"سلام الملك"
د. حسن البراري
جو 24 : لم يكن لدى الجانب الإسرائيلي أوهام بخصوص موقف الشارع الأردني من السلام مع إسرائيل، فكافة القوى السياسية التي تمثل الوسط اليهودي تعرف جيدا أن السلام لم يكن في أي يوم من الايام سلاما بين الشعبين وانما بين القادة، وغالبا ما يصف الاسرائيليون السلام مع الاردن بسلام الملك "شلوم شل هميلخ" وفي ذلك تعبير عن معرفة إسرائيلية حثيثة بعدم قبول الشعب الاردني لاتفاق وادي عربة.
المتابعة الحثيثة لما يكتب بالصحافة العبرية وما يعرض في محطات التلفزة الإسرائيلية يكشف أن الإسرائيليين لا يرون أن هناك مشكلة في العلاقة مع الحكومة الاردنية ولا حتى مع مجلس النواب، فالطرف الاسرائيلي يعتقد أن مجلس النواب هو للتنفيس ولا يشكل عنصر توازن بين السلطات ولم ينجح أبدا في اصدار تشريع يؤثر على العلاقة الرسمية بين الاردن واسرائيل)، غير أنهم يعرفون جيدا أن مشكلتهم هي مع الشارع الأردني الذي ما زال يرفض التفكير وفقا لموازين القوى ويرفض الامتثال لما يراه الرسميون ضرورات استراتيجية.
قيام الجندي الاسرائيلي بقتل القاضي الاردني رائد الزعيتر كشفت عن غياب التأثير الأردني الرسمي في الشارع الاسرائيلي، فلم يتمكن الجانب الرسمي الاردني من انتزاع اعتراف اسرائيل بالجريمة وتحملها المسؤولية القانونية واكتفت بابداء اسفها، ووقعت الحكومة الأردنية في لعبة الالفاظ حفاظا على ماء الوجه وحتى تهدأ من روع الشارع والمجلس الذي تقدم له الاخفافات الرسمية الفرصة تلو الأخرى للارتقاء إلى مستوى طموح الشعب ومع ذلك يخفق المجلس كل مرة.
ضعف الحكومة الأردنية متعلق ببنية النظام السياسي الأردني الذي بدوره يضعف من موقع رئيس الحكومة لصالح مراكز قوى آخرى وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع إسرائيل. ووفقا لذلك، فالجانب الإسرائيلي لا يأخذ حكومات الأردن على محمل الجد، وكان الملك حسين رحمه الله يفهم التفكير الاسرائيلي ولذلك تصدى بشكل شخصي لاستهتار حكومة نتنياهو بالسيادة الاردنية واجبر الحكومة الاسرائيلية على دفع ثمن كبير لمحاولة اغتيال خالد مشعل التي تم على اثرها بالاطاحة برئيس جهاز الموساد داني ياتوم، ولو ترك الملك حسين حينها الامر للحكومة الأردنية لربما اخفقت في انقاذ حياة مشعل.
ثمة فرق جوهري بين اقامة سلام بين انداد وبين التعامل مع والامتثال لاملاءات اسرائيل وإن اتخذت شكل معاهدة سلام. ما يضعف من مواقف الأردن هو شعور الرسميين والنخب الحاكمة بأن اقامة علاقة مع اسرائيل هي تذكرة إلى البيت الابيض وأن استرضاء القوى اليهودية الأميركية المناصرة لإسرائيل هو تذكرة إلى الكونغرس الاميركي. قادة تل أبيب يعرفون هذا المنطق ويتعاملون وفقا ولذلك لا نراهم يهتمون كثيرا لما تقوله الحكومة الاردنية على اعتبار ان الأخيرة ليس لها خيار سوى أن تلتحق باسرائيل وتضبط تحركاتها وفقا للحالة الإسرائيلية بشكل عام.
على العكس من الحكومة الاردنية، فقد رفض الشارع الاردني التصريح الصادر عن مكتب نتنياهو والذي عبر فيه عن اسفه لمقتل القاضي الاردني وقدم فيه تعازيه للشعب الاردني. كان من الممكن للحكومة الإسرائيلية أن تقوي من موقف الحكومة الأردنية لو انها قدمت اعتذارا رسميا واعلنت عن تحملها المسؤولية القانونية والاخلاقية لقيام جندي اسرائيلي يمثل دولته بقتل مواطن اردني بدماء باردة. غير أن الحكومة الإسرائيلية غير معنية بتقديم أي مساعدة وبخاصة وهي تعرف جيدا أن ليس لدى النخب الحاكمة أي خيار في السياسة الخارجية سوى الابقاء على علاقتها مع إسرائيل.
مشكلة مطبخ القرار الرسمي في الأردن –وهنا تتجلى المفارقة بأوضح صورة- أنه لا يستوعب جيدا مشاعر الشعب الاردني الذي توحد في التعبير عن سخطه على الفعلة الاسرائيلية وتوحد ايضا في رفضه لموقف الحكومة الضعيف، ولنا أن نتخيل حجم المأزق الذي سيواجهه مطبخ القرار لو وجدت اسرائيل نفسها والحكومة الاردنية في نفس الخندق مقابل شارع أردني يرفض ما يعتبره تصفية للقضية الفلسطينية (خطة كيري) على حساب الاردنيين والفلسطينيين معا!
