مقاربات ضرورية بين الانتخابات السورية والاوكرانية
قبل التوقف المؤقت عن الكتابة في الأحداث السياسية لفترة زمنية محددة بغرض تناول بعض المواضيع الاقتصادية التي سبق استعراضها والتطرق إليها في "دور وإغراض المقالة الاقتصادية" فقد وجدت من الضروري والأهمية معا عقد مقاربة بين الانتخابات الرئاسية الاوكرانية والسورية بالدرجة الأولى والمصرية والليبية بالدرجة الثانية نظرا لوجود تشابه بين الدول المذكورة،من حيث المظاهرات والعنف الشعبي وردات الفعل الرسمية وعزل وسقوط رئيس وبقاء اخر في هذه الدولة او تلك ومشاركة الجيش وقوى الامن في المواجهات العسكرية مع المتظاهرين وتدفق آلاف المسلحين الغرباء إلى هذه الدول بما في ذلك استخدام السلاح بكل انواعه والمواقف المتعارضة والمتناقضة للدول المجاورة والاقليمية والغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا تحديدا ،مما يجري في الدول محل المقاربة بدون االرجوع إلى معايير أو أسس يتم الاستناد إليها والاحتكام إليها لإتخاذ هذا الموقف او ذاك، على الرغم من التشابهات الكثيرة بين الدول المنوه عنها آنفا . فليس من مهمة هذه المقالة تناول اوجه التشابه والاختلاف بين الدول المذكورة ،ولكنها ستعقد المقاربة بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية كتحصيل حاصل تاركا القضايا الأخرى لمناقشات قادمة فلا يمكن ان تكون مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أوكرانيا ومصر وليبيا وضد عقدها في سوريا ؟كما لا يمكن أن توافق للمواطنين الاوكرانيين والمصريين المقيمين في الخارج بالتصويت في سفاراتتهم وتمنع حق السوريين في إنتخاب رئيسهم؟ والقضية هنا لا تنحصر في المعايير المزدوجة فحسب التي تنتهجها الدول الغربية صباح مساء وباتت جزءا من سياساتها، وانما للأغراض الخبيثة التي تقف وراء استخدامها واحيانا ضد نفس الدولة ذاتها بين فترة زمنية وأخرى. فالدول الغربية كانت مؤيدة بلا تحفظ للمظاهرات التي قامت ضد يانكوفيتش والذي أُجبر على مغادرة سدة الرئاسة في كييف رغم ما صاحبها من عنف وتجاوز غير مسبوق للحق في التظاهر بما يتعارض وأسس الديموقراطية الغربية للاحتجاج ،لكنها وبعد خروج يانكوفيتش وصفت المظاهرات ذاتها بأنها غير قانونية وانها موالية لروسيا؟ او من تدبيرها ؟وكأن المظاهرات السابقة على خروج يانكوفيتش، لم تكن من تخطيط وتمويل حلف الناتو وبالذات الدول الثلاث المشار إليها!! فمن يكون ضد القاعدة وداعش وجبهة النصرة في الخليج وغيره ويضعها في لائحة الارهاب لا يمكن ان يكون مع ما تفعله هذه المنظمات الإرهابية في سوريا. ومن يكون ضد انتشار سلاح الدمار الشامل في العالم وضد تطوير وامتلاك إيران للسلاح النووي بالذات، لا يمكن تبرير موافقته وسكوته ودعمه لامتلاك وتسلح إسرائيل بكل انواع أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها النووي؟ كما لا يمكن لدول الناتو ان تكون مع نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم وضد حقوق الانسان الفلسطيني والعربي سواء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أو الأنظمة المستبدة والديكتاتورية ودعهما وعقد اتفاقيات معها وحمايتها على حساب حقوق الانسان وآدميته .كما لا يمكن للدول الغربية الرأسمالية التي تدعي حمايتها لحقوق الانسان ان تغمض أعينها وتطبق شفاهها على إهانة المعتقلين ونزع إنسانيتهم في سجن أبو غريب وقتل النساء والاطفال في ملجأ العامرية والأطفال في مخيمات جنين وشاتيلا وقانا وقطاع غزة ثم تستنكر ما يتم في سوريا ومصر واوكرانيا وليبيا فقط. فالسجل الغربي الرأسمالي في دعم الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة والمرتشية اكثر من ان تعد أو تحصى حول العالم. فالدول الغربية تدعم احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية ماليا وعسكريا وسياسيا ولكنها ضد احتلال العراق للكويت مثلا حيث قامت بتجيش الجيوش وتدمير العراق وحضارته وحولته إلى أقاليم طائفية بينما تدعم وتمول احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية وتستخدم الفيتو عشرات المرات ضد تحديد موعد لإنسحابها من الأرض التي احتلتها عام 1967 ،كما لا يمكن ان يكون من حقها أن تقوم باحتلال فيتنام وكمبوديا ولاوس وافغانستان ودول أخرى كثيرة ولكنها تقف ضد احتلال الاتحاد السوفياتي سابقا لافغانستان . هي مع تفتيت يوغسلافيا وتقسيمها إلى ست دول وعقد انتخابات واستفتاءات تقرير المصير في كل إقليم من أقاليمها حتى قبل أن تتضح معالم الصراع ،لكنها ضد عقد نفس الانتخابات في شرق أوكرانيا وجزيرة القرم . السياسات الغربية وخاصة للدول الثلاث الكبرى(الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) باتت بائسة ولم تعد تنطلي على اي مواطن لديه حدا أدنى من الوعي والوطنية والانتماء والدين.
الانتخابات السورية والاوكرانية
من المؤكد أن هناك تشابهات كثيرة بين ما يحصل في أوكرانيا وسوريا وبينهما وكل من مصر وليبيا مع وجود اختلاف هنا وهناك في الوقائع وتسلسلها. فمن الصعب أن تصل إلى معايير او عوامل مشتركة تجعلك تؤيد الانتخابات في أوكرانيا وتعتبرها خطوة نحو الاستقرار وتطالب الدول المجاورة بعدم التدخل في شؤونها الداخلية في الوقت نفسه الذي تعتبر فيه إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في سوريا مهزلة وكأنها لم تكن وأن من شأنها تعقيد الموقف وزيادة حدة العنف؟؟ كما لا يمكن فهم إرسال مراقبين دوليين للإنتخابات إلى أوكرانيا ومصر وحتى ليبيا بينما لا يتم ذلك في سوريا ؟؟ ولماذا تتم الموافقة على محاربة الإرهابين والخارجين عن القانون ومموليهم في أوكرانيا ومصر!! والسكوت عما يجري في ليبيا وإهماله بينما يتم دعم وتقوية ومساندة نفس المجموعات في سوريا ؟ ولماذا تعتبر الانتخابات الرئاسية السورية مهزلة وكأنها لم تكن بينما يتم تجنيد كل وسائل الإعلام الغربية لدعم الانتخابات الاوكرانية والمصرية وحتى الليبية ؟ ولماذا تطلب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من الدول المجاورة لأوكرانيا عدم التدخل في الشأن االداخلي لها ، بينما تدعم وتمول وتدرب كل الجماعات الارهابية وتقيم لهم قواعد في الدول المجاورة لