دبي كابيتال " التي أظلمت الأردن ! "
بلغت مديونية شركة الكهرباء الوطنية، حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي ، 1.985 مليون دينار، أي ما يقارب المليارين. وقد تكونت هذه المديونية الضخمة التي تهدد هذه الشركة الحكومية بالإفلاس، جراء خسائر ما تزال تتراكم بسبب الفارق بين تكاليف المحروقات اللازمة لإنتاج الكهرباء وسعر بيع الكهرباء. والحل الذي يلوح في الأفق لحلّ هذه
المشكلة هو زيادة سعر بيع الكهرباء بما يطابق تكاليف إنتاجه.
هذه هي الرواية الرسمية. وأرقامها صحيحة، لكن الحقائق المتعلقة بهذه الأرقام تحتاج إلى توضيح: صحيح أن مستهلكي الكهرباء يحصلون على قسم من الدعم الحكومي، لكن القسم الآخر يحصل عليه الشريك الأجنبي في " شركة توليد الكهرباء
المركزية" التي، يا سبحان الله، كانت وما تزال تحقق أرباحا مليونية؟
ولكن تعالوا نتابع القصة من البداية.
تمهيدا لخصخصة قطاع الكهرباء، جرى تشقيف شركة الكهرباء الوطنية إلى ثلاث شركات، "الوطنية" التي بقيت حكومية
لتتحمل الخسائر، و"توليد الكهرباء" و"توزيع الكهرباء" اللتين تمت خصخصتهما ... لتربحا ! .
تقدّر موجودات شركة توليد الكهرباء المركزية بأكثر من الفي مليون دينار، لكن شركة " دبي كابيتال" تمكنت ، بنفوذها السياسي، من امتلاك 51 بالمئة من أسهم " التوليد" بسعر رمزي بلغ 145 مليون دولار فقط لا غير، شاملا محطات
التوليد الثلاث في عمان واربد والعقبة والأراضي والموجودات العقارية!
وكالعادة... وكما في خصخصة الفوسفات والبوتاس والاتصالات والغاز الخ، كان هناك عقد إذعان على الحكومة الأردنية، الخضوع له. وبموجب هذا العقد، الساري من 17 تشرين الأول 2007 حتى 17 تشرين الأول 2013 (1) التزمت الحكومة بتزويد شركة التوليد المخصخصة بالمحروقات اللازمة لإنتاج الكهرباء بتكلفة ثابتة بغض النظر عن
سعر السوق، (2) لكنها التزمت بشراء الكهرباء منها بسعر السوق! وهذا هو السرّ في أن شركة التوليد تربح وتراكم الأرباح، بينما الشركة الوطنية تخسر وتراكم الخسائر.
أي أن الخزينة ما تزال تؤمن الدعم لشركة التوليد المركزية المخصخصة، وستظل ملزمة بتأمينه في العام المقبل! ولكنها ستموّله الآن من جيوب المواطنين، بما يؤمّن الأرباح المضمونة للشريك الأجنبي !
" دبي كابيتال" باعت حصتها في شركة التوليد المركزية لاحقا إلى " سعودي أكوا" بمبلغ 550 مليون دولار، محققة أرباحا رأسمالية صافية قدرها 400 مليون دولار في غضون ثلاث سنوات، بما يمثّل أعلى عائد ممكن على الاستثمار في العالم.
ولا يعود هذا العائد إلى حيوية الاستثمار في السوق الأردنية، وإنما إلى النهب السياسي للثروات الوطنية في عمليات الخصخصة.
اليوم، تواجه الخزينة ومعها الاقتصاد الوطني والمجتمع، أزمة حادة متفاقمة في قطاع الكهرباء، بينما لا تملك الحكومة أي قدرة في السيطرة على القطاع الذي بناه الشعب الأردني بعرقه وكدّه وجرى التفريط به لكي يحصل متنفذ مدلل وشركاؤه على ثروة بمئات الملايين.
كل عملية خصخصة تبين أنها ملف فساد، وتكشفت جميعها عن عقود نهب وإذعان لصالح الشركاء، ووكلائهم المحليين
من النخبة، وظهر أنها تودي بنا، في مجملها، إلى إفقار الدولة والمجتمع، من دون مقابل لا في التوسع الرأسمالي ولا في التشغيل ولا في حل الأزمات القطاعية.
فاتورة الكهرباء الخاصة بك، عزيزي القارئ، سوف ترتفع وترتفع ... شيء واحد طالبْ بإيضاحه على الفاتورة:
كم منها لتغطية الأرباح الرأسمالية لشركة دبي كابيتال؟
وكم منها لتغطية أرباح المستثمر الأجنبي الحالي؟"العرب اليوم"