فوز ماريا ماتشادو الفنزويلية بجائزة نوبل للسلام: الدروس والعبر
اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني
جو 24 :
يشكّل فوز السياسية الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لعام 2025 محطةً لافتة في مسار النضال العالمي من أجل الديمقراطية، ورسالةً أخلاقية عميقة تستحق الوقوف عليها واستخلاص العبر. هذه الرسالة مفادها أن طريق الحرية والإصلاح السياسي لا يُشقّ بالعنف والصراع المسلح، بل بالصبر والحكمة والمقاومة المدنية السلمية التي تبني ولا تهدم وتحافظ على الأوطان ولا تمزقها وتجمع بين فئات الشعب ولا تفرقهم.
أولاً: انتصار رمزي لإرادة الشعوب
تكريم ماتشادو هو في جوهره انتصار لإرادة الشعوب التي تصرّ على التغيير السلمي رغم القمع والتضييق. فقد نجحت في أن تكون صوتاً للمدنيين والمضطهدين والمقهورين في بلدها، دون أن تنجر إلى العنف أو الفوضى، مثبتةً أن التحول الديمقراطي يمكن أن يتحقق بالإصرار والنفس الطويل والتنظيم والعمل الميداني السلمي.
ثانياً: مقارنة مع الربيع العربي
يستدعي هذا الفوز مقارنةً مؤلمة ولكن ضرورية مع تجارب الربيع العربي اواخر عام 2010 ومطلع 2011، التي انطلقت من مطالب مشروعة بالحرية والعدالة، لكنها انزلقت سريعاً إلى دوامة العنف والانقسام، فتحولت أحلام التغيير إلى صراعات دامية وانهيارات اقتصادية وأمنية وتدخل مباشر لدول عالمية وإقليمية في بعض الدول العربية ستبقى تعاني من تبعاته المدمرة لعقود من الزمن.
في المقابل، تمثل تجربة ماتشادو الوجه الآخر للنضال الوطني من أجل الديمقراطية: حراك سلمي متّزن، لا يسعى إلى الانتقام بل إلى بناء نظام سياسي عادل، مستند إلى الحوار والإصلاح التدريجي لا إلى السلاح والانقلاب. والإستقواء بدول او جماعات خارجية.
ثالثاً: رسالة إلى الأنظمة القمعية
يحمل فوزها أيضاً رسالة واضحة للأنظمة الاستبدادية والقمعية بأن العالم لا يزال يثمّن ويقدر ويكافيء النضال السلمي، وأن القمع مهما اشتدّ لا يمكنه إخماد صوت الحرية. فالجائزة تؤكد أن الشرعية السياسية لا تُكتسب بالقوة، بل من احترام إرادة الشعوب وتطلعاتهم.
رابعاً: دروس للعالم العربي
من شأن هذا الحدث أن يذكّر المجتمعات العربية والقوى السياسية المعارضة بضرورة إعادة التفكير في أدوات الإصلاح والتغيير، بعيداً عن العنف الذي أثبتت التجارب أنه يولّد العنف المضاد، ويقضي على الأمل بالتقدم. فالتغيير الحقيقي يحتاج إلى رؤية وطنية جامعة، وإلى قوى مدنية مؤمنة بالإصلاح السلمي التدريجي كما فعلت فنزويلا.
خامساً: تكريم لدور المرأة في النضال
ولا يمكن تجاهل البعد الإنساني والرمزي في تكريم امرأةٍ قادت معركة الديمقراطية بشجاعة، في وقتٍ تُقصى فيه كثير من النساء عن المشهد السياسي في مجتمعات مضطربة. ففوز ماتشادو هو تكريم للمرأة الحرة المناضلة في كل مكان، وأن المرأة يمكن ان تقود المعارك السياسية العادلة وتحقق انتصارات باهرة.
وفي الختام،إن فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام ليس مجرد احتفاء بشخصية سياسية، بل درسٌ عالمي في معنى النضال السلمي. فحيث فشل العنف في بناء الديمقراطيات، أثبت الإصرار المدني أنه قادر على فتح الطريق نحو الحرية والكرامة.








