مبادرة "الحمارنة".. ليس هذا وقتها..!
يعتقد الدكتور مصطفى الحمارنة، صاحب "المبادرة النيابية" ومنسّق مجموعتها أن مبادرته تصب في صميم عمل مجلس النواب، لا بل تشكّل تطويراً لأدائه، وتجاوزاً للعمل غير التقليدي للمجلس، وربما كسراً لرتابة العمل البرلماني المألوف.
وحيث إن مجلس النواب ذو مسؤوليات محدّدة دستورياً، كونه جزءا مهما من السلطة التشريعية في الدولة، وله سلطة رقابية على الحكومة، ويستطيع أن يُحاسبها إذا ما قصّرت في أداء واجباتها ومسؤولياتها، فمن غير المنطقي إذن أن يُقحِم المجلس نفسه تنفيذياً في مسائل ذات صلة مباشرة بعمل الحكومة وخططها وسياساتها ومشروعاتها التنفيذية، وأن يكون شريكاً لها في التنفيذ والمسؤولية، كون ذلك يتعارض مع طبيعة عمل ومسؤوليات المجلس الرقابية والمحاسبية للحكومة، فضلاً عن المسؤولية التشريعية الضخمة التي يتحمّلها، فإنْ كان شريكاً لها في التنفيذ، فلا يستطيع أن يُحاسبها على فشل خططها ومشروعاتها لأنه يكون جزءاً من هذا الفشل وربما سبباً فيه، وبالتالي فمن غير المعقول أن يُحاسب نفسه، أو أنْ يؤْثِر السلامة، في مثل هذه الحالة، فيتخلّى عن دوره الرقابي حتى لا يُدين نفسه!!
لا نريد لمجلس النواب أن يخرج عن دوره "التقليدي" كما يسميه النائب الحمارنة، وإنْ كنّا نخالفه الرأي تماماً فهذا الدور هو دور دستوري وليس تقليدياً، ونتمنى أن ينهض نوابنا بهذا الدور وأن يقوموا به خير قيام، لأن مسؤوليتهم كبيرة، وتتطلب منهم عملاً متصلاً ليلاً ونهاراً إذا أرادوا بالفعل القيام بهذه المهام والمسؤوليات على الوجه المطلوب دستورياً، فمُهِمّة التشريع من أصعب المهام وتتطلب دراسةً وفهماً عميقين في كافة المناحي الحياتية، لأن التشريع يمتد إلى كل أوجه تنظيم الحياة المجتمعية في الدولة، ما يتطلب استيعاباً لكافة جوانب الحياة في المجتمع والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والفكرية حتى يخرج التشريع بالصورة التي تنعكس إيجاباً على الشعب والدولة في إطار من العدالة والشمولية والموضوعية، أما مهمة الرقابة على الحكومة، فهي المهمة التي تكاد تكون مُعطّلة في أداء مختلف المجالس النيابية التي عاصرناها، وسبب التعطيل غياب التكتلات النيابية السياسية الفعّالة والمؤثرة القادرة على فرض رقابة صارمة على عمل الحكومة وسياساتها وتوجيه مساراتها وتقويم أخطائها.
وكنا نفضّل بدلاً من إضاعة الوقت في إنشاء مبادرات نيابية تَبْني شراكات "وهمية" مع الحكومة لتُشاركها تحمّل مسؤولياتها ولو على المستوى السياسي، أنْ يخرج من رحم المجلس تكتل نيابي كبير يقود عملية الرقابة على الحكومة بفاعلية كبيرة، وضمن خطط ومنهجية واضحة ومُحكمة، لأن الرقابة هي الأساس في ضبط عمل الحكومات وتوجيه سياساتها وأدائها نحو ما ينفع البلاد والعباد، وليس بناء الشراكات السياسية معها، فإنْ غابت الرقابة أو قصّر النواب في إحكام رقابتهم على الحكومة، أصبحت الفرصة سانحة للتجاوز والخروج عن السكّة، وهو ما حصل عبر مسيرة ممتدة من عمر الدولة..!!
إن مجلساً نيابياً يتغيّب ثلث أعضائه عند مناقشة أهمّ قانون، لا وقت لديه للدخول في شراكات مع الحكومة، وعلى حدّ قول رئيس اللجنة المالية في المجلس في معرض تبريره للغياب الملفت للنواب عن جلسة الموازنة، بأن ظروف بعض الأعضاء كآباء وأمهات لا تسمح بحضور جلسة متأخرة من الليل..! فكيف سينجح النواب في مبادرة خارج سياق مهامه، أليس من الأوْلى تركيز الاهتمام على المهمة الأساسية، ثم يكون التطلّع إلى بناء شراكات برلمانية حكومية، واجتراح وثائق في التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي..؟!
لا أعتقد أن المناخ العام يسمح حالياً بأن يطرح النواب أنفسهم شركاء في صنع السياسات العامة، ولا أعتقد أن مبادرة من هذا النوع سيُكتب لها النجاح، قد تكون قفزة في غير وقتها لمحاكاة ما نسميه "الحكومة البرلمانية" لكنها قفزة فوق أرض صلبة قد تتحطّم فوقها وتتساقط أشلاءً!!
Subaihi_99@yahoo.com