2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الاحتفاظ بالدولار الأميركي مضاره أكثر من منافعه

محمد خضر قرش
جو 24 : الأستثمار في عملة ما، يحتاج إلى ضمانات وأمان وثقة بها وبامكانيات الدولة التي تصدرها .وهذا لا يتأتى إلا من خلال وجود تغطية إحتياطية من الذهب والعملات الأخرى القابلة للتحويل من وإلى هذه العملة بسهولة ويسر وبدون قيود او عوائق وإلى قوة اقتصادية متينة تؤهلها لكي تصبح عملة ملاذ للمستثمرين وغيرهم.ولا يكفي أن تكون العملة دولية ليكون الاحتفاظ بها آمنا. فالدولار الأميركي اكتسب اهميته كعملة إحتياطية وكعملة إحتساب ودفع في التبادل والتجارة الدولية وخاصة بعد انهيار قاعدة الاسترليني /الذهب في خضم الحرب العالمية الثانية، بعد ان تم تبني قاعدة الدولار الذهب رسميا والتي تم إقرارها في المؤتمر الذي عقد في بريتون وودز في تموز /يوليو 1944عقب الحرب العالمية الثانية.حيث تم ربط الدولار بالذهب على أساس أن الأونصة الواحدة (نحو 31 غراما ) تساوي 35.25$. وكان من الطبيعي ان يتحول الدولار المربوط بالذهب إلى عملة إحتساب ودفع دولية وإلى عملة صعبة في كل أنحاء العالم نظرا لإمكانية إستبدالها بالذهب في اي وقت من المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بالسعر المشار إليه آنفا مضافا إليه نفقات البريد لا اكثر ولا أقل. وكان تبني الدولار نتيجة منطقية لخروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كاكبر قوة اقتصادية في العالم حيث كانت تشكل نحو 22% من الاقتصاد العالمي ونفس النسبة تقريبا من التجارة الدولية، وكان لديها اكبر إحتياطي من مخزون الذهب العالمي من هنا جاءت قوة الدولار. وكان من الطبيعي أيضا ان يعكس ذلك نفسه على القوة التصويتية للولايات المتحدة الأميركية في كل من صندوق النقد والبنك الدوليين حيث كانت لوحدها تملك 19.5% من القوة التصويتية في كل منهما. وقد بدأت الرياح تتغير بعكس ما تشتهيه سفن الولايات المتحدة وخاصة بعد تدخلها العسكري المكثف في الفيتنام في بداية عقد الستينات وإرسالها نحو نصف مليون جندي إلى هناك وما يتطلبه ذلك من تكاليف ونفقات في مختلف الجوانب مما ادى إلى تدفق الدولارات بكميات كبيرة جدا خارج الولايات المتحدة دون الانتباه أو الاهتمام بالكتلة الضخمة من الدولارات التي بدأت تتركز وتستقر خارج حدود الولايات المتحدة بسبب الانفاق العسكري المتزايد على قواتها، بالإضافة إلى ذلك فقد لعب عاملان هامان آخران في تراجع القوة التبادلية للدولار(أسعار صرفه إزاء العملات الأخرى والذهب)هما: الأول هو ما اصطلح على تسميته باليورودولار وهي الدولارات التي أخذت تتجمع في أوروبا في الفترة 1958- 1969 في البنوك المركزية الاوروبية والمؤسسات المالية والمصرفية والتي تجاوزت قيمتها 19 مليار$ والمتجمعة من بيع البترول للدول الاوروبية بشكل اساسي. وقد بدأت معالم الأزمة بالظهور العلني حين طالب البنك المركزي الفرنسي تحديدا وبإيعاز من الجنرال ديغول شخصيا لوزير ماليته ريمون برتران باستبدال ما لديه من دولارات بالذهب بالسعر الرسمي آنف الذكر مما شكل إحراجا كبيرا للولايات المتحدة. وعقب ذلك بدأت الاسواق المالية الدولية وأسعار الصرف وخاصة في باريس ولندن حينذاك تشهد ما اصطلح على تسميته بالايام السوداء الكثيرة وإضطراب سوق العملات الدولية بشكل ملموس والتي أدت إلى تأجيل إستبدال الدولارات المتجمعة في أوروبا بالذهب وفقا للسعر الرسمي المتفق عليه حيث ارتفعت سعر الأونصة لأول مرة منذ عام 1945 إلى ما يزيد قليلا على 40 $.اما العامل الثاني فكان في سياسة التمويل بالعجز الذي اتبعته الولايات المتحدة والذي أدى عمليا إلى طباعة المزيد من الدولارات بدون الأخذ بعين الاعتبار كميات الذهب المخزونة والمحتفظ بها لدى المجلس الاحتياطي الأميركي(البنك المركزي) والتي لا تتناسب وقيمة الدولارات المطبوعة. وقد ادى ذلك عمليا إلى زيادة الدين العام نتيجة طرح سندات خزينة للبيع على نطاق واسع لتمويل الحرب .
وقف العمل بقاعدة استبدال الدولار بالذهب
شهدت الفترة الممتدة من عام 1968 -1972 حدوث إضطرابات حادة في أسواق المال الدولية و في سوق الصرف بسبب مضاعفة المديونية الأميركية وتفشي التضخم وتراكم الدولارات في المؤسسات المالية الأوروبية الناجمة عن بيع النفط والعجز المستمر في ميزان المدفوعات الأميركي والتوقف غير المعلن(غير الرسمي ) للمجلس الاحتياطي الأميركي عن إستبدال الدولار بالذهب بالسعر المشار إليه، كل ذلك أدى إلى تجمع كميات ضخمة من الدولارات في البنوك المركزية الأوروبية واليابان على وجه التحديد وعدم قدرتها على الدفاع عن سعر الصرف المعلن ومن ثم إلى حدوث تراجع في القيمة التبادلية للدولار إزاء الضغوط الكبيرة التي بدأ بتعرض لها أمام العملات الرئيسية الأخرىوتقييم سعر الذهب.،وقد أطلق على هذه الفترة، تعويم الدولار والتي أدت فيما بعد إلى إعلان الرئيس نيكسون لأول تخفيض رسمي بالقيمة التبادلية للدولار بنسبة 10%عام 1971 وتخفيض آخر في العام التالي له مع وقف العمل بقاعدة الدولار الذهب كليا وبالتالي لم يعد بإمكان اي بنك مركزي أو مؤسسة مالية دولية إستبدال الدولارات التي بحوزتها إلى ذهب بالسعر الذي حددته اتفاقية بريتون وودز. وعلى إثر التطورات المشار إليها وما تبعها من تقلبات واضطرابات في أسواق المال والنقد ،إرتفع سعر أونصة الذهب مباشرة إلى نحو 70$.ثم ما لبث ان قفز قفزات كبيرة صاروخية بعد ذلك حتى كسر حاجز ال1000 $ لكل أونصة في نهاية عام 1979 ( تاريخ دخول الإتحاد السوفياتي إلى أفغانستان ).اما سعر الأونصة في هذه الأيام فيتراوح ما بين 1300- 1400 $ .
أين تكمن مخاطر الاحتفاظ الدائم بالدولار!!
حتى نقرب للقارئ أوالمستثمر أين تكمن مخاطر الاحتفاظ بالدولار الاميركي بصورة أو بشكل يجعلها اكثر قبولا وفهما وإدراكا لتلمس المخاطر الفعلية جراء الاحتفاظ بالدولار لفترة طويلة كعملة تتبوأ الصدارة من قبل المتعاملين والمستثمرين وكعملة صعبة تستخدم لتغطية الإصدارات من العملات النقدية المتداولة من قبل البنوك المركزية، أو كوسيلة لتقييم الأصول وعملة مقبولة لتسوية المدفوعات الدولية الناجمة عن تجارة السلع والخدمات، فيمكن تقديم المثال التالي: نفترض انه كان لديك مليون دولار عام 1970 فإنك كنت قادرا على شراء نحو 28369 اونصة من الذهب على أساس ان سعر الأونصة يساوي 35.25 $. لكن نفس المبلغ لا يشتري الآن أكثر من 741 أونصة بسعر متوسط قدره 1350 $/ للأونصة. وعليه فالخسارة المتحققة تصل إلى 27628 أونصة وبضربها بالسعر الحالي المنوه عنه فإن الخسارة تقدر ب 37.298 مليون $.وباتجاه مغاير لما سبق ،فلو قام مالك المليون دولار آنف الذكر ، بشراء الذهب عام 1970 واحتفظ به لربح اليوم المبلغ المشار إليه1. ولتسهيل إستيعاب الفكرة فإن سعر الغرام الواحد من الذهب في عام 1970 كان 1.2 $. اما الان فيصل إلى 43 دولارا ولكم ان تتخيلوا حجم الخسائر التي حققها المستثمر أو الدول التي ابقت على أرصدتها بالدولار ولم تحولها إلى ذهب أو عملات أخرى.مما سبق يتضح جليا أن المجلس الإحتياطي الفيدرالي الأميركي ومنذ عام 1971 لم يعد معنيا بالتدخل في أسواق الصرف وبالذات في القيمة التبادلية الرسمية لسعر الذهب مقابل الدولار. فالخطورة يمكن حصرها بالعناصر التالية :
1- لم يعد المجلس الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) ملزما بطباعة الدولارات وفقا لما يتوفر لديه من مخزون الذهب حتى بالسعر 1400 $/ للأونصة (تجاوز في حالات عديدة 1750$ لكل أونصة ، وعليه فالدولار لم يعد يساوي أكثر من تكلفة طباعته والتي لا تتجاوز ربما عشر سنتات.
2- الدولار بات يستمد قوته من قوة الاقتصاد الأميريكي وتأثيره السياسي فحسب وليس من ربطه بالذهب كما كان الوضع قبل عام 1971 .
3- حجم المديونية الاميركية تتجاوز حاليا 19 تريليون $ وهذا يفوق مجمل الناتج الاجمالي الاميركي
4- لم تعد هناك قيودا فعلية على طباعة المزيد من الدولارات مما سيؤدي إلى تضاعف الكتلة النقدية
وبالتالي زيادة كمية الدولارات المتداولة والمعروضة في الأسواق الدولية دون ضمانة بالحفاظ على قيمتها التبادلية بالذهب بسعر متفق عليه ومعلن سلفا .
5- الولايات المتحدة الأميركية لم تعد مهتمة أو معنية بما تسببه للاقتصاديات الدولية من خسائر وازمات بسبب تزايد حجم الانفاق الأميركي على الدفاع وتمويل الحروب التي تقوم بها (أفغانستان و العراق ويوغوسلافيا وليبيا وقبل ذلك فيتنام) فكل الأزمات المالية الدولية التي حدثت في القرن الماضي والحالي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية كان سببها الولايات المتحدة الأميركية انتقلت فيما بعد إلى الدول الأوروبية واليابان وغيرها بحكم العلاقات الاقتصادية المتداخلة والمتشابكة .
6- الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة المستفيدة والرابحة الوحيدة من كون عملتها أداة دفع دولية فهذا يجعلها تطبع النقود بدون قيود أو حسيب أو رقيب. وهذه الصفة غير موجودة في اي دولة اخرى عداها .
7- الولايات المتحدة الأميركية هي المستفيدة من جراء إحتفاظ مصارفها ومؤسساتها المالية بالاحتياطيات الضخمة التي تودعها العديد من الدول وخاصة النفطية منها حيث تسجل هذه الاحتياطيات والاستثمارات خسائر متتالية بين الفترة والأخرى لعل آخرها الأزمة المالية التي نشبت عام 2008 والتي تسببت بخسائر جمة للدول النفطية والأوروبية وغيرهما.
8- الولايات المتحدة الأميركية تتحكم عمليا في كل المؤسسات المالية الدولية وهي لا تتوانى لحظة واحدة عن حجز أرصدة وودائع الدول والشركات والأفراد سواء بحجة الإرهاب وتجفيف منابعه أو بحجة محاربة غسل الأموال وتبييضها ووضعها على القائمة السوداء كما أن بإمكانها وقف التعامل مع هذه المؤسسة المصرفية أو تلك متى شاءت وبقرار منفرد من قبل المحاكم الأميركية ، وعليه فإن ودائع وأرصدة الدول والشركات والأفراد معرضة دائما للتحفظ عليها وتجميدهاوتسجيل خسائر مالية دورية .
