jo24_banner
jo24_banner

تمويل مدينة عَمرة: معادلة الشراكة الجديدة بين الدولة ورأس المال

د. عدلي قندح
جو 24 :

 تدشين مشروع مدينة عَمرة الجديدة يشكّل انتقالة استراتيجية في التفكير الاقتصادي الأردني، ليس فقط من حيث التوسع الجغرافي أو العمراني، بل من حيث نموذج التمويل الذي يُراد له أن يصبح نموذجاً جديداً للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص المحلي والإقليمي والدولي. فالمشروع، الذي أُعلن عن خطواته الأولى دون أن يُربط بأعباء مالية مباشرة على الخزينة، يستند إلى فلسفة ترى أن «البنية التحتية تقود الاستثمار»، وأن الأرض والعقار يمكن أن يتحولا من أصول راكدة إلى أدوات تمويلية وإنتاجية.

أولاً: التمويل الحكومي… من الأرض إلى رأس المال

على الرغم من أن الموازنة العامة لعام 2025 لا تتضمن أي مخصصات مالية مباشرة لمدينة عَمرة – وفق الأرقام الرسمية المنشورة – إلا أن الدور الحكومي في التمويل حاضر من خلال ثلاث أدوات غير نقدية:

1.تخصيص الأراضي المملوكة للدولة

وهو أحد أهم مصادر رأس المال في هذا المشروع، إذ ستُحوّل مساحات واسعة من الأراضي القابلة للتطوير إلى أصول مالية يمكن استثمارها عبر:

o البيع الجزئي أو المرحلي

o التأجير طويل الأمد

o منح حقوق تطوير لمستثمرين استراتيجيين

هذه الأداة تخفّض الحاجة للإنفاق الحكومي المباشر، وتحوّل الدولة إلى «مالك ذكي للأرض» بدلاً من ممول تقليدي.

2.البنية التحتية الأساسية الممولة حكومياً

الحكومة قد تتحمّل لاحقاً جزءاً من الكلف المرتبطة بـ:

o الطرق الرئيسية

o الربط الكهربائي

o الربط المائي

o محطات الصرف

وهي استثمارات تدخل عادة في الموازنات المتوسطة والبعيدة المدى عبر الإطار المالي متوسط المدى (MTFF) وليس في سنة واحدة.

3.الحوافز والتشريعات كبديل للإنفاق

الإعفاءات، والتسهيلات الإجرائية، والنافذة الموحدة، والتملك للأجانب، وتسهيلات الاستثمار… كلها أدوات تُعد «تمويلاً غير مباشر» لأنها تُخفض كلفة الاستثمار وتزيد العائد عليه.

ثانياً: القطاع الخاص المحلي… اللاعب الرئيسي في الدورة الأولى من التطوير

يعتمد نموذج تمويل مدينة عَمرة على قدرة القطاع الخاص الأردني على الدخول في دورات تطوير عقاري وصناعي متتابعة، أهمها:

1.شركات التطوير العقاري الكبرى

وهي المعنية ببناء:

o الأحياء السكنية

o المجمعات التجارية

o مناطق الأعمال

o الخدمات اللوجستية

التمويل هنا يأتي من:

o البنوك المحلية

o صناديق الاستثمار

o شركات التطوير العقاري الخاصة

o شركات المقاولات الكبرى التي تعمل بأسلوب (Build& Sell)

2.المؤسسات المالية والبنوك

القطاع المصرفي قادر على تمويل جزء كبير من البنية التحتية الثانوية والمشاريع السكنية، خاصة مع ارتفاع السيولة المصرفية ووجود ودائع تفوق 43 مليار دينار.

3.شركات المقاولات المحلية

وهي المستفيد الأكبر، إذ سيعتمد التنفيذ على إمكانياتها، مما يعني ضخ سيولة في السوق وتشغيل آلاف العمال.

ثالثاً: الاستثمار الخارجي… الذراع طويلة المدى للمشروع

المرحلة الحاسمة في تمويل مدينة عَمرة ستكون في قدرتها على جذب المستثمر الأجنبي من خلال:

1.صناديق الاستثمار الخليجية

وهي الأكثر اهتماماً بالمشاريع العمرانية الضخمة في المنطقة.

الأردن يمتلك ميزتين جاذبتين:

o الاستقرار السياسي والأمني

o الطلب الحقيقي على السكن والعمل قرب عمّان

2.شركات التطوير العالمية

من المتوقع استقطاب شركات خليجية وتركيا وشرق آسيا في مجالات:

o المدن الذكية

o المجمعات الدولية

o المناطق الصناعية المتقدمة

3.الشراكات الاستثمارية (PPP)

سيتم تنفيذ جزء من المرافق عبر عقود:

o BOT

o BOO

o DBFOT

وهذه النماذج تخفّف العبء عن الحكومة وتمكّن القطاع الخاص من تشغيل المشروع لسنوات قبل نقل الملكية.

رابعاً: لماذا يُعدّ نموذج التمويل هذا فرصة للاقتصاد الأردني؟

1.لأنه يفصل التنمية عن الموازنة العامة ويحوّل الدولة من ممول إلى منظّم.

2.لأنه يخلق قيمة مضافة للأراضي الحكومية بدل بقائها غير مستغلة.

3.لأنه يجذب استثماراً غير ريعي يقوم على البناء والتشغيل وليس المضاربة فقط.

4.لأنه يوسّع القاعدة الاقتصادية في البلاد، ويفتح المجال لآلاف فرص العمل.

5.لأنه يعالج جزءاً من مشكلة نقص الأراضي في عمّان وارتفاع أسعار السكن.

خامساً: التحديات المالية المحتملة

رغم إيجابيات النموذج، إلا أنه يواجه تحديات تحتاج إلى إدارة حكيمة، أهمها:

  • ضرورة وجود إطار واضح لأسعار الأراضي وآليات منح حقوق التطوير.
  • تجنّب ارتفاع أسعار العقار بشكل مبالغ فيه.
  • ضمان أن تكون البنية التحتية جاهزة قبل التسويق.
  • حشد المستثمرين الاستراتيجيين منذ المراحل الأولى.

خاتمة: التمويل كأداة لإعادة هندسة الاقتصاد

مدينة عَمرة ليست مشروعاً عقارياً تقليدياً، بل هي أداة اقتصادية شاملة هدفها خلق مركز نمو جديد شرق عمّان، وتشغيل الشباب، وتحفيز الصناعة والإنشاءات، وتعزيز قدرة الأردن على اجتذاب رأس المال العربي والدولي.

إن نجاحها يعتمد على أمانة النموذج المالي وشفافيته، وعلى أن يكون القطاع الخاص شريكاً حقيقياً لا مجرد ممول، وعلى أن تستثمر الحكومة دورها التشريعي والتنظيمي والتمكيني لتقليل المخاطر وزيادة الثقة وتحويل المشروع من فكرة إلى واقع.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير