الضاغطون وتفجير الشعب !
لن أتحدّث بلغة العواطف وإن كان العنوان يشي بذلك، وقد تابعنا السجالات المعقّدة والعقيمة بين مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس والرئيس التنفيذي لشركة مصفاة البترول، ولأن الموضوع يتصل بالسلامة العامة، وحياة البشر، فمن الطبيعي أن يأخذ حقه في البحث والمناقشة والتحقّق، وأن يكون للدولة قرارها الحاسم بعيداً عن أية حسابات أخرى غير الصالح العام والسلامة العامة للمواطن..!
تصريحات مدير عام مؤسسة المقاييس خطيرة، وتشير إلى أنه تعرّض لضغوطات كبيرة لثنيه عن قراره سواء الأخير المتعلق باسطوانات الغاز الهندية، المخالفة لمعايير السلامة وفق الفحوصات المخبرية للمؤسسة، أو قرارات سابقة تتعلق بسلامة الإنسان وسلامة الاقتصاد، وأنا ممن يعتقدون أن هيئة كبرى مثل هيئة مكافحة الفساد يجب أن تتحرّك على وجه السرعة للتحقيق في ماهية الضغوطات التي تعرّض لها المدير وتعرّضت لها مؤسسة المواصفات والمقاييس، لأنه لا يوجد فساد أكبر من أن ينبري متنفّذون للضغط على مؤسسات وطنية لتمرير صفقات فاسدة بهدف تحقيق مآرب شخصية، وكان مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء قد صرّح غير مرّة أنه تعرّض لضغوطات كثيرة وشديدة لتمرير صفقات أغذية فاسدة أو السكوت على مؤسسات تُقدّم غذاء فاسداً سامّاً للبشر..! وأود أن أسأل رئيس هيئة مكافحة الفساد :أليس هذا مدعاة لكي تتحرك بقوة يا معالي الباشا وتُحقّق في هذه الضغوطات ومنْ هم الضاغطون..!!؟
إن مؤسسة المواصفات والمقاييس وبحسب قانونها تهدف إلى الإسهام في توفير الحماية الصحية والبيئية والسلامة العامة للمواطنين والحفاظ على حقوقهم من الغش ودعم الاقتصاد الوطني، وأهداف بهذا الحجم من الضخامة وبهذا المستوى من الأهمية تستحق أن تُعزّز وتُدعم من كافة المؤسسات الوطنية الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب وغيرها. وباعتبار مؤسسة المواصفات هي المرجع الوحيد في المملكة، بحسب القانون، في كل ما يتعلق بالمواصفات والمقاييس وعلامات الجودة، ومُكلّفة بتنفيذ عمليات مسح الأسواق لضمان مطابقة المنتَج للقواعد الفنية والتحقق من كونه آمناً للاستخدام.. باعتبارها كذلك، فإن هذه المؤسسة الوطنية تحتاج إلى دعم ومساندة من أعلى المستويات، ولا يُقبل أن تتعرض لضغوط من أيٍ كان لإعاقة دورها أو الحؤول دون قيامها بواجباتها ومهامها على الوجه المطلوب.
ومن هذا المنطلق فإننا نطالب بالكشف عن "الضاغطين" ونشر أسمائهم ومواقعهم، والتحقيق معهم ومعرفة مآربهم، لأن من يضغط لتسهيل تمرير صفقات فاسدة من أي نوع يرتكب جريمة بحق الوطن والشعب، ومن غير المقبول أن يتم التستّر عليه مهما كانت الذرائع.. فهل هيئة مكافحة الفساد ستظل فقط بانتظار أن تردها شكوى أو معلومة تتعلق بفساد ما..؟! ألا يجدر بها أن تتحرك من تلقاء ذاتها كلّما سمعت أو شعرت أو اشتمّت رائحة فساد ما في مكان ما ولدى جهة ما أو شخص ما..!!؟
كمواطن ومن حقي أن أنعم بالأمن والسلامة في وطني، وككاتب من واجبه أن يوصل رسالة الناس وصوتهم إلى المسؤول، أطالب هيئة مكافحة الفساد بحماية مؤسسة المواصفات والمقاييس ومؤسسة الغذاء والدواء من أي سلطة أو سطوة لمتنفّذ فاسد، يُريد أن يُغرق البلد بالفساد، ويريد أن يفجّر الشعب لكي يشبع نهمه وطمعه وجشعه، وإذا كان ثمّة مخلصون على رأس هاتين المؤسستين فإن من واجبنا جميعاً أن نشدّ على أيديهم، وندعمهم بكل ما أوتينا من قوة وسلطة، لأن قوة القانون وحدها لا تكفي أحياناً..!!