نظام هيئة الخدمة والإدارة العامة بين التحديات الحالية والعودة إلى نظام الدور
د. نسيم أبو خضير
جو 24 :
في ظل المتغيرات السريعة التي تشهدها بيئة العمل الحكومي ، تبرز قضية توظيف الكفاءات كأحد أهم التحديات التي تواجه نظام هيئة الخدمة والإدارة العامة . ومع تصاعد الأصوات التي تنتقد النهج الجديد في التوظيف ، تتزايد الحاجة إلى إعادة النظر في هذا النظام لتحقيق العدالة وتعزيز الكفاءة في إختيار الموظفين .
اقد شهد النظام الجديد للتوظيف في هيئة الخدمة والإدارة العامة تغيرات جوهرية في الأساليب والمعايير المعتمدة . كان الهدف من هذه التغييرات تحسين جودة الخدمات وإختيار الأفراد بناءً على كفاءاتهم ومهاراتهم . ومع ذلك ، بدلاً من تحقيق هذا الهدف ، يبدو أن الواسطة والمحسوبية قد أخذت حيزًا أكبر ، مما أدى إلى تجاوز نظام الدور التقليدي ، الذي كان يعكس شفافية في إختيار الكفاءات حسب ترتيبهم وأولويتهم .
إحدى أبرز الإشكاليات تكمن في نوعية الأسئلة التي يتم طرحها خلال اختبارات المتقدمين ، حيث تعكس هذه الأسئلة أحيانًا تحيزًا معينًا أو توجيهًا لخدمة مصالح محددة ، مما يؤثر على مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المتقدمين . هذا الأمر أوجد شعورًا بالظلم لدى شريحة كبيرة من المتقدمين الذين يرون أن كفاءاتهم لم تُمنح الفرصة التي يستحقونها بسبب هذه الممارسات .
هضم حقوق العاملين على نظام شراء الخدمات خاصة من أمضوا سنوات عدة تجاوزت العشر سنوات وهم في أماكن عملهم من المبدعين والمتميزين .
من ضمن أبرز المشكلات المرتبطة بالنظام الجديد ، هو التعامل مع العاملين وفق نظام شراء الخدمات . فعلى الرغم من الجهود التي بذلها هؤلاء في خدمة مؤسساتهم ، إلا أنهم لم يحظوا بنفس الفرص التي مُنحت لزملائهم المعينين على نظام الدور التقليدي . وهذا التمييز يعد إهدارًا للكفاءات والجهود ، مما يدفع البعض إلى الشعور بالإحباط وعدم الإنتماء للمؤسسة .
أحد الجوانب المثيرة للقلق في النظام الجديد هو حصر الإعلانات للتوظيف على شخص أو اثنين أو ثلاثة . هذا الحصر يقتل التنافسية ويحد من الفرص المتاحة أمام الكفاءات الحقيقية . فبدلاً من أن تكون الوظائف العامة مفتوحة أمام جميع المتقدمين وفقًا لمعايير عادلة وشفافة ، يتم توجيهها إلى نطاق ضيق ، مما يجعل الكثيرين يشعرون بالإقصاء وعدم العدالة.
في ظل هذه التحديات ، تبرز دعوة للعودة إلى نظام الدور كحلٍ لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص . ولكن العودة إلى هذا النظام لا تعني التخلي عن تحسين المعايير ، بل على العكس ، يمكن إعادة صياغة نظام الدور وفقًا لفئات محددة تضمن العدالة في الإختيار وتضمن تأهيل الكفاءات المناسبة للمناصب .
يمكن تقسيم نظام الدور إلى ثلاث فئات رئيسية:
١ . الأوائل في الجامعات: هذه الفئة تضم الخريجين الذين حصلوا على أعلى المعدلات والتقديرات، ويجب أن يكون لهم أولوية في التوظيف ضمن نظام دور خاص بهم .
٢ . فئة الجيد جداً والجيد : وتشمل هذه الفئة الخريجين الذين أثبتوا تميزًا في دراستهم ولكن لم يصلوا إلى مستوى الأوائل ويكون ضمن نظام دور خاص بهم .
٣ . فئة ما دون الجيد : وهي الفئة التي تضم الخريجين الذين حققوا معدلات أقل ، ولكن يمكن تأهيلهم من خلال دورات تدريبية .
في ظل التحديات التي يواجهها نظام التوظيف ، فإن تأهيل المتقدمين قبل التعيين يمكن أن يشكل حلاً فعالاً لضمان إختيار الكفاءات الحقيقية . يمكن تحديد فترة تأهيل مدتها ستة أشهر ، يتلقى خلالها المتقدمون تدريبًا مكثفًا في مجالات تخصصهم ، بحيث يتم تقييمهم بشكل موضوعي خلال هذه الفترة . ولضمان الجدية ، يجب أن تكون هذه الفترة غير مدفوعة الأجر ، بحيث يتاح للجهات الحكومية إختيار الأفضل من بين المتقدمين .
إن العمل العام وإدارة الدولة يعتمد على إختيار الكفاءات القادرة على تحمل المسؤولية وإحداث التغيير . ولتحقيق ذلك ، لا بد من العودة إلى نظام الدور مع تحسينه وتطويره لضمان العدالة والنزاهة . كما يجب على الجهات المختصة وضع معايير شفافة للإختيار والتوظيف ، تضمن القضاء على الواسطة والمحسوبية وتفتح المجال أمام جميع الكفاءات .
إذا تم تطبيق هذه الرؤية ، فإن نظام هيئة الخدمة والإدارة العامة سيكون أكثر كفاءة وقدرة على تلبية إحتياجات المواطنين وتعزيز التنمية المستدامة . إن العدل في التوظيف والشفافية في الإجراءات هما أساس بناء دولة قوية ومتقدمة ، تقدر الكفاءات وتكافئ الجهود المخلصة .