عبء حماية الدولار
لقد نجحت الولايات المتحدة الأميركية إلى حد بعيد في نقل عبء حماية الدولار إلى الأطراف الدولية الشرقية والغربية على حد سواء. وقد تعمق هذا النجاح وساد بشكل ملموس بعد سقوط أو إنهيار منظومة الدول الإشتراكية في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي وسيطرة نظام القطب الواحد على النظام السياسي والاقتصادي الدولي. فلم يعد من مصلحة الصين الشعبية واليابان وعموم الدول المنتجة للنفط والإتحاد الأوروبي على سبيل المثال ان ينهار الدولار الأميريكي.فإستثمارات الصين الشعبية في سندات الخزينة الأميريكية بلغت نحو 1.3 تريليون $ كما هو في شهر يوليو/ تموز عام 2013 ،مقابل 1.1 تريليون $ لليابان لنفس الفترة. أي أن المديونية الأميريكية للصين واليابان لوحدهما تصل إلى 2.4 تريليون $. وما ينطبق على اليابان والصين ينطبق تماما على الاتحاد الأوروبي والدول النفطية العربية منها وغير العربية.ومن الملفت للنظر هنا أن ما تمارسه الولايات المتحدة وتفعله من نقل عبء حماية الدولار من مجلس الاحتياطي الأميريكي ومن اقتصادها إلى دول العالم مارسته إسرائيل في أمنها وحدودها.فالأخيرة نقلت عبء حماية حدودها على الدول العربية بأكثر من إعتمادها على قواتها التي ركزت على شن الحروب والانتصار فيها. فمن مصلحة الدول العربية النفطية ان يبقى الدولار مستقرا وبدون إضطراب أو تراجع بقيمته التبادلية وعليه فهي أحرص من المجلس الاحتياطي الأميريكي على الدفاع عن الدولار وكذلك هو حال بقية دول العالم .فإصرار العرب وغيرهم على إبقاء تسعير النفط بالدولار دون غيره رغم الخسائر الكبيرة التي حققتها منذ عام 1970 وحتى الآن يعكس إلى أي مدى الحرص على إبقاء الدولار قويا ومستقرا. ولو كان العرب حريصون على مستقبل ثرواتهم القومية وأبرزها النفط لغيروا تسعيرته إلى سلة من العملات أو لوزعوا أرصدتهم وإستثماراتهم بين خمس عملات دولية قد يكون الدولار واحدا منهم بنسبة 20% مما يعني ان اية خسائر تتحقق في المستقبل وهو متوقع ومحتمل جدا ولا يمكن تجنبه ،لن تكون الخسارة إلا بنسبة 20% .ففي الأزمة الأخيرة (2008) التي عصفت بالدولار وبالاقتصاد الأميركي كلفت الدول العربية النفطية بشكل مباشر أو غير مباشر نحو 350 مليار دولار خسائر وفقا لتصريح المسؤول الاقتصادي في الأمم المتحدة بدر عمر الدفع،2 تحملت الصناديق السيادية الخليجية القسط الأكبر منها نظرا للأموال الطائلة التي أودعتها في المصارف الغربية، فالخسائر فادحة كما يتضح وهي كبيرة جدا بل وضخمة. فكل هذه الأموال تبخرت وضاعت بفعل الإصرار الغبي على إبقاء مجمل الاستثمارات في الدولار الأميريكي. هذا ولا تشمل الخسارة المشار إليها إنخفاض أسعار النفط من نحو 140 $ / للبرميل إلى 60 $ أثناء الأزمة قبل أن تعود وترتفع إلى نحو 100$ حاليا. وأخيرا لكم أن تتصوروا لو أن هذه المليارات انفقت في فلسطين والسودان ومصر والاردن واليمن والمغرب وموريتانيا والصومال، اما كانت حلت مشكلة البطالة في هذه الدول وحققت الازدهار الاقتصادي الذي نتطلع إليه جميعنا وننشده !!!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير