ليتك لم تفعلها يا شيخ !
تتجول في شوارع عمّان فتُفاجأ بصور الدكتور محمد نوح القضاة على لوحات دعائية ضخمة لكبرى شركات الاتصالات، ونفهم أن هذه الشركة ربما كانت راعية ومموِّلة لبرنامج ديني وعظي يُقدّمه الدكتور القضاة على أثير إحدى الإذاعات، ومع ذلك لا نجد أن هذا يسوّغ استغلال صور الداعية المعروف بهذا الشكل الدعائي الإعلاني الممجوج، ولا ندري كيف يقبل الشيخ بهذا الأسلوب الذي يخلط ما بين الدعاية التجارية والوعظ مما يأنفه الإنسان ويرفضه المنطق الديني..!!
لا أحد ينكر أن الدكتور القضاة شخصية معروفة في المجتمع، وداعية مؤثّر، وينحدر من عشيرة كريمة ذات تاريخ وإرث ومسيرة حافلة بالعلم والعطاء، ووالده، رحمه الله، كان داعيةً إسلامياً عظيماً، أمضى عمره في الدعوة إلى الله وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محافظاً على كرامة العالِم ووقاره وهيبته وتواضعه، ولم يتهاون يوماً في مواقفه، متطوّعاً راضياً عالي الهمّة، وهي ذات الطريق التي نرجو أن يسير عليها نجله، ولكنني أسِفْت كثيراً حين شاهدت صوره الدعائية تملأ الشوارع، وهو ما يُذكّرني ببعض الدعاة الشباب العرب الذين تعالت شُهرتهم، بفعل الدعاية والاستغلال التجاري، حتى غدت صُورهم تُنافس صور أشهر الفنانين في العالم العربي..!
القاعدة الشرعية والمنطق يقول بأن الغاية يحب أن لا تُبرّر الوسيلة، وإذا كنّا لا نشكّك أبداً في نوايا وغايات الداعية القضاة، إلاّ أن ذلك لا يعني أن يلجأ إلى أسلوب الدعاية المزعجة، وأن يقبل بأن يُزجّ باسمه في حملات الدعاية والإعلان التجاري حتى لو كانت هذه الدعاية تُلفِت لبرنامجه الوعظي، وكان عليه أن لا يقبل بهكذا أسلوب، وأن يتنزّه عن المشاركة في الترويج لأي منتج أو خدمة تجارية، ولا يبرر ذلك أن الشركة التي زجّت باسمه على لوحاتها الدعائية داعمة ومموّلة لبرنامج الديني..!!
لا أخفي شعوري العميق بالامتعاض وأنا أشاهد صور الدكتور القضاة متصدّرة تلك اللوحات التجارية، وأعتقد أن ذلك لا يُسيء للداعية نفسه بقدر ما يسيء للدين، لأن الأسلوب ينطوي على خلط ما بين الديني والدنيوي، بما يشكّله من استغلال واضح للدين في الدعاية التجارية، على اعتبار أن الدعاة هم رموز دينيون، وأنّ أي استغلال لهم ولأشخاصهم يُحسَب استغلالاً للدين، فكيف يقبل الدكتور القضاة وغيره من الدعاة الشباب بهذا الأسلوب، وكان عليهم أن ينأوْا بأنفسهم عن الوقوع في هذا الشَّرْك، ويحافظوا على صورتهم نقيّة صافية كصفاء الدعوة ونقائها حتى لو حال ذلك دون ظهورهم على شاشات الفضائيات وأثير الإذاعات.. فذلك أفضل بكثير من أن يظهروا بأسلوب دعائي استغلالي تجاري يتناقض تماماً مع جوهر الدعوة وطوعيتها..!
داعيتنا الفاضل، أنصحك بأن تُفكّر ملياً وتُراجع نفسك فلعلك تتراجع عن خطأ غير مقصود.. حتى لا تُحمّل الدين ما يسيء إليه قبل أن يسيء إليك.. والله من وراء القصد..