الشهيد زعيتر.. قاض يحاكم جلاوزة السلطة شرق النهر وغربه
كتب تامر خرمه-
الشهيد رائد زعيتر: اسم علم يحاكم كافّة مؤسّسات صنع القرار في الأردن وفي الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، استناداً لسلطة الضمير.
الضمير: شهيد المرحلة.. المتّهم أمام مختلف المحافل الدوليّة بتعرية الفضاء السياسي، والشاهد الحيّ على اغتيال الكرامة الإنسانيّة.
الكرامة: هي الحيّز الوحيد الممكن للوجود، وكلّ ما يقع خارجه ليس سوى محض عدم.
العدم: هو الجحيم الذي تقود إليه السلطات الرسميّة كافّة أتباعها وأنصارها ومؤيّديها، الذين لعنتهم الإرادة الشعبية ولفظتهم من كافّة أشكال تمثيلها الشرعيّة.
الشرعيّة: هي كلّ ما لا يمكن اكتسابه بعيداً عن نبض الأرض وآمال الناس.
قاضٍ أصدر حكمه بإدانة كافّة المتخاذلين والمتآمرين والمتنكّرين لحقّ العودة، عندما أبى الموت إلاّ في أرضه، لتكون شهادته إعلانا يمثّل كلّ فلسطيني على وجه الأرض، وتعرّي وجه ما يسمّى بالسلطة الفلسطينيّة التي استبدلت حلم التحرير بكيان هزيل اتفّق على تسميته بالدولة، بعد أن غدرت بشعبها وبحقّه في العودة إلى دياره.
هو قاض أردنيّ يعبّر أيضاً عن إرادة شعبنا شرق النهر، غير أن مواطنته لم تكن نقيضاً لحقّه كفلسطيني بزيارة أرضه المحتلّة، ولا لحلمه المستمرّ بالعودة والتحرير، لتكون شهادته هي القانون الوحيد الذي يستمدّ شرعيّته من إرادة الناس، فيما يتعلّق بقضيّة الفلسطينيّين الذين يحملون الجنسيّة الأردنيّة.
كثيرون من اعتبروا أن مشروع "الوطن البديل" ليس إلاّ "فزّاعة" يحاول البعض استغلالها لتحقيق مآرب "ثانويّة" وفق حسابات "شخصيّة" لا علاقة لها بالواقع السياسي، مستندين في هذا الاستنتاج إلى استحالة قبول دولة الاحتلال بوجود دولة فلسطينيّة شرق النهر تهدّد أمن الغزاة واستقرارهم.
ولكن هل حقّاً يظن أحد ما، أن "اسرائيل" تسعى إلى تغيير اسم الأردن إلى اسم "فلسطين" ؟! وهل تسطيح المسألة بهذه السذاجة هو الحجّة الوحيدة لمن سنقتصر في وصفهم على عبارة "أصحاب النظرة التفاؤليّة" ؟!
طبعاً لن تقبل "اسرائيل" بوجود دولة فلسطينيّة مستقلّة على حدودها.. لا شرق النهر ولا حتّى غربه، وهنا تتكشّف عورة حلّ الدولتين، ولكن هذه حكاية أخرى.
وقد نفترض –كما يظن "أصحاب النظرة المتفائلة"- أن العدو الصهيوني لن يقوم بترحيل أهالي الأراضي الفلسطينية المحتلّة في العام 1948 إلى الأردن، رغم توجّهات ما يسمّى بالسلطة الفلسطينيّة إلى الاعتراف بـ "يهوديّة الدولة"، وأن العدو لن يقوم حتّى بترحيل أهالي الضفّة الغربية، وسنفترض أيضاً أن مشروع "الترانزفير" هو وهم يستند إلى نظريّة المؤامرة، وأن وزير السياحة الصهيوني راحبعام زئيفي، الذي أعدمته الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ردّاً على اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى، لم يحمل مشروعاً خطيراً تبنّته مراكز القوى في دولة الاحتلال لترحيل الفلسطينيّين من ديارهم في محطّة أخرى للنكبة المستمرّة.. ولكن..
في حال كان كلّ ما ذكر هو "محض اوهام" و"فزّاعة" كما يظن البعض، ماذا بشأن الفلسطينيّين الحاملين للجنسيّة الأردنيّة والذين قد يزيد عددهم عن أهالي الضفّة الغربيّة؟
وسائل إعلام غربيّة سرّبت أنباء تؤكّد ان الأردن الرسمي سيقبل يتوطين اللاجئين الفلسطينيّين في حال تلقّى المقابل المالي المناسب، فيما كشفت وسائل انباء أخرى أن السلطة الفلسطينيّة استبدلت التعويض المالي بحق العودة، وأنّها ستعترف في نهاية الأمر بما يدعى بـ "يهوديّة الدولة".. ولن ندخل رغم هذه التطوّرات الخطيرة، التي يدفع مشروع كيري باتّجاهها، في جدل الترانزفير وما إذا كان سيتحقّق ام لا.. بل سنكتفي بطرح التساؤل التالي: ماذا بشأن الفلسطينيّين الذين يعيشون في الأردن –سواء اكانوا يحملون الأرقام الوطنيّة ام لا- ماذا بشأن حقّهم في العودة إلى ديارهم التي شرّدوا وهجّروا منها ؟!
هل فعلاً تعتقد السلطة الفلسطينيّة وكذلك صنّاع القرار في الأرن أن من حقّهم المساومة أو التفريط بحق العودة لكافّة أبناء الشعب الفلسطيني ؟! هل هناك على وجه هذا الكوكب من وصل به الفصام إلى درجة يعتقد فيها أنّه يملك السلطة للتفريط بهذا الحق المقدّس؟!
القضايا التي يحاول البعض إثارتها بين الفينة والاخرى –كمسألة الحقوق المدنيّة- تثير الكثير من علامات الاستفهام، فهل يتمتّع أيّ مواطن أردني -سواء أكان من أبناء الكرك أو إربد أو الزرقاء أو المفرق او عمان أو أي مدينة في هذا البلد- بحقوقهم المدنيّة؟ وهل حقّاً تنظر إليهم السلطة على أنّهم مواطنون لا مجرّد سكّان أو رعايا؟!
لا يمكن أن يصرّح احد بأنّه ضد الحقوق المدنية لأي كان، حتى وان اعتقد بهذا في قرارة نفسه، والحقوق المدنية ينبغي منحها للجميع، فالشرق أردنيّين –إن جاز التعبير- يفتقدون أيضاً لحقوقهم المدنيّة.
ولكن المسألة لا تتعلّق بهذا البعد، فالحراك الاحتجاجي الذي شهدته البلاد قبل بدء الربيع العربي كان من أجل انتزاع الحقوق الشعبيّة، وكان أيضاً من اجل الكرامة الوطنيّة التي تستهدفها مؤسّسة الفساد والاستبداد.
القضيّة هي قضيّة كرامة.. بكل بساطة، والكرامة الوطنيّة التي قنصها رصاص الغدر الصهيوني لحظة اغتيال الشهيد القاضي زعيتر، مسألة لا يمكن أن يفرّط فيها أي أردني أو فلسطيني، إلاّ في حال قرّر خيانة شعبه. والكرامة لا يمكن ضمانها إلاّ بضمان حق العودة لكافّة أبناء الشعب الفلسطيني، وليس المقصود هنا ترحيل الفلسطينيّين من المدن التي يقيمون فيها، بل مجرّد استعادتهم لحق العودة سيكون كافيا، وليقم كلّ منهم بعد ذلك حيث شاء، هذا ما أعلنته الحركة الوطنيّة الأردنيّة التي تطالب اليوم بالانتصار لدم الشهيد زعيتر، باعتباره مواطناً أردنيّا ولاجئاً فلسطينيّا لا يملك أيّ كان التنازل عن حقّ أبنائه في العودة إلى حيث دفن والدهم.
أمّا المحاولات الرسميّة –شرق النهر وغربه- بالتنازل عن حق العودة مقابل تعويضات ماليّة، فهي ما تحذّر الحركة الوطنيّة من الاستمرار فيه، وما دم الشهيد زعيتر إلاّ شاهد حيّ على تمسّك أبناء الشعب الفلسطيني بحقّهم في العودة والتحرير.
وهنا لا مناص من الكشف عن وجهة نظر قد تثير غضب الكثيرين، ولكن قبل هذا يجدر التذكير بأن القوى الوطنيّة الفلسطينيّة وقفت ذات يوم ضدّ مؤتمر أريحا الذي أفضى إلى ارتباط الأردن بالضفّة الغربيّة، ليس لأنّها تقف ضدّ وحدة أبناء الشعب العربي، بل لإدراكها بأن قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين هي جوهر القضيّة الفلسطينيّة، وبأن تجنيس أبناء الشعب الفلسطيني يتناقض مع ضرورة التمسّك بالهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة، باعتبار ذلك رأس حربة في مواجهة المشروع الصهيوني، في سياق النضال العربي من اجل التحرّر والتحرير.
وهنا لا بد من التذكير بجوهر القضيّة الفلسطينيّة، خاصّة بعد أن تخلّت منظّمة التحرير عن دورها بتمثيل كافّة أبناء الشعب الفلسطيني، وأبرمت معاهدة أوسلو المشؤومة، وحلّ مكانها ما يسمّى بالسلطة الفلسطينيّة، أمّا وجة النظر التي ينبغي الإفصاح عنها فهي: كلّ إنسان ولد من أب أو أم تمتدّ جذورهها لجدّة خرجت من أرض فلسطين المحتلّة بعد النكبة المستمرّة هو هي لاجئـة لا يملك أيّ كان التفريط في حقّة بالعودة، ولا بد لمواجهة هذه المرحلة الخطيرة على مستقبل القضيّة الفلسطينيّة، وعلى مستقبل الأردن، أن يسجّل هذا الأمر في كافّة الأوراق الرسميّة، خاصّة لحملة الجنسيّات العربيّة من أبناء شعبنا العربي الفلسطيني. فهذه المسألة التكتيكيّة تشكّل ضرورة لا يمكن تجاهلها للاستمرار في مسيرة العودة والتحرير.