ففي عصر الصحوة السياسية الكونية وفي عصر تجاوز الشعوب للنخب الحاكمة وبخاصة غير الديمقراطية، لم يعد بامكان أي نظام في العالم الاستمرار بالتلاعب في الرأي العام، وفي الأردن يمكن للنخب السياسية أن يتلاعبوا بامور كثيرة الا الموقف من إسرائيل. لذلك فإن "سلام الملك" لن يكن كافيا أو مقنعا في الاجابة على اسئلة بات المجتمع الاردني يطلب اجابة لها.
المتابعة الحثيثة لما يكتب بالصحافة العبرية وما يعرض في محطات التلفزة الإسرائيلية يكشف أن الإسرائيليين لا يرون أن هناك مشكلة في العلاقة مع الحكومة الاردنية ولا حتى مع مجلس النواب، فالطرف الاسرائيلي يعتقد أن مجلس النواب هو للتنفيس ولا يشكل عنصر توازن بين السلطات ولم ينجح أبدا في اصدار تشريع يؤثر على العلاقة الرسمية بين الاردن واسرائيل)، غير أنهم يعرفون جيدا أن مشكلتهم هي مع الشارع الأردني الذي ما زال يرفض التفكير وفقا لموازين القوى ويرفض الامتثال لما يراه الرسميون ضرورات استراتيجية.
قيام الجندي الاسرائيلي بقتل القاضي الاردني رائد الزعيتر كشفت عن غياب التأثير الأردني الرسمي في الشارع الاسرائيلي، فلم يتمكن الجانب الرسمي الاردني من انتزاع اعتراف اسرائيل بالجريمة وتحملها المسؤولية القانونية واكتفت بابداء اسفها، ووقعت الحكومة الأردنية في لعبة الالفاظ حفاظا على ماء الوجه وحتى تهدأ من روع الشارع والمجلس الذي تقدم له الاخفافات الرسمية الفرصة تلو الأخرى للارتقاء إلى مستوى طموح الشعب ومع ذلك يخفق المجلس كل مرة.
ضعف الحكومة الأردنية متعلق ببنية النظام السياسي الأردني الذي بدوره يضعف من موقع رئيس الحكومة لصالح مراكز قوى آخرى وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع إسرائيل. ووفقا لذلك، فالجانب الإسرائيلي لا يأخذ حكومات الأردن على محمل الجد، وكان الملك حسين رحمه الله يفهم التفكير الاسرائيلي ولذلك تصدى بشكل شخصي لاستهتار حكومة نتنياهو بالسيادة الاردنية واجبر الحكومة الاسرائيلية على دفع ثمن كبير لمحاولة اغتيال خالد مشعل التي تم على اثرها بالاطاحة برئيس جهاز الموساد داني ياتوم، ولو ترك الملك حسين حينها الامر للحكومة الأردنية لربما اخفقت في انقاذ حياة مشعل.
ثمة فرق جوهري بين اقامة سلام بين انداد وبين التعامل مع والامتثال لاملاءات اسرائيل وإن اتخذت شكل معاهدة سلام. ما يضعف من مواقف الأردن هو شعور الرسميين والنخب الحاكمة بأن اقامة علاقة مع اسرائيل هي تذكرة إلى البيت الابيض وأن استرضاء القوى اليهودية الأميركية المناصرة لإسرائيل هو تذكرة إلى الكونغرس الاميركي. قادة تل أبيب يعرفون هذا المنطق ويتعاملون وفقا ولذلك لا نراهم يهتمون كثيرا لما تقوله الحكومة الاردنية على اعتبار ان الأخيرة ليس لها خيار سوى أن تلتحق باسرائيل وتضبط تحركاتها وفقا للحالة الإسرائيلية بشكل عام.
على العكس من الحكومة الاردنية، فقد رفض الشارع الاردني التصريح الصادر عن مكتب نتنياهو والذي عبر فيه عن اسفه لمقتل القاضي الاردني وقدم فيه تعازيه للشعب الاردني. كان من الممكن للحكومة الإسرائيلية أن تقوي من موقف الحكومة الأردنية لو انها قدمت اعتذارا رسميا واعلنت عن تحملها المسؤولية القانونية والاخلاقية لقيام جندي اسرائيلي يمثل دولته بقتل مواطن اردني بدماء باردة. غير أن الحكومة الإسرائيلية غير معنية بتقديم أي مساعدة وبخاصة وهي تعرف جيدا أن ليس لدى النخب الحاكمة أي خيار في السياسة الخارجية سوى الابقاء على علاقتها مع إسرائيل.
مشكلة مطبخ القرار الرسمي في الأردن –وهنا تتجلى المفارقة بأوضح صورة- أنه لا يستوعب جيدا مشاعر الشعب الاردني الذي توحد في التعبير عن سخطه على الفعلة الاسرائيلية وتوحد ايضا في رفضه لموقف الحكومة الضعيف، ولنا أن نتخيل حجم المأزق الذي سيواجهه مطبخ القرار لو وجدت اسرائيل نفسها والحكومة الاردنية في نفس الخندق مقابل شارع أردني يرفض ما يعتبره تصفية للقضية الفلسطينية (خطة كيري) على حساب الاردنيين والفلسطينيين معا!
ففي عصر الصحوة السياسية الكونية وفي عصر تجاوز الشعوب للنخب الحاكمة وبخاصة غير الديمقراطية، لم يعد بامكان أي نظام في العالم الاستمرار بالتلاعب في الرأي العام، وفي الأردن يمكن للنخب السياسية أن يتلاعبوا بامور كثيرة الا الموقف من إسرائيل. لذلك فإن "سلام الملك" لن يكن كافيا أو مقنعا في الاجابة على اسئلة بات المجتمع الاردني يطلب اجابة لها.