الاستجابة لمطالب الشعب: ذروة الحكمة وعنوان القوة
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
يظل احتجاز الكاتب أحمد حسن الزعبي شاغلًا للرأي العام في الأردن، ويثير في الأوساط الوطنية تساؤلات عميقة حول مستقبل حرية التعبير ومستوى تقبل النقد البنّاء في البلاد. الكاتب الزعبي، رمز وطني وصوت صادق يعبر عن نبض الشعب وأوجاعه، يتحدث بلسان حر يحمل هموم المجتمع وأحلامه. هذا النداء ليس مجرد مطلب لإطلاق سراح فرد، بل هو نداء لإعادة النظر في المسار الذي نتبعه لتحقيق العدالة واحترام حرية الرأي.
احتجاز الزعبي ليس احتجازًا لشخص فقط؛ إنه قيد على صوت الشعب ومشاعره، وتذكير بقيمة النقد الصادق الذي يبني الأوطان ويعزز من استقرارها. إن حرية التعبير ليست امتيازًا، بل حق من حقوق الإنسان الأساسية، ويجب أن تتجسد في كل مناحي الحياة العامة. إذا كانت الحكومة تسعى لتمتين علاقتها مع شعبها، فإن خطوة واحدة نحو السماح بالتعبير بحرية يمكن أن تحقق هذا الهدف بشكل كبير، وتبعث برسالة واضحة للعالم بأن الأردن بلد يحتضن جميع أبناءه ويحتفي بتنوع الآراء.
ما يقدمه الزعبي ليس سوى نبض الشعب، ومرآة تعكس همومه وتطلعاته، فقد اختار هذا الكاتب طريق التعبير عن الحقائق وتوصيلها بأسلوب قريب من القلب. إن استمرار احتجازه يوحي بأن هناك حدودًا للنقد في وطن نعتز به، وطن أسس دستوره على قيم العدالة والحرية وحق المواطن في إبداء رأيه. ويظل السؤال: هل نحن قادرون على تقبل الأصوات الحرة التي تتحدث باسم الشعب وتنتقد بأمانة؟
المطالبة بإطلاق سراح أحمد حسن الزعبي هي مطالبة باستعادة الثقة بين الشعب والحكومة، وثمة رسالة واضحة يجب أن تصل: أن الحكومات القوية هي التي تستمد قوتها من تلاحمها مع شعبها واستماعها لمطالبه. الحكومات التي تفرض القيود وتكمم الأفواه تفقد احترام الناس وثقتهم. بل، القوة الحقيقية تكمن في الحكمة والتفهم، في القدرة على الإصغاء واستيعاب النقد البناء، وهذا ما يتطلبه الأمر اليوم.
إن الإفراج عن الزعبي سيعبر عن موقف واضح وصريح بأن الأردن وطن للجميع، وطن يحتفي بابنائه مهما كانت آراؤهم، وطن يحتضن من يعمل لأجله بصدق وولاء. إنه قرار يحمل في طياته رسالة طمأنة لكل كاتب وكل صاحب رأي، بأن حريتهم في التعبير مصونة، وأن الوطن يتسع لكل من يسعى لخدمته بضمير حي.
كما أنه، ومن خلال إطلاق سراح الزعبي، يمكن أن نعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ما يسهم في تعزيز الشعور بالانتماء والولاء الوطني. الأردن لا يمكن أن يكون قويًا بحق إذا كان يحد من حريات أبنائه ويعاقبهم على حبهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته. هذا الوطن لم يقم على أكتاف المصفقين والمتملقين، بل على جهد وعمل أبنائه المخلصين، والذين ينتقدون حبًا في وطنهم وليس عداءً له.
في الختام، إننا بحاجة اليوم إلى تجسيد العدالة في قرار يثبت أن حب الوطن ليس جريمة، بل هو واجب وحق لا يمكن التنازل عنه. آن الأوان لأن نصغي إلى أصوات الشعب، وأن نعيد بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطن، وأن نمنح الكتاب والمفكرين حريتهم التي تكفلها الدساتير.
إن مسؤولية الدولة تجاه شعبها تتطلب استجابةً إنسانية تليق بأبنائها، وتؤكد أن مبدأ حب الوطن هو طاقة تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم.