jo24_banner
jo24_banner

افرحوا دون ان تدوسوا على جراحهم

سلام العكور
جو 24 :


ارتشفت فنجان القهوة ببطء وهي تنظر بامعان الى طفلها الذي يبلغ 8 أعوام وكأنها تحضر إجابة على مهل ،اختلطت مشاعرها بعد ان باغتها طفلها لؤي بسؤال تحاول ان تجد له ردا يناسب عمره ولا يجرح براءته ، كان يقف الى جوارها في شرفة المنزل المطل على الشارع ،في ليلة صيفية دافئة ، يراقب  مظاهر السعادة العارمة التي تملأ المكان ، سيارات تجوب الشوارع ذهابا وإيابا ، رؤوس واجساد تطل من نوافذ السيارات الجانبية والعلوية ،اصوات بهجة مرتفعة تصم الأذان ، و هستيريا المواكب  تصنع الفوضى في كل زاوية ،سألها : لماذا يحتفل طلاب التوجيهي بنجاحهم هكذا ، الا يعرفون ما يحصل في غزة ؟ اليس هذا عيبا ؟ 

حاولت التملص من الجواب في محاولة لشراء الوقت ،فأشارت اليه بمتابعة المشهد والاستمتاع بالموسيقى المرتفعة التي كان يحفظ بعضا منها ، لكنه بعناد طفولي ظل يبحث عن إجابة . 

قوة وقع سؤاله ادخلها في دوامة من التساؤلات التي ليس لها إجابات شافية . 

شعور طفلها بان الوان الفرح التي يعيشها طلبة التوجيهي وذويهم واهلهم واصدقائهم بهذه الطريقة العلنية غير مبررة بالنسبة له وهو يستعيد البوم صور بلون الرماد ، جاءت من غزة ، يحمل صورا لاطفال يحتلون جزءا عميقا من قلب الطفل الصغير . 

أطفال غزة الذين حرموا من مواصلة تعليمهم، كسروا مقاعدهم الصفية واعدوها حطبا  في ليالي الشتاء القارسة لتدفئة  اسرهم، بعد ان احتموا باسقف المدارس من طائرات وصواريخ الجو الصهيونية.

 بينما كان يجلس ابناؤنا على مقاعدهم يغرفون علما ومعرفة في مدارسهم الآمنة الدافئة ، كان يتلقى أطفال غزة دروسا في ابجدية الصبر ، وحساب ارقام الشهداء والمفقودين والمصابين من احبتهم ، هناك .. تعلموا قيما  كالمحبة والتآخي ، وكيمياء الدم عندما يمتزج بتراب الأرض الطاهرة ليصبح عطرا فواحا يملأ الروح صلابة وايمانا . 

لم يستوعب الطفل ما يراه  ، اختلطت لديه المشاعر حين وجد نفسه متعاطفا مع أطفال غزة الذين يبكون كتبهم والعابهم التي اندملت تحت البيوت المهدمة .

لقد ألقى الصغير دون ان يشعر حجرا صغيرا في بركة صامتة ،فأحدث دويّا داخلها ، ان سؤاله يحمل رغم بساطته معان كبيرة ، ويدل على ان قلب وعقل هذه الطفل ناضجان لما يحدث بعيدا عن حدود المكان الذي يقف فيه . 

ان أطفال غزة ، حفظة كتاب الله ، يوقنون بأن للفرج بابا لا يفتحه الا الصبر ، وان ما تعلموه في اتون الحرب يحتاج المرء لان يبذل سني عمره كاملا لأن يتعلمه ، انهم ليسوا أطفالا كما نظن ، سنابل قمح تنحني مع الريح ، انهم أشجار شامخة لا تركع، وتموت وهي واقفة .

ما زالت الام تحدق الى طفلها ، وهو يتابع ما يحدث بعيني ناقد ،قبل ان تخطف انتباهه الوان السماء المشتعلة بالعيارات النارية . وبقيت إجابة الام  معلقة بين السماء والأرض .

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير