jo24_banner
jo24_banner

المطلوب نمو أم تنمية ؟

د. اياد النسور
جو 24 : السياسات والإجراءات الاقتصادية التي انتهجتها حكومة عبدالله النسور من الممكن أن تساعد في تحقيق معدلات نمو في الناتج الاقتصادي ، وهي تكتيكات قصيرة الآجل الهدف منها حل مشكلات مالية متآصلة في الموازنة ، بتخفيض العجز إلى ما أمكن .
هذه التكتيكات تخلو من وجود استراتيجيات تنموية أبعد من المستوى القصير ، فمثلاً نجد أن جل الحلول هي لتخفيض عجز الموازنة بل وجدولته في كثير من الأحيان إلى سنوات قادمة، فليس هناك حلول نهائية يمكن معها التخلص من عجز الموازنة والبدء بموازنة نظيفة خالية من العجز .

طبعا التخلص من عجز الموازنة يعني السير قدماً بوضع خطط أيعد قليلاً لتعزيز الاستثمار المحلي الذي يعرف تماماً احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلد ، ويزيد من معدل دوران الدورة الاقتصادية المحلية ، وبالتالي يقل لدينا تسرب الكثير من العملات والأرباح المتحققة ، والاستفادة في إنشاء مشروعات جديدة تزيد من معدل النمو الاقتصادي ، وبالتالي انعكاس ذلك على معدلات التشغيل والتوظيف لدى الأيدي العاملة الوطنية ، وعلى الإيرادات المالية المتأتية للخزينة من الضرائب والرسوم.

كل ذلك على عكس الاستثمار الأجنبي الذي تقل قيمته المضافة للاقتصاد ولا يدرك احتياجات البلد ، ولا يراعي الظروف والمتطلبات الاجتماعية ، وإنما جل اهتمامه التركيز على تحقيق الأرباح وتصديرها خارج الدورة الاقتصادية المحلية . ولكن هناك من يقول أن الفجوة التقنية بين كلا النوعين قائمة ، فليس هناك جواب أدل من تجارب الخصخصة التي جاءت بشركات عالمية لم تقدم من الإضافات التكنولوجية سوى القليل اليسير.

طبعا من الخطط الأخرى التي يمكن وضعها تحويل جزء من الأموال في الموازنة أو جزء من المساعدات الفائض عن الحاجة ، لتنمية وتطوير البنى التحتية للاقتصاد ، ولا اعتقد أن الدولة بهذه البنى المتآكلة والقديمة ، قادرة على مواكبة التطور الاقتصادي العالمي ، ولا يمكن أن تكون بذلك بيئة جاذبة للاستثمار المحلي أو الأجنبي.

لا شك بان الدولة الأردنية تمارس وظيفة الدولة الحارسة في الاقتصاد ، ولكن ماذا عن الأدوار الأخرى التي تحاول الدولة ممارستها ، فلا يخفى على أحد أن الدولة تحاول مأسسة اقتصاد السوق منذ فترة ، ولكن لغاية الآن مازالت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة ، وهي تعتقد بأن تحرير الأسعار وتقليل الدعم عن السلع الأساسية من شأنه تقليل التشوهات في الاقتصاد ، ولكن بكل تأكيد الدولة ما زالت عاجزة عن إطلاق العنان لقوى السوق في اقتصاد يعاني من نقص في الرقابة وفي التشريعات الناظمة للسوق ولنظام الحسبة فيه .

اتفقنا أم اختلفنا من الفريق الاقتصادي للحكومة لن يؤدي إلى نتيجة ، طالما أن تبرير رفع الضرائب تعتبره الحكومة من باب تمكين الدولة من تأدية خدماتها تجاه المواطنين ، ولكن للعلم فإن جميع هذه الخدمات مدفوعة من قبل المواطنين كالصحة والتعليم الخدمات الأبرز في هذا المكان ، وكل شيء تم تحريره وتم إطلاق العنان للقطاع الخاص في قطاعات الكهرباء والاتصالات والتعليم والصحة بجمع المزيد من الأرباح دون أن يقابل تجويد في مستوى الخدمات التي تقدمها .

في كثير من الأحيان ينتابني شعور مؤكد بأن الفريق الاقتصادي في الحكومة غائب تماماً بل وعاجز عن وضع نموذج اقتصادي تنموي خاص ومناسب لحالة الأردن ، والتركيز على المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأردنية ، ولا يخفى علينا منظري الاقتصاد الذين أشبعونا لطماً دون أن يقدموا حلول واقعية فعلية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الأردن .

ورغم المليارات التي دخلت الأردن إبان انهيار النظام العراقي عام 2004 ، والمساعدات والقروض التي انهكت كاهل الاقتصاد ، وحتى الملايين التي دخلت بفعل دخول السوريين ، لم تدخل في الدورة الاقتصادية للدولة ، وإنما ذهبت إلى حسابات وأرصدة شخصيات معينة ، لم يستفيد منها المواطن أو الدولة ؟
اعتقد أن الاقتصاد الأردني بحاجة إلى استراتيجية تنموية طولية الآجل يتم مأسستها بشكل واقعي ، وليس خطط آنية نصف سنوية أو ربعية تنتهي بخروج المسؤول من المنصب أو باستقالة الحكومة.


** د. اياد النسور - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
تابعو الأردن 24 على google news