2025-12-23 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

كيف أعادت الاندماجات والاستحواذات تشكيل القطاع المصرفي الاردني؟

د. عدلي قندح
جو 24 :
 
 
شهد القطاع المصرفي الأردني خلال العقدين الأخيرين، ولا سيما في السنوات القليلة الماضية، تحولًا هيكليًا عميقًا تمثل في موجة متصاعدة من عمليات الاندماج والاستحواذ (M&A)، جاءت استجابة مباشرة لجملة من الضغوط والمتغيرات، أبرزها تشدد المتطلبات الرقابية، وارتفاع كلف الامتثال، وتباطؤ النمو الاقتصادي، إضافة إلى تزايد المنافسة الإقليمية من بنوك تمتلك أحجامًا ضخمة وقدرات تكنولوجية متقدمة. ولم تكن هذه العمليات مجرد صفقات مالية ظرفية، بل مسارًا استراتيجيًا لإعادة بناء القطاع على أسس أكثر صلابة واستدامة.

وقد تجسد هذا المسار في صفقات محورية أعادت رسم خريطة القطاع المصرفي الأردني. ففي عام 2025، شكّل اندماج بنك الاتحاد مع البنك الاستثماري محطة فارقة، إذ أسفر عن قيام كيان مصرفي بأصول تقارب 11 مليار دينار أردني، ليغدو ثاني أكبر بنك في المملكة من حيث حجم الأصول. واستكمل بنك الاتحاد هذا التوسع عبر الاستحواذ على فروع وأعمال البنك العقاري المصري العربي – الأردن، في خطوة هدفت إلى توسيع قاعدة العملاء وتعزيز الانتشار الجغرافي وتحقيق وفورات الحجم. وفي السياق ذاته، برز كابيتال بنك كلاعب رئيسي من خلال استحواذه على الأعمال المصرفية لبنك عوده في الأردن والعراق عام 2021، ثم استحواذه على بنك سوسيتيه جنرال – الأردن عام 2022، ما رفع إجمالي أصول المجموعة إلى نحو 7 مليارات دينار أردني، ورسّخ تحولها إلى مجموعة مصرفية ذات حضور إقليمي. كما أسهمت اندماجات سابقة، مثل اندماج البنك الأهلي الأردني مع بنك الأردن والخليج، في تمهيد الطريق لمرحلة التركز المصرفي الحالية وتعزيز القواعد الرأسمالية للبنوك الكبرى.

وقد أدت هذه التطورات إلى ارتفاع ملموس في درجة التركز المصرفي، مع تقلص عدد البنوك العاملة في المملكة إلى نحو عشرين بنكًا. ورغم ما يثيره ذلك من تساؤلات حول المنافسة، فإن المؤشرات المالية تعكس تحسنًا واضحًا في متانة القطاع. فقد حافظت البنوك على نسب ديون غير عاملة ضمن مستويات آمنة، وتحسنت ربحيتها، وارتفعت قدرتها على امتصاص الصدمات الاقتصادية، مدعومة بقواعد رأسمالية أقوى ونسب كفاية رأس مال مرتفعة (CAR). غير أن الأثر على الكفاءة التشغيلية لا يزال متفاوتًا، إذ إن تحقيق وفورات الحجم يظل مرهونًا بقدرة الإدارات المصرفية على توحيد الأنظمة، ودمج الكوادر، وضبط الكلف، وتحويل النمو الكمي في الأصول إلى تحسن فعلي في نسب الكفاءة.

اقتصاديًا، يتجاوز أثر الاندماجات والاستحواذات حدود القطاع المصرفي ليصل إلى بنية الاقتصاد الكلي. فتعاظم حجم البنوك وملاءتها المالية يعزز قدرتها على تمويل المشاريع الكبرى طويلة الأجل في قطاعات البنية التحتية والطاقة والإسكان، كما يدعم دورها في تمويل القطاع الخاص والشركات المتوسطة والصغيرة. ويعكس ارتفاع موجودات البنوك إلى مستويات تفوق الناتج المحلي الإجمالي عمق الوساطة المالية في الاقتصاد الأردني، وقدرة الجهاز المصرفي على تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار، بما يسهم في دعم النمو والاستقرار المالي.

وفي المقابل، يفرض بروز كيانات مصرفية كبيرة مسؤوليات إضافية، سواء على إدارات البنوك أو على الجهات الرقابية. فتعاظم الحجم يعني تعاظم المخاطر النظامية، ما يستدعي تطوير أدوات الرقابة الاحترازية الكلية، وتعزيز متطلبات الحوكمة والشفافية، وضمان ألا تتحول البنوك الكبرى إلى مؤسسات أكبر من أن تفشل (Too Big to Fail). كما أن الرهان الحقيقي لهذه الكيانات لا يكمن فقط في تضخم الميزانيات العمومية، بل في قدرتها على تحسين جودة الخدمات المصرفية، وتسريع التحول الرقمي، وتعزيز الشمول المالي، وربط قوتها المالية بأثر اقتصادي واجتماعي ملموس.

في المحصلة، تعكس موجة الاندماجات والاستحواذات المصرفية في الأردن مرحلة إعادة تشكّل عميقة للقطاع، تحمل فرصًا حقيقية لتعزيز الاستقرار المالي وبناء بنوك قادرة على المنافسة إقليميًا. غير أن نجاح هذه المرحلة يبقى مشروطًا بترجمة التوسع المالي إلى كفاءة تشغيلية أعلى ودور تنموي أكثر فاعلية، بما يجعل القطاع المصرفي ركيزة حقيقية للنمو الاقتصادي المستدام، لا مجرد تجمعات مصرفية ضخمة.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير