2025-12-15 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

مدينة عمرة: رئة حضرية جديدة ونقطة تحول في هندسة المستقبل

د. عدلي قندح
جو 24 :
 
 
إطلاق مشروع «مدينة عمرة» الذي قام به رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان أمس يشكّل تحوّلاً استراتيجياً في خارطة التخطيط الحضري الأردني؛ ليس بوصفه مجرّد مشروع عقاري أو بنيان تقليدي، بل كنموذج متكامل لإدارة النمو السكاني طويل الأمد وبناء نواة لمدينة مستقبلية تُراعي معايير الاستدامة والحداثة وتفتح آفاقاً استثمارية واسعة. المشروع وُضع كخطة مرحلية تمتد على مدى ربع قرن (25 عاماً) بهدف تخفيف الضغط السكانـي عن عمّان والزرقاء، وتهيئة بيئة للعيش والعمل والتنمية الاقتصادية بعيدة عن الازدحام العمراني الحالي.


من حيث الحجم والموقع، أعلن القائمون أن الأراضي المخصصة لمشروعات الاستثمار في المرحلة الأولى تصل إلى نحو 40 ألف دونم من أصل مساحة إجمالية تقارب نصف مليون دونم تعود لخزينة الدولة، وتُعتبر أراضي المشروع بالكامل من أملاك الدولة، ما يمنح المشروع بعداً استراتيجياً في التحكم بالتدرج الزمني للتنفيذ والتمويل والتخطيط التنظيمي. وتقريراته الرسمية تشير إلى أنّ موقع «عمرة» يتمتع بربط استراتيجي على محاور طرقية تربط الأردن بالدول المجاورة، وبموقع قريب نسبياً من مطار الملكة علياء ووسط عمان والزرقاء، ما يعزّز جاذبيته للاستثمارات المتعددة القطاعات.



الأثر الاقتصادي المباشر وغير المباشر المتوقع كبير ومتعدد القنوات: على مستوى التشغيل، تُشير الدراسات الأولية للحكومة إلى أن مشاريع المرحلة الأولى ستوفر آلاف فرص العمل، خاصة في قطاعات المقاولات والبناء واللوجستيات والنقل والخدمات والسياحة والأنشطة الإنشائية المصاحبة، مع آثار تحفيزية لقطاع المصارف والتمويل لتمويل المشروعات السكنية والتجارية والصناعية المصاحبة. وعلى مستوى الناتج المحلي، فإن ضخ مشاريع بنية تحتية واستثمارات عقارية وتجارية وصناعية بهذه السعة يؤدي — وفق قواعد الاقتصاد الكلي لمثل هذه المشاريع — إلى مضاعفات طلبية تزيد من الاستهلاك والاستثمار المحلي وتخلق نشاطاً اقتصادياً مستمراً خلال سنوات التنفيذ والتشغيل.



أما في القطاع العقاري فالتأثير يتوقّع أن يكون تحوّليّاً: مدينة جديدة بهذا النطاق ستعيد رسم خارطة الأسعار والطلب في سوق الإسكان في محيط عمان والزرقاء، وستقدّم بدائل سكنية بمواصفات لوجستية حديثة قد تخفف من الضغوط على العرض في مناطق المدينة الحالية. كما ستجذب المدينة المطورين العقاريين المحليين والإقليميين وتفتح سوقاً ضخماً للمشاريع المختلطة (سكني-تجاري-مكاتب) مما سيحفّز نمو سوق البناء والمواد الإنشائية ويؤدي إلى إحياء قطاع المقاولات بشروط تنظيمية جديدة. في موازاة ذلك، فإن الإشراف المركزي عبر شركة متخصّصة لتطوير المدن يعني وجود إطار تنظيمي واستثماري موحّد يسهّل عمليات الترخيص والطرح وجذب الشركاء.



القطاع الصناعي سيستفيد أيضاً من بنية تحتية مُخططة وتصاميم مناطق صناعية وخدمية مرافقة، خاصة أن موقع المدينة الاستراتيجي قرب محاور دولية قد يسهّل إنشاء مجمعات صناعية للتصدير وربطها بسلاسل التوريد الإقليمية. هذا يفتح إمكانيات لقطاعات تصنيع الغذاء، والمواد الإنشائية، والخدمات اللوجستية، والطاقة المتجددة، بل قد يكون محفزاً لإنشاء مناطق تكنولوجية وابتكارية تستهدف جذب استثمارات معرفية وريادية تستوعب شباب الخريجين وتخلق وظائف نوعية.



آليات التنفيذ والحوكمة تراهن على هيئة تشغيليّة حكومية: تتولى الشركة الأردنية لتطوير المدن والمرافق الحكومية دور الذراع التطويرية لصندوق الاستثمار الأردني، وستعمل كمنسق رئيسي لطرح الفرص الاستثمارية، وإدارة العقود، وبناء الشراكات مع المستثمِرين المحليين والخارجيين. كما أعلن المشروع عن خطط لربط المدينة بأنظمة نقل عام سريعة (باص سريع التردد) مع موعد استهداف الربط الكامل لمرحلة أولى تقرّر انتهاؤها بنهاية 2029، ما يعني ربطاً متكاملاً بين البنية التحتية والنشاط الاقتصادي وتحسين قابلية الحركة لسكان المدينة. تُشير التصريحات إلى نية فتح آليات تمويل متنوعة تشمل شراكات حكومية-خاصة، مساهمات مؤسسية، ودراسة لآلية اكتتاب جزئي بعد المرحلة الأولى لإتاحة مشاركة المواطنين في العائد الاستثماري. كذلك يشارك السلاح الهندسي للقوات المسلحة في تجهيز بعض البنى التحتية، كما حُجزت نسبة معينة (10%) من الأراضي لأغراض تخص القوات، فيما خصصت أيضاً أراضٍ للمؤسسة العامة للإسكان لتطوير برامج إسكانية. هذه الترتيبات تؤطّر المشروع في سياق تنفيذٍ مركزي ونظامي.



رغم التفاؤل، لا يخلو المشهد من تحديات قائمة: تمويل المراحل اللاحقة بالتوازي مع الحاجة لتأمين خدمات المياه والطاقة والصرف الصحي في بيئة إقليمية ذات قيود مائية؛ وكذلك إدارة المخاطر المتعلقة بتقلبات سوق العقار، وتوفير تأمينات استثمارية لجذب رأس المال الخارجي، وضمان شمولية توزيع فوائد المشروع على مختلف الفئات الاجتماعية لتجنّب مخاطر التهميش. نجاح المشروع سيقاس بقدرته على الاستدامة المالية، والقدرة على صُنع مصانع وخدمات حقيقية تُشغل سكانه، وإدارة بيئة تنظيمية تحقق التوازن بين عوائد الدولة وحوافز المستثمرين وحقوق المواطنين.



مشروع «مدينة عمرة» هو محاولة طموحة لبناء رئة حضرية جديدة تُنظّم النمو السكاني وتخلق منصة استثمارية متعددة الأوجه؛ إن التزام الحكومة بخريطة زمنية واضحة، وبآليات حكم مؤسسية، وبفتح باب الشراكات، سيحدد مصير المشروع بين إنجاز تحول حضري حقيقي ودفع ديناميكي للاقتصاد الوطني، أو مواجهة اختبارات تنفيذية تمس قدرة الدولة على ترجمة المخططات الكبيرة إلى واقع معيشي واقتصادي ملموس.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير