئة السياسية في المملكة. هذا الإجراء سيكون إشارة قوية على جدية الحكومة في تبني رؤية جلالة الملك لتحقيق التحديث السياسي والانفتاح والشفافية.
إن الانفتاح السياسي وتحقيق المزيد من الحريات والحقوق ليسا مجرد شعارات، بل هما أساس لتعزيز قوة الأردن وصموده في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. إن تعزيز الحريات يساهم في بناء روح من التلاحم الوطني والتكاتف المجتمعي والوحدة الوطنية، ما يجعل البلاد أكثر استعداداً لمواجهة الأزمات بروح من التضامن والثبات. تعزيز هذه القيم سيساهم في تقوية النسيج الوطني، وبناء مجتمع يتطلع لمستقبل أكثر ازدهاراً ويمتلك مقومات التصدي لأي تحدٍ يواجهه، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
في الختام، ندعو الله أن يحفظ الأردن قيادةً وشعباً، وأن يبقى منارة للحرية والعدالة في منطقة تعصف بها التحديات والصراعات، وأن يظل أبناء الأردن متكاتفين في وجه كل ما يهدد استقرارهم ووحدتهم.