نداء للوحدة الوطنية: كرامة الأردنيين لا يُساوَم عليها
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
إلى أصحاب العقول الحكيمة وأهل الرأي السديد في وطننا الأردن، الوطن الذي نفاخر به، ويستحق أن نحرص عليه بقلوبنا وعقولنا؛ كرامة الأردنيين، تلك الراية التي نرفعها، ليست مجرد كلمة أو شعار؛ بل هي قيمة متأصلة، رمز لعزة هذا الوطن ورفعة شأنه، وحصن منيع يحمي هويته وسمعته أمام العالم. كرامة الأردني لا تُساوَم عليها، حقوقه وحرياته ليست قابلة للمساس أو التنازل.
إن كرامة المواطنين وصوتهم هي الركيزة الأساسية التي تبني عليها الدول قوتها وتماسكها، وهي مسؤولية مقدسة يجب أن تُصان في كافة الاحوال .
نستذكر هذه القيم اليوم وسط تساؤلات كبيرة بعد اعتقال الكاتب أحمد حسن الزعبي، الكاتب الذي لطالما كان صوتاً نابضاً بنبض هذا الوطن. الزعبي لم يكن يوماً مجرد كاتب عابر؛ بل هو ابن بار للأردن، دافع عن قضايا الشعب وتطلعاته، ونقل همومهم وأحلامهم بصدق وإخلاص. كان موقفه دائماً بجانب الشعب، يعبّر عن وجعه وطموحاته، لم يتوانَ في يوم من الأيام عن تمثيل صوت الأردنيين، مواقفه الراسخة التي عكست حبه للوطن وحرصه على وحدته وأمنه وتقدمه، لم تكن إلا رمزاً للوفاء والانتماء الحقيقي.
اعتقال الزعبي يُعتبر جرحاً في صورة الأردن كدولة تُعرف بتسامحها وعدالتها، فهو لم يكن يوماً خصماً للوطن، بل كان نصيراً له، يسعى لتعزيز كرامته وحمايته. في مثل هذه اللحظات المفصلية، يصبح الحوار والتسامح ركائز لا غنى عنها لبناء الوحدة الوطنية الحقيقية، وهي رسالة يجب أن نتكاتف جميعاً لنقلها وإبرازها.
في الأردن، تعلمنا أن الوطن يحتضن أبناءه جميعاً، مهما كانت اختلافاتهم، وأن الوطنية تتجلى في قدرتنا على أن نختلف دون أن نفقد رابط الانتماء، وأن نحترم آراء بعضنا البعض مهما تباينت رؤانا. الوطن الحقيقي ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو حضن واسع يحتوي الجميع، يمنحهم الفرصة ليصححوا أخطاءهم، ويستعيدوا مكانهم فيه. إن قوة الدولة لا تكمن في قسوتها، بل في قدرتها على احتواء الجميع؛ وهذه هي الرسالة التي يجب أن تصل لكل أبناء الوطن.
إن استمرار اعتقال الكتاب وأصحاب الرأي يشكّل ضربة لصورة الأردن كدولة تتسم بالحرية والعدالة. إن التمسك بالحوار والتسامح، خاصة في التعامل مع أصوات قد تختلف معنا في الرأي، يعزز مكانة الأردن دولياً ويُظهره كبلد يتسع للجميع، بلد يجسّد معاني العدالة والنزاهة في أبهى صورها. حين تتعامل الدولة بتسامح مع أبنائها، فهي بذلك تقدم للعالم درساً راقياً في الحلم والعفو، وتؤكد أن اختلاف الرأي لا يُفسد للوطن قضية، بل يعمق من وحدتنا ويعززها.
لقد أثبت تاريخ الأردن العريق التزامه بقيم العدالة والحرية، وقوة العلاقة بين الشعب والدولة. هذه القيم ليست مجرد شعارات، بل ممارسات تجسّد أصالة هذا الوطن وحكمة قادته وشعبه. إن الأردن، الذي لطالما كان منارة للكرامة والحرية، يستحق أن نظهره للعالم كبلد متسامح قادر على استيعاب أبنائه، يعكس صورة مشرقة في كل تعاملاته، ويكون نموذجاً في الحكمة والرقي.
في ختام الحديث، يبقى صوت الأردنيين جميعاً مجلجلاً بالدعوة إلى الحوار والوحدة، فالأردن يستحق أن يظل منارة للحرية والكرامة، وأن يكون نموذجاً يحتذى به في التعامل الراقي والحكمة في مواجهة التحديات والأزمات. إن هذا الوطن العظيم يستحق أن يُرى فيه العالم تجسيداً لمبادئ العدالة والتسامح وقوة التماسك الاجتماعي.
إن الاستجابة للمطالب الشعبية بروحٍ من التسامح الإنساني ليست علامة ضعف، بل تعبيراً عن قمة القوة وأسمى صور الحكمة التي تجسد تاريخ هذا الوطن العريق وتراثه الأصيل. هذا النهج هو الدرع الحامي للوطن وقيادته، وهو السبيل الأنجع لتقريب المسافات بين القيادة والشعب، وإرساء أسس الثقة المتبادلة.
وفي هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها، نحن بأمسّ الحاجة إلى وحدة الصف وتماسك الموقف وتوحيد الكلمة، حتى نبني مستقبلاً أفضل لوطننا، ونحافظ على إرثه وتاريخه الذي حمله الأجداد بكل إخلاص، ليبقى الأردن شامخاً عزيزاً في وجه التحديات، ومنارة أمل للأجيال القادمة.