الغموض في مصالح الاردن وعجز السياسة الخارجية
د. حسن البراري
جو 24 : قبل حرب بوش الإبن على العراق بثلاثة أشهر التقى وفد أردني غير رسمي بوفد آخر إسرائيلي غير رسمي بمدينة لندن للتباحث في القضايا المشتركة بمعزل عن الفلسطينيين. وكان اللقاء (على حد تعبير احد منظمي اللقاء الاردنيين) مخصصا "للبحث في العلاقة الثنائية مع الاسرائيليين بمعزل عن المسار الفلسطيني."
حضر اللقاء من الجانب الاسرائيلي رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية الاسبق امنون لبكن شاحاك، وجلعاد شير (كبير المفاوضين الاسرائيليين في محادثات كامب ديفيد الاخيرة التي سبقت الانتفاضة وصاحب كتاب "قاب قوسين او أدنى" والاكاديمي الاسرائيلي والمؤرخ البارز والمختص بالاردن اشر سسر الذي نشر كتابا عن وصفي التل والاستراتيجي اللامع مارك هيلر من معهد الأمن القومي الاسرائيلي بجامعة تل ابيب، ومدير مكتب رابين الصحفي ايتان هابر. اما على الجانب الاردني فضم الوفد عدد من نخب وادي عربة وعلى رأسهم احد الاكاديميين الاشكاليين وشخصية أخرى تولت منصبا وزاريا فيما بعد وأثارت بتصريحاتها غضب قطاع هام بالاردن وشخصية هامة كانت تنسق الاتصالات السرية مع إسرائيل منذ عام ١٩٧٦ وشخصية أخرى استلمت منصبا اعلى من وزير ولأكثر من مرة.
وسبق عقد اللقاء غير الرسمي او ما يسمى ب (Track II) رفض رئيس حكومة اسرائيل انذاك ارئيل شارون طلبا اردنيا بالاعلان بان اسرائيل لن تستغل الحرب الوشيكة لتنفيذ الترانسفير. وعندما زارت شخصية اردنية بارزة بشكل سري شارون في مزعته مرزعته (هشكيم) التي تقع بالقرب من بئر السبع رفض شارون الطلب الاردني.
وكان السؤال الرئيس في اللقاء هو كيف يمكن الحفاظ على العلاقة الثنائية بين الاردن واسرائيل في ظل ما كان يجري وكيف يمكن أن تأخذ اسرائيل المصالح الاردنية بالحسبان. لكن عندما طلب الوفد الاسرائيلي من نظيره الاردني تحديد المصالح الاردنية لنقلها الى شارون وخلق رأي عام للضعط على شارون لم يتمكن الوفد الاردني من الحديث عن هذه المصالح بشكل واضح، واكتفى اعضاء الوفد الاردني بالقول ان للاردن مصالح في الحل النهائي دون تقديم تصور عن تفاصيل هذه المصالح أو حتى كيف يمكن لإسرائيل ان تساعد الاردن على تحقيقها، وبالتالي خرج الوفد الاسرائيلي لا يعرف بالضبط ما هي مصالح الاردن وهو الأمر الذي يدفع الاسرائيليين للقول بأنهم يعرفون مصالح الاردن اكثر من الاردنيين! وكان الاتفاق ان يرفع الوفد الاردني تقريرا للملك الا أن ذلك لم يحدث لأن اللقاء الذي تم لم يكن يعلم به مكتب الملك ولا الديوان الملكي. وعندما حاول الوفد الاردني اجراء جولة ثانية رفض الاسرائيليون ذلك على اعتبار ان الوفد الاردني ليس لديه ما يقوله بعد ان اتضح لهم عدم وجود اتصال بين الوفد الاردني وصناع القرار بالاردن.
مؤخرا، أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان بلاده ستأخذ بالحسبان مصالح الأردن وهي تفاوض الفلسطينيين على حل للنزاع، وجاء هذا التأكيد بعد الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى عمان الاسبوع الماضي للالتقاء مع الملك عبدالله، وهي الزيارة التي ركزت على التنسيق بين الجانبين، ولم تتسرب تفاصيلها الحقيقية بعد. لكن السؤال ما هي مصالح الأردن التي يفهمها الاسرائيليون ولا يفصح عنها الأردنيون؟! في إسرائيل يتحدث القادة من اليسار الى اليمين عن مصالح اسرائيل الأمنية والسياسية، والسلطة الفلسطينية تتحدث بوضوح عن مصالحها في الحل النهائي مع انه ليس هناك ضامن بأنها ستحقق هذه المصالح، لكن لماذا لا يتحدث الاردنيون عن مصالح بلادهم في الحل النهائي؟
وعلى نحو لافت، تعرّف إسرائيل وتعلن عن مصالحها في الحل النهائي مع الفلسطينيين، واكثر من ذلك تقوم الحكومة الإسرائيلية بترجمة هذه المصالح الى استراتيجيات وسياسات. والأمر لا يحتاج إلى الضرب بالرمال أو استحضار عبقريات خارقة حتى نفك طلاسم السياسات الإسرائيلية، فما علينا سوى اعادة قراءة توصيات مؤتمر هرتسليا منذ اول مؤتمر عقد عام ٢٠٠٠ إلى آخر مؤتمر عقد قبل أشهر. فهناك اجتمعت النخبة الإسرائيلية بكافة تلاوينها الايدولويجية والسياسية والاقتصادية والاثنية (باستثناء عرب اسرائيل) تحت مسمى "المنعة الوطنية" واتفقت على تعريف المصلحة الاسرائيلية العليا.
وهنا يكمن الفرق بيننا وبين الجانب الاسرائيلي، فلم يعرّف أو يعلن الأردن عن مصالحه في الحل النهائي، وهناك من يرى بأن النخب الحاكمة لا تعرف ما هي مصالحها! وما الاستمرار بترديد مقولة "حل الدولتين" إلا سحابة دخان تخفي خلفها عجزا رسميا عن وضع الخطط اللازمة للتصدي لسيناريو فشل حل الدولتين. وهنا تتجلى المفارقة بوضوح، فبينما تستهدف إسرائيل بسياساتها الأردن، يوصف نتنياهو بأنه رجل سلام في مقابلة الملك مع غولدبيرغ، كيف يمكن أن يستقيم الأمر، وكيف لنا أن نرتاج للتطمينات الإسرائيلية أو كيف يمكن ان نثق بالنخب الحاكمة الاردنية التي تظهر عجزا خطيرا بات من الصعب اخفاؤه؟
سأخاطر هنا وأضع تعريفا لفهم النظام الاردني لمصالحه في الحل النهائي، وأجادل أن النظام الاردني يفهم بأن معادلة التغيير خارجية، وبالتالي فحتى يضمن النظام البقاء لا بد له من أن يتعامل بايجابية مع مخرجات حل القضية مع أنه ليس له القدرة على التأثير في هذه المخرجات. وما الكلام الذي قاله رئيس الوزراء عبدالله النسور لعدد من الكتاب قبل يومين عن "مصالح الاردن" الا دليل على أن الحكومة الاردنية هي آخر من يعلم. فالنظام الاردني يدرك أن فرص البقاء له مرتبطة بقدرته على القيام بدوره التاريخي والوظيفي الذي يعني الامتثال لشروط الحل كما تراها تل ابيب وواشنطن وتوافق عليها السلطة الفلسطينية، ولهذا السبب لا يمكن لأي من النخب الحاكمة بالاردن وضع تفصيل جدي لمصالح الاردن. بمعنى آخر، لا مصالح اردنية عليا ثابته وتعريفها يخضع لعوامل خارجية.
ولنناقش مقولات الملك عبدالله بموضوعية، فالملك يقول من أن مصلحة الاردن العليا تستلزم حل الدولتين، وهذا هو السبب وراء نشاط الاردن في اقناع العرب بالمباردة العربية للسلام التي هي بالاساس فكرة توماس فريدمان، وقال الملك ان انسداد افق حل الدولتين سيلحق ضررا بالغا بالامن الوطني الاردني. والقول أن انعدام الحل سيعرض الامن الوطني الى خطر كان يستوجب أن يتخذ الاردن خططا بديلة للدفاع عن امنه، فما هي الخطط البديلة؟ طبعا سألت هذا السؤال لكبار المسؤولين الاردنيين ومنهم الدكتور باسم عوض الله عندما كان رئيسا للديوان الملكي في لقاء جمعنا به بمكتبه وتهرب من الاجابة لأنه ببساطة لا يعرف.
الخيارات والسيناريوهات المطروحة
في حال فشل حل الدولتين، ستشهد المنطقة احد السيناريوهات التالية او مزيجا بينها.
أولا، استمرار الوضع الراهن ما يعبد الطريق لحل الدولة الواحدة، وهي حل يعني أن اسرائيل ستتوسع لتشمل البقعة الجغرافية من البحر المتوسط إلى نهر الاردن. وهي دولة لن تقبل لاجئين لكنها دولة ستكون ثنائية القومية بفضل عدد الفلسطينيين الذي ستيتجاوز عدد اليهود بحلول ٢٠٢٠ (اذا بقيت معدلات الهجرة اليهودية ثابتة) حسب دراسات ديمغرافية اجراها عدد من الاكاديميين الاسرائيليين وعلى رأسهم ارنون سوفير. وهنا احيل المهتمين إلى قراءة كتاب الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر بتمعن.
وهذه الدولة الثنائية القومية قد تكون ديمقراطية، بمعنى ان الغالبية الفلسطينية ستشكل الحكومة، وهو امر منافي لمبرر وجود الحركة الصهيونية، ولن يقبل به سوى ٢٪ من اليهود حسب استطلاعات علمية اجراها مركز شتايمتس من جامعة تل أبيب في السنوات العشرين الاخيرة. والخيار الآخر هو نظام فصل عنصري تحكم فيه الاقلية اليهودية الغالبية الفلسطينية وهو أمر لن يقبل به الصهاينة ايضا. وأمام هذا الواقع تعلي إسرائيل من قيمة يهودية الدولة (بمعنى ان تكون الغالبية من اليهود) وهو ما قد يفرض الترانسفير السياسي او الديمغرافي أو مزيج بين الامرين. ولا بد من الاشارة الى أن هناك ٤٢٪ من الوسط اليهودي افادوا بأنهم يؤيدون الترانسفير لتجنب ثنائية القومية. هنا يصر الفلسطينيون ان الشعب الفلسطيني لن يتزحزح قيد انمله من ارضه، لكن كيف يمكن ان يصمد هذا الكلام في حالة اندلاع حرب؟!. كيف يمكن عندها ان يدافع الاردن عن مصالحه وما هي مصالحه في هذه الحالة؟!
ثانيا: الحل الاقليمي، بمعنى ان تقوم اسرائيل بالاعلان عن حدودها النهائية بشكل أحادي بعد ان تكون قد توسعت بالحد الاقصى. وهنا سيتعامل المجتمع الدولي مع الأمر الواقع ويبدأ البحث عن حل اقلييمي كتب عنه عدد من الاسرائيليين منهم دان شفتان (صاحب كتاب الخيار الاردني) وغيورا ايلاند وافرايم انبار. وهذا الحل يمكن أن يأخذ شكل الخيار الاردني أو الكونفدرالية مع توطين اللاجئين مقابل تعويضات من صندوق دولي. وللعلم هناك دراسات اجريت، موّلها الكنديون وسهلها احد مراكز الدراسات الاردنية لقاء مبلغ مالي وصل الى ١١٢ الف دولار، تفيد ان ما لا يزيد عن ٨٪ فقط من اللاجئين الاردنيين بالاردن مع خيار العودة. كما أن هناك فهما غربيا يرى بأن الاردن يريد تعويضات مالية ولا يمانع من توطين اللاجئين بشكل نهائي، فمعاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية تسمح بذلك ثم مبادرة السلام العربية هو وصفة توطينية واضحة تمنح اسرائيل الفيتو على عودة اللاجئين.
في إسرائيل يقول الكثير من المراقبين ان هناك ثمة فرق بين ما يريده الأردن وما يحتاجه! بمعنى، يرى الكثير من الإسرائيليين أن الاردن يحتاج لضمان استمرار الدعم ولضمان بقاء النظام شكلا من الوحدة مع الفلسطينيين. وهذا ما يجب على الاردن أن يقبل به وأن لا يلتفت الى ما يريده لأنه أكبر بكثير من متطلبات الحل! وبالتالي فإن الغموض في تعريف المصالح الاردنية يعود لغياب التيقن الناتج عن عدم المعرفة بطبيعة الحل ان وجد ولأن السياسة الخارجية عاجزة على صنع الفرق ولأن الدور الوظيفي يحتم على النظام القبول بمخرجات أي حل تدفع بها اميركا واسرائيل وتوافق عليه السلطة الفلسطينية.
