"العالم الديمقراطي الحر" إذ يقدّم الغزيين "قرابين بشرية"!
كمال ميرزا
جو 24 :
بحسب علوم "السيد الأوروبيّ الأبيض"، يُنسب لبعض الشعوب الوثنيّة القديمة التي تُوصف بـ "البدائيّة" أو "البربريّة" أو "الهمجيّة" أنّها كانت تقوم بتقديم قرابين بشريّة للآلهة من أجل نيل رضاها والظفر ببركتها ونعمتها ورخائها.
من حيث النموذج الكامن، بماذا يختلف هذا عن قيام "العالم الديمقراطيّ الحُر"، وقيام الأنظمة العربيّة والإسلاميّة، بتقديم أهل غزّة قرابين بشريّة في سبيل "الإزدهار"، وفي سبيل "صفقة القرن" وبركات "السلام الاقتصاديّ" الموعود؟!
من حيث "النموذج الكامن" لا فرق، وهذا الكلام ليس من قبيل الرأي الشخصيّ أو المجاز الأدبيّ أو الخطابة، بل هو استقراء علميّ محض!
النموذج الكامن واحد، أيّ أنّه لا يوجد فرق "نوعيّ" بين الحالتين، والفروقات بينهما فقط "كميّة" وشكليّة يمكن حصرها فيما يلي:
ـ الشعوب الوثنيّة القديمة كانت صريحة في وثنيّتها.. في حين أنّ الشعوب الوثنيّة الحالية منها المسلم والمسيحيّ واليهوديّ (على اختلاف نِحَلِهم وطوائفهم)، ومنها العلمانيّ (حيث العلمانيّة من حيث الجوهر هي دينٌ لأصحابها)، ومنها العلمويّ (الإيمان بالعلم بمفهومه الحديث والاعتقاد بالحتميّة العلميّة)، ومنها ما هو هجين وخليط بين هذا وذاك (الدين السائل).
ـ الآلهة لدى الشعوب الوثنيّة القديمة كانت تحلّ في موجودات الطبيعة (شجر/ غابة، حيوانات، تضاريس..)، أو في الظواهر الطبيعيّة (إلاه المطر، إلاه البرق، إلاه الرعد..)، أو في صفات الطبيعة وأطوارها (إلاه الخصب، إلاه الحياة، إلاه الموت..)، أو في تكوينات رمزيّة يصنعها البشر بإيديهم وتعبّر عن جميع ما تقدّم (طوطم، نُصُب، صنم).. أمّا آلهة الشعوب الوثنيّة "الحديثة" أو "المتقدّمة" أو المتطورة" فحالّة في المصنع، وفي السوق، وفي البنك، وفي البورصة، وفي سعر الصرف، وفي "الدولة الويستفاليّة" بأجهزتها واحتكارها للعنفين الماديّ والرمزيّ، وفي الشعب العضويّ المتفوّق (كالجيرمان/ النازيّة، واليهود/ الصهيونيّة)، وفي الفردوس الأرضيّ الموعود (صهيون)!
ـ الشعوب الوثنيّة القديمة كانت شعوب "كفاف" جلّ ما تطمحه من من وراء قرابينها وطقوسها "دوام النعمة".. أمّا الشعوب الوثنيّة الحديثة فهي شعوب ترف وبطر ومراكمة لا نهائيّة للفائض مهما كان الثمن، حتى لو استدعى الأمر إبادة شعوب بأكملها (كما حدث في أمريكا الشماليّة من قبل ويحدث في غزّة حاليّاً)!