"دعم الشرعيّة" والمهمّة القذرة!
كمال ميرزا
جو 24 :
"الدفاع عن الشرعيّة" هي الكذبة التي ستركن إليها الأنظمة العربيّة (والإسلاميّة) في المرحلة القادمة من أجل خلع القناع عن وجهها نهائيّاً، وتسويغ تماهيها الكامل مع العدو الصهيو-أمريكيّ ومخططاته وإملاءاته، وتبرير "فزعتها" المزمعة من أجل انتشال العدو من ورطته وإتمام المهمّة القذرة التي بدأها وهي: نزع سلاح المقاومة، وتفكيك محورها، وإرساء أمر واقع جديد على الأرض في المنطقة!
في ضوء ذلك يمكن أن نقرأ القرارات الأخيرة للحكومة اللبنانيّة، و"المراجل" و"العنتريّات" غير المسبوقة بحقّ المقاومة وسلاح المقاومة.
وفي ضوء ذلك يمكن أن نقرأ "اللوثة" باتجاه الاعتراف بـ "الدولة الفلسطينيّة" في أيلول.
وفي ضوء ذلك يمكن أن نقرأ الحديث عن إصلاح ما تُسمّى "السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة".
وفي ضوء ذلك يمكن أن نقرأ حديث "فخامة" الرئيس "محمود عبّاس" عن إجراء الانتخابات الفلسطينيّة (وهو الذي عطّلها وعلّقها على مدى سنوات طويلة)، والشروط التي حدّدها فخامته لأي "أفراد" أو "جهات" يرغبون بالمشاركة في هذه الانتخابات، وفي مقدمة هذه الشروط الاعتراف ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينيّة (التي نبذت السلاح وباتت تتبنّى نهج المقاومة السلميّة والتحرير السلميّ)، والتزاماتها (أي أوسلو والتنسيق الأمنيّ)، والشرعيّة الدوليّة (أصل كلّ الشرور والبلاء).
وفي ضوء ذلك نستطيع أن نقرأ الإفشال المتعمّد لجهود المصالحة الفلسطينيّة، والمبادرات العديدة التي تم طرحها من أجل رأب الصدع وآخرها "لقاء بكين"، ورفض إعادة هيكلة "منظمة التحرير الفلسطينيّة" وانضواء فصائل المقاومة تحت مظلتها، والتلكّؤ، وافتعال خلافات أو إبداء أعذار واهية بهذا الخصوص.
وفي ضوء ذلك نستطيع أن نقرأ إصرار الأنظمة العربيّة العجيب على عدم الاعتراف بفصائل المقاومة الفلسطينيّة كحركات تحرّر وطنيّ مشروعة حتى هذه اللحظة، والتصريحات السمجة الصادرة عن هذه الأنظمة وعن مسؤوليها وناطقيها الرسميّين الأكثر سماجةً، وعبارة "الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينيّ وخياراته الشرعيّة" التي باتوا يردّدونها كثيراً في خطابهم السياسيّ مؤخّراً، والتي من خلالها يحاولون تبرير تخاذلهم تجاه ما يجري في غزّة، والغمز ضمناً في قناة "طوفان الأقصى" باعتباره خيار غير شرعيّ (وبالتالي غير مُلزِم) قد صدر عن فصائل غير شرعيّة (بكون سلطة أوسلو والتنسيق الأمنيّ هي فقط التي تحتكر الشرعيّة وتمثيل الشعب الفلسطينيّ وخياراته)!
مسرحية "الشرعيّة" و"الوقوف إلى جانب الشرعيّة" و"الدفاع عن الشرعيّة" سيناريو قديم ومكرّر ومحروق سبق لنا رؤيته واختبار مفاعيله، والمثال الأقرب ما يُسمّى "التحالف العربيّ من أجل دعم الشرعيّة في اليمن" و"عاصفة الحزم" التي أطلقها هذا التحالف.
والمؤشرات توحي بأنّنا مقبلون على سيناريو عربيّ (وإسلاميّ) في لبنان وغزّة مشابه للسيناريو اليمنيّ، ولكن على نطاق أوسع، وصفاقة أكبر، وأهداف وغايات أقذر!
التخريجة على الأرض من أجل المضي قدماً في مثل هذه السيناريوهات، والشروع في التنفيذ، هي مسألة سهلة وهينة ومقدور عليها.
ففي لبنان مثلاً، يمكن افتعال صدام بين المقاومة والجيش اللبنانيّ، يعقب ذلك لوثة من الهرج والمرج والضخ والتهويل الإعلاميّ وتبادل الاتهامات والتهديد والوعيد والتجييش الطائفيّ، يعقبها عقد اجتماع طارئ أو قمّة طارئة لجامعة الدول العربيّة تقرّر فيها بشكل عاجل وحازم تشكيل قوّة عربيّة للتدخّل السريع في لبنان بذريعة حماية الشرعيّة.
وربما يتمّ توسيع نطاق الاجتماع ليكون قمة عربيّة وإسلاميّة مشتركة بقرارات موحّدة.
وحبذا لو صاحب هذا الحراك العربيّ والإسلاميّ الجَسور حراك أمميّ موازٍ من خلال الجمعية العامّة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن.
وهكذا سيتم منح الضوء الأخضر و"إسباغ الشرعيّة" على التدخّل العسكريّ الخارجيّ في لبنان، وفي مقدمة ذلك المليشيات الطائفيّة لـ "مجاهديّ البترو-دولار" و"فاتحي الباب العالي" في سوريا، والذين يتوقون إلى مواصلة مهمّتهم المقدّسة وجهادهم المقدّس الذي يشير نحو أربع جهات الأرض ولكنّه للغرابة لا يشير أبداً إلى فلسطين والعدو الصهيونيّ!
أمّا في غزّة فالسيناريو أبسط (وإن كان أوقح وأفدح)، فها هي العديد من الدول العربيّة قد شرعت بالفعل في ابتزاز أهالي غزّة ومقاومتهم الباسلة من خلال طرح فكرة نزع سلاح المقاومة وإخراج قادتها ومقاتليها مقابل وقف الإبادة والتجويع.
ومن أجل ترجمة ذلك فلا بدّ من وجود قوّات وضامنين على الأرض.. وعندها ها هي القوّات العربيّة (والإسلاميّة) حاضرة لتنتخي مرّة أخرى، ولتزجي للشعب الفلسطينيّ و"شرعيّته" هذه الخدمة الجليلة!
هذا التدخّل باسم الشرعيّة ومن أجلها، قد يكون مناسبة يستغلّها أصحابها من أجل الخروج بذلك الحلف الجديد إلى العلن، أو ما يُسمّى "الناتو العربيّ"، والإعلان عن تدشينه رسميّاً.
الذي يحزّ في النفس إزاء هذا الحلف الصهيو-أمريكيّ جوهراً ومضموناً، أنّ تسويقه سيتمّ باسم مفاهيم عزيزة وأثيرة على قلوبنا جميعاً نفتقدها ونفتقد رجالاتها وزعاماتها مثل "التضامن العربيّ" و"الدفاع العربيّ المشترك"!
طبعاً جميع ما تقدّم يدخل في باب "ويمكرون ويمكر الله..."، ولكن الكلمة الفصل تبقى في نهاية المطاف لـ "الميدان"، وهنا لا بدّ من التحذير مرّة أخرى من الدور القذر الذي تلعبه وسائل الإعلام في التمهيد وتهيئة الوعي للسرسرات والسفالات القادمة، وذلك استمراراً لنهجها المُغرض منذ إنطلاق معركة "طوفان الأقصى" المباركة، سواء من حيث محاولة طمس حقائق الميدان وتعميتها، أو حرفها وإساءة تأويلها، أو من حيث محاولة بثّ روح الهزيمة واليأس والقنوط، وتكريس ثيمة "المعاناة الإنسانيّة" و"الكارثة الإنسانيّة" بدلاً من ثيمة المقاومة والصمود والبطولة، وإبراز رواية العدو وسرديّته، والتهوين من إنجاز المقاومة وحاضنتها الشعبيّة في مقابل تهويل إنجازات العدو، والتعتيم على خسائر العدو وإخفاقاته، وتهافت وتهاوي ووهن كيانه وجبهته الداخليّة، وعجزه عن الصمود والاستمرار بالاعتماد على قدراته الذاتيّة لولا الدعم الأمريكيّ والغربيّ غير المحدود، وحاجته المُلحّة إلى أصدقائه وحلفائه وأعوانه من الأنظمة العربيّة والإسلاميّة ولو حساب فضح هذه الأنظمة وتعريتها أمام شعوبها والتاريخ!