حضر اللقاء من الجانب الاسرائيلي رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية الاسبق امنون لبكن شاحاك، وجلعاد شير (كبير المفاوضين الاسرائيليين في محادثات كامب ديفيد الاخيرة التي سبقت الانتفاضة وصاحب كتاب "قاب قوسين او أدنى" والاكاديمي الاسرائيلي والمؤرخ البارز والمختص بالاردن اشر سسر الذي نشر كتابا عن وصفي التل والاستراتيجي اللامع مارك هيلر من معهد الأمن القومي الاسرائيلي بجامعة تل ابيب، ومدير مكتب رابين الصحفي ايتان هابر. اما على الجانب الاردني فضم الوفد عدد من نخب وادي عربة وعلى رأسهم احد الاكاديميين الاشكاليين وشخصية أخرى تولت منصبا وزاريا فيما بعد وأثارت بتصريحاتها غضب قطاع هام بالاردن وشخصية هامة كانت تنسق الاتصالات السرية مع إسرائيل منذ عام ١٩٧٦ وشخصية أخرى استلمت منصبا اعلى من وزير ولأكثر من مرة.
وسبق عقد اللقاء غير الرسمي او ما يسمى ب (Track II) رفض رئيس حكومة اسرائيل انذاك ارئيل شارون طلبا اردنيا بالاعلان بان اسرائيل لن تستغل الحرب الوشيكة لتنفيذ الترانسفير. وعندما زارت شخصية اردنية بارزة بشكل سري شارون في مزعته مرزعته (هشكيم) التي تقع بالقرب من بئر السبع رفض شارون الطلب الاردني.
وكان السؤال الرئيس في اللقاء هو كيف يمكن الحفاظ على العلاقة الثنائية بين الاردن واسرائيل في ظل ما كان يجري وكيف يمكن أن تأخذ اسرائيل المصالح الاردنية بالحسبان. لكن عندما طلب الوفد الاسرائيلي من نظيره الاردني تحديد المصالح الاردنية لنقلها الى شارون وخلق رأي عام للضعط على شارون لم يتمكن الوفد الاردني من الحديث عن هذه المصالح بشكل واضح، واكتفى اعضاء الوفد الاردني بالقول ان للاردن مصالح في الحل النهائي دون تقديم تصور عن تفاصيل هذه المصالح أو حتى كيف يمكن لإسرائيل ان تساعد الاردن على تحقيقها، وبالتالي خرج الوفد الاسرائيلي لا يعرف بالضبط ما هي مصالح الاردن وهو الأمر الذي يدفع الاسرائيليين للقول بأنهم يعرفون مصالح الاردن اكثر من الاردنيين! وكان الاتفاق ان يرفع الوفد الاردني تقريرا للملك الا أن ذلك لم يحدث لأن اللقاء الذي تم لم يكن يعلم به مكتب الملك ولا الديوان الملكي. وعندما حاول الوفد الاردني اجراء جولة ثانية رفض الاسرائيليون ذلك على اعتبار ان الوفد الاردني ليس لديه ما يقوله بعد ان اتضح لهم عدم وجود اتصال بين الوفد الاردني وصناع القرار بالاردن.
مؤخرا، أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان بلاده ستأخذ بالحسبان مصالح الأردن وهي تفاوض الفلسطينيين على حل للنزاع، وجاء هذا التأكيد بعد الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى عمان الاسبوع الماضي للالتقاء مع الملك عبدالله، وهي الزيارة التي ركزت على التنسيق بين الجانبين، ولم تتسرب تفاصيلها الحقيقية بعد. لكن السؤال ما هي مصالح الأردن التي يفهمها الاسرائيليون ولا يفصح عنها الأردنيون؟! في إسرائيل يتحدث القادة من اليسار الى اليمين عن مصالح اسرائيل الأمنية والسياسية، والسلطة الفلسطينية تتحدث بوضوح عن مصالحها في الحل النهائي مع انه ليس هناك ضامن بأنها ستحقق هذه المصالح، لكن لماذا لا يتحدث الاردنيون عن مصالح بلادهم في الحل النهائي؟
وعلى نحو لافت، تعرّف إسرائيل وتعلن عن مصالحها في الحل النهائي مع الفلسطينيين، واكثر من ذلك تقوم الحكومة الإسرائيلية بترجمة هذه المصالح الى استراتيجيات وسياسات. والأمر لا يحتاج إلى الضرب بالرمال أو استحضار عبقريات خارقة حتى نفك طلاسم السياسات الإسرائيلية، فما علينا سوى اعادة قراءة توصيات مؤتمر هرتسليا منذ اول مؤتمر عقد عام ٢٠٠٠ إلى آخر مؤتمر عقد قبل أشهر. فهناك اجتمعت النخبة الإسرائيلية بكافة تلاوينها الايدولويجية والسياسية والاقتصادية والاثنية (باستثناء عرب اسرائيل) تحت مسمى "المنعة الوطنية" واتفقت على تعريف المصلحة الاسرائيلية العليا.
وهنا يكمن الفرق بيننا وبين الجانب الاسرائيلي، فلم يعرّف أو يعلن الأردن عن مصالحه في الحل النهائي، وهناك من يرى بأن النخب الحاكمة لا تعرف ما هي مصالحها! وما الاستمرار بترديد مقولة "حل الدولتين" إلا سحابة دخان تخفي خلفها عجزا رسميا عن وضع الخطط اللازمة للتصدي لسيناريو فشل حل الدولتين. وهنا تتجلى المفارقة بوضوح، فبينما تستهدف إسرائيل بسياساتها الأردن، يوصف نتنياهو بأنه رجل سلام في مقابلة الملك مع غولدبيرغ، كيف يمكن أن يستقيم الأمر، وكيف لنا أن نرتاج للتطمينات الإسرائيلية أو كيف يمكن ان نثق بالنخب الحاكمة الاردنية التي تظهر عجزا خطيرا بات من الصعب اخفاؤه؟
سأخاطر هنا وأضع تعريفا لفهم النظام الاردني لمصالحه في الحل النهائي، وأجادل أن النظام الاردني يفهم بأن معادلة التغيير خارجية، وبالتالي فحتى يضمن النظام البقاء لا بد له من أن يتعامل بايجابية مع مخرجات حل القضية مع أنه ليس له القدرة على التأثير في هذه المخرجات. وما الكلام الذي قاله رئيس الوزراء عبدالله النسور لعدد من الكتاب قبل يومين عن "مصالح الاردن" الا دليل على أن الحكومة الاردنية هي آخر من يعلم. فالنظام الاردني يدرك أن فرص البقاء له مرتبطة بقدرته على القيام بدوره التاريخي والوظيفي الذي يعني الامتثال لشروط الحل كما تراها تل ابيب وواشنطن وتوافق عليها السلطة الفلسطينية، ولهذا السبب لا يمكن لأي من النخب الحاكمة بالاردن وضع تفصيل جدي لمصالح الاردن. بمعنى آخر، لا مصالح اردنية عليا ثابته وتعريفها يخضع لعوامل خارجية.
ولنناقش مقولات الملك عبدالله بموضوعية، فالملك يقول من أن مصلحة الاردن العليا تستلزم حل الدولتين، وهذا هو السبب وراء نشاط الاردن في اقناع العرب بالمباردة العربية للسلام التي هي بالاساس فكرة توماس فريدمان، وقال الملك ان انسداد افق حل الدولتين سيلحق ضررا بالغا بالامن الوطني الاردني. والقول أن انعدام الحل سيعرض الامن الوطني الى خطر كان يستوجب أن يتخذ الاردن خططا بديلة للدفاع عن امنه، فما هي الخطط البديلة؟ طبعا سألت هذا السؤال لكبار المسؤولين الاردنيين ومنهم الدكتور باسم عوض الله عندما كان رئيسا للديوان الملكي في لقاء جمعنا به بمكتبه وتهرب من الاجابة لأنه ببساطة لا يعرف.
الخيارات والسيناريوهات المطروحة
في حال فشل حل الدولتين، ستشهد المنطقة احد السيناريوهات التالية او مزيجا بينها.
أولا، استمرار الوضع الراهن ما يعبد الطريق لحل الدولة الواحدة، وهي حل يعني أن اسرائيل ستتوسع لتشمل البقعة الجغرافية من البحر المتوسط إلى نهر الاردن. وهي دولة لن تقبل لاجئين لكنها دولة ستكون ثنائية القومية بفضل عدد الفلسطينيين الذي ستيتجاوز عدد اليهود بحلول ٢٠٢٠ (اذا بقيت معدلات الهجرة اليهودية ثابتة) حسب دراسات ديمغرافية اجراها عدد من الاكاديميين الاسرائيليين وعلى رأسهم ارنون سوفير. وهنا احيل المهتمين إلى قراءة كتاب الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر بتمعن.
وهذه الدولة الثنائية القومية قد تكون ديمقراطية، بمعنى ان الغالبية الفلسطينية ستشكل الحكومة، وهو امر منافي لمبرر وجود الحركة الصهيونية، ولن يقبل به سوى ٢٪ من اليهود حسب استطلاعات علمية اجراها مركز شتايمتس من جامعة تل أبيب في السنوات العشرين الاخيرة. والخيار الآخر هو نظام فصل عنصري تحكم فيه الاقلية اليهودية الغالبية الفلسطينية وهو أمر لن يقبل به الصهاينة ايضا. وأمام هذا الواقع تعلي إسرائيل من قيمة يهودية الدولة (بمعنى ان تكون الغالبية من اليهود) وهو ما قد يفرض الترانسفير السياسي او الديمغرافي أو مزيج بين الامرين. ولا بد من الاشارة الى أن هناك ٤٢٪ من الوسط اليهودي افادوا بأنهم يؤيدون الترانسفير لتجنب ثنائية القومية. هنا يصر الفلسطينيون ان الشعب الفلسطيني لن يتزحزح قيد انمله من ارضه، لكن كيف يمكن ان يصمد هذا الكلام في حالة اندلاع حرب؟!. كيف يمكن عندها ان يدافع الاردن عن مصالحه وما هي مصالحه في هذه الحالة؟!
ثانيا: الحل الاقليمي، بمعنى ان تقوم اسرائيل بالاعلان عن حدودها النهائية بشكل أحادي بعد ان تكون قد توسعت بالحد الاقصى. وهنا سيتعامل المجتمع الدولي مع الأمر الواقع ويبدأ البحث عن حل اقلييمي كتب عنه عدد من الاسرائيليين منهم دان شفتان (صاحب كتاب الخيار الاردني) وغيورا ايلاند وافرايم انبار. وهذا الحل يمكن أن يأخذ شكل الخيار الاردني أو الكونفدرالية مع توطين اللاجئين مقابل تعويضات من صندوق دولي. وللعلم هناك دراسات اجريت، موّلها الكنديون وسهلها احد مراكز الدراسات الاردنية لقاء مبلغ مالي وصل الى ١١٢ الف دولار، تفيد ان ما لا يزيد عن ٨٪ فقط من اللاجئين الاردنيين بالاردن مع خيار العودة. كما أن هناك فهما غربيا يرى بأن الاردن يريد تعويضات مالية ولا يمانع من توطين اللاجئين بشكل نهائي، فمعاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية تسمح بذلك ثم مبادرة السلام العربية هو وصفة توطينية واضحة تمنح اسرائيل الفيتو على عودة اللاجئين.
في إسرائيل يقول الكثير من المراقبين ان هناك ثمة فرق بين ما يريده الأردن وما يحتاجه! بمعنى، يرى الكثير من الإسرائيليين أن الاردن يحتاج لضمان استمرار الدعم ولضمان بقاء النظام شكلا من الوحدة مع الفلسطينيين. وهذا ما يجب على الاردن أن يقبل به وأن لا يلتفت الى ما يريده لأنه أكبر بكثير من متطلبات الحل! وبالتالي فإن الغموض في تعريف المصالح الاردنية يعود لغياب التيقن الناتج عن عدم المعرفة بطبيعة الحل ان وجد ولأن السياسة الخارجية عاجزة على صنع الفرق ولأن الدور الوظيفي يحتم على النظام القبول بمخرجات أي حل تدفع بها اميركا واسرائيل وتوافق عليه السلطة الفلسطينية.