قانون ضمان جديد.. حماية أفضل واستدامة أطول
نشعر بسعادة غامرة اليوم ونحن نبدأ بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي الجديد رقم (1) لسنة 2014 الذي دخل حيّز النفاذ في الأول من آذار/مارس 2014، وهي علامة فارقة في تاريخ الضمان الاجتماعي أن نعايش ثاني قانون دائم للضمان بعد القانون رقم (19) لعام 2001 عبر مسيرة ناهزت الخمسة والثلاثين عاماَ من عمر الضمان الاجتماعي الأردني، وتنبع سعادتنا بالقانون الجديد من كونه قانوناً توافقياً، جاء بعد حالة من الجدل والنقاش المستفيض متعدد الأوجه الذي دار خلال السنوات القليلة الماضية، وكان من الصعب الوصول إلى قانون يُرضي جميع الأطراف، لكن ما حصل خلال العام الفائت من توافقية كبيرة على القانون الأخير يدل دلالة قاطعة على أنه حقّق جزءاً مهماً وكبيراً من آمال وطموحات هذه الأطراف، ولا أستطيع أن أقول جميعها، وإنما الجزء الأهم من هذه التطلعات سواء المتعلقة بمؤسسة الضمان، أو المتعلقة بالمشتركين والمتقاعدين"حقوق العمال" أو تلك المتعلقة بأصحاب العمل، وكلها تطلعات ومصالح تتماهى فيما بينها لتشكّل في النهاية مصلحة وطنية للجميع.
وإذا أخذنا بالاعتبار بأنّ أهم ما يجب أن تسعى إليه تشريعات الضمان الاجتماعي هو حماية الإنسان، وتحديداً الإنسان العامل، وتوفير الحياة الكريمة له ولأفراد أسرته عندما يفقد القدرة على الكسب والعمل في حالات مثل العجز والمرض والشيخوخة والوفاة والتعطّل وإصابات العمل، إضافة إلى سعي هذه التشريعات للإسهام بالتنمية الشاملة في المجتمع على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يسهم بالتالي إسهاماً حقيقياً وعملياً في خفض معدلات الفقر، وتحفيز المواطنين على العمل، فإننا نعتقد أن قانون الضمان الجديد لم يكتف بتحقيق هذه الأهداف بشكلها العام، وإنما سيسهم تطبيقه في تعزيز حماية الإنسان بصورة ملموسة عبر منافع ومكاسب توفّر حيزاً أوسع من العدالة في الحقوق، والمواءمة ما بينها وبين الالتزامات، الأمر الذي يرسّخ مبدأ التكافلية ما بين الأطراف المختلفة التي يتشكّل منها النظام التأميني وهي هنا: العمال/ المشتركون، وأصحاب العمل، والحكومة، ومؤسسة الضمان نفسها، ولعل هذا المبدأ هو الأساس المتين في ضمان قدرة النظام التأميني على الاستمرار وأداء دوره الاجتماعي والاقتصادي بفاعلية وكفاءة، لا سيّما في أوقات الأزمات الاقتصادية، وفي الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والمتواضعة التي تُستدعى فيها أدوار مؤسسات التأمينات الاجتماعية لتلعب دورها كمثبّت اقتصادي اجتماعي يقي العديد من شرائح المجتمع من الانزلاق إلى دوائر الفقر، ويحافظ على الحد الأدنى على الأقل من القدرة على ممارسة دور تنموي مؤثر في الدولة.
وفي المقابل فقد راعى القانون الجديد موضوع الاستدامة جيداً، فلم يعطِ مزايا جديدة دون إيجاد موارد مالية مناسبة وكافية لتمويلها، وهو ما تحقّق برفع نسبة الاشتراكات المقتطعة من الأجور سواء تلك التي يتحمّلها العامل/المشترك نفسه، أو تلك المترتبة على صاحب العمل ضمن معادلة متوازنة كما في المعايير الدولية بحيث يكون الثلث على العامل والثلثان على صاحب العمل، وهو ما يمكّن مؤسسة الضمان من توفير الإيرادات المالية اللازمة للمكاسب والحقوق المتوازنة الجديدة التي نرى أنها كانت ضرورية لتقديم ضمان اجتماعي يصون كرامة المواطن ويضمن له حدود الكفاية الاجتماعية والحياة الكريمة، وفي الوقت ذاته كانت هذه الزيادة ضرورية لضمان استدامة أطول للنظام التأميني، ما يعني إبعاد شبح العجز عن صندوق الضمان على المدى المنظور، وتحفيز المؤسسة وصندوقها على بذل جهود أكبر لتنشيط عملية الاستثمار وتعظيم عوائده، ويتجلى ذلك من خلال نص القانون على إعادة هيكلة مجلس إدارة المؤسسة وإلزامه بتقديم تقارير ربع سنوية تتضمن إقراراً بأن ما تم من عمليات استثمارية كانت وفقاً للمعايير والأسس المعتمدة، ما يضع مجلس الإدارة وكل عضو فيه أمام مسؤوليات حقيقية ومساءلة عن أي انحراف في عملية الاستثمار تحديداً.
نرى أن المصالح المختلفة لكافة الأطراف في هذا النظام قد تحقّقت بنسب كبيرة، مع الأخذ بالاعتبار أنها مصالح مشتركة متماهية، لا نستطيع أن نفصل إحداها عن الأخرى، كونها تسعى إلى ذات الهدف، هدف الحماية والإنتاج، ضمن تشاركية تكافلية جميلة تدفع بالمجتمع كله إلى النماء والتطور، وهو ما نحتاج أن ندركه جيداً لكي نساهم جميعاً في بناء مجتمعنا والنهوض بوطننا.
أخيراً هذه دعوة للجميع لكي يمحضونا نحن العاملين في مؤسسة الضمان الاجتماعي ثقتهم ومحبتهم، لا سيّما في ظل وجود إدارة كفؤة ذات خبرة وانتماء عميق متجذّر للمؤسسة، ونأمل من جمهورنا أيضاً أن يمحضوا مؤسستهم جُلّ ثقتهم ومحبتهم، هذه المؤسسة الوطنية العملاقة التي يتنامى دورها ومكانتها يوماً إثر يوم، فنحن العاملين عليها لا نستطيع العمل بأريحية وفاعلية دون ثقة جمهورنا العريض ومحبتهم لنا ولمؤسستهم، فهذه مؤسسة الناس، ونحن وهم حراس بيت مال الناس.