التمكين الاقتصادي للمرأة في الأردن: من الفجوة إلى النمو المستدام
د. عدلي قندح
جو 24 :
يشكّل تمكين المرأة اقتصاديًا أحد المرتكزات الجوهرية للنمو الشامل والمستدام في الأردن، إذ يرتبط هذا التمكين ارتباطًا مباشرًا بقدرة الاقتصاد الوطني على استثمار رأس ماله البشري على نحوٍ متوازن وفعّال. ورغم ما حققته المرأة الأردنية من تقدم في التعليم والمشاركة الاجتماعية، فإن حضورها الاقتصادي ما يزال محدودًا ويعكس فجوة واضحة بين الإمكانات المتاحة والمشاركة الفعلية في سوق العمل.
تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2024 إلى أن حجم القوة العاملة في الأردن بلغ نحو 2.75 مليون شخص من أصل 6.3 مليون في سن العمل، أي بمعدل مشاركة اقتصادية إجمالي يقارب 43.5%. غير أن مشاركة النساء في هذه القوة العاملة لا تتجاوز 14.8% مقارنة بـ67.2% للرجال، وهي من أدنى النسب في المنطقة العربية، ما يعكس تحديات هيكلية عميقة تتجاوز الجانب الاقتصادي لتطال الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتنظيمية. وفي الوقت ذاته، يسجّل معدل البطالة بين الإناث نحو 24.1% مقابل 19.6% للذكور، وهو فارق يُبرز محدودية فرص العمل المتاحة أمام النساء في القطاعات الإنتاجية.
على الرغم من هذه الأرقام، تمثل النساء طاقة اقتصادية كامنة قادرة على إحداث تحول نوعي في الاقتصاد الوطني. فبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن رفع معدل مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30% يمكن أن يضيف ما بين خمسة إلى سبعة مليارات دولار سنويًا إلى الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل نحو 10% من الناتج الحالي. هذا المعطى يؤكد أن الاستثمار في تمكين المرأة ليس التزامًا اجتماعيًا فحسب، بل خيارًا اقتصاديًا ذكيًا يرفع الكفاءة ويعزز الإنتاجية ويعمّق العدالة الاجتماعية.
على الصعيد المالي، تظهر بيانات البنك المركزي الأردني أن النساء يشكّلن نحو 36.7% من إجمالي المودعين في البنوك، و 22.3% من المقترضين من المؤسسات المالية الرسمية، في حين تصل نسبة النساء المستخدمـات للخدمات المالية الرقمية إلى 33%. كما أن نحو 54% من النساء يمتلكن حسابًا ماليًا رسميًا مقابل 75% من الرجال، ما يشير إلى فجوة مالية رقمية واضحة، لكنها في الوقت ذاته تمثل فرصة للابتكار المالي والتحول نحو الاقتصاد الرقمي الشامل.
أما على مستوى ريادة الأعمال، فتُظهر سجلات وزارة الصناعة والتجارة أن نحو 26% من الشركات المسجّلة في الأردن مملوكة كليًا أو جزئيًا لنساء، معظمها مشاريع صغيرة ومتوسطة تتركز في القطاعات الخدمية والتعليمية والحرفية. ومع ذلك، لا تتجاوز نسبة صاحبات المشاريع اللواتي يحصلن على تمويل بنكي 10%، ما يعكس الحاجة إلى أدوات تمويل أكثر مرونة وابتكارًا، مثل التمويل القائم على التدفقات النقدية وصناديق الضمان الائتماني.
العقبات التي تواجه تمكين المرأة الاقتصادي متعددة المستويات، من بينها تركّز فرص العمل في قطاعات منخفضة الإنتاجية، وصعوبة الحصول على التمويل بسبب شروط الضمانات التقليدية، إضافة إلى ضعف بيئة العمل الداعمة التي تفتقر إلى المرونة في ساعات العمل وتوفير الحضانات والنقل الآمن. كما تسهم الفجوة الرقمية وضعف الثقافة المالية في الحد من قدرة النساء على الاندماج في الأنشطة الاقتصادية الحديثة.
إن الآثار المتوقعة لتعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد لا تقف عند حدود النمو الكمي للناتج المحلي، بل تمتد لتشمل تعزيز الاستقرار الاجتماعي، وتوسيع قاعدة المدخرات الوطنية، وتحسين كفاءة تخصيص الموارد في النظام المالي. كما أن تمكين المرأة يعزز مكانة الأردن في مؤشرات الحوكمة والمساواة الجندرية، ويرفع من جاذبيته الاستثمارية في أسواق التمويل المستدام والاقتصاد الأخضر.
ولتحقيق هذا التحول، تبرز الحاجة إلى سياسة وطنية مبتكرة وشمولية للتمكين الاقتصادي للمرأة للأعوام 2025–2030، ترتكز على أربعة مسارات مترابطة: تمكين مالي ذكي عبر إنشاء منصات تمويل رقمية جماعية تدعم الأفكار الريادية النسائية وتمنح التمويل بناءً على الجدوى لا الضمانات، تعزيز الشمول المالي والرقمي بربط المحافظ الإلكترونية بالتدريب المهني وفرص العمل، تحفيز القطاع الخاص من خلال ربط الحوافز الضريبية بمؤشرات التنوع الجندري والإبداع، وأخيرًا إعادة تصميم بيئة العمل لتشمل العمل الهجين والريادة من المنزل بما يضمن استدامة المشاركة والإنتاجية.
تشير التقديرات إلى أن تحقيق هذه الأهداف يمكن أن يرفع نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة من 14.8% إلى 30% بحلول عام 2030، ويخفض معدل بطالتهن إلى أقل من 15%، ويرفع نسبة النساء المقترضات إلى 35%، والمودعات إلى 50%، كما يمكن أن تصل مساهمة المرأة في الناتج المحلي إلى نحو 25% خلال خمس سنوات.
إن التمكين الاقتصادي للمرأة الأردنية لم يعد ترفًا في سياسات التنمية، بل أصبح ضرورة استراتيجية لتعزيز المرونة الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة التحديات المتزايدة. فالمجتمع الذي لا يوظّف نصف طاقاته لا يمكنه تحقيق تنمية مستدامة حقيقية. إن فتح المجال أمام النساء للمشاركة الكاملة في النشاط الاقتصادي يعني بناء اقتصاد أكثر شمولًا وعدالة واستقرارًا، ويضع الأردن في موقع أكثر تنافسية في الإقليم والعالم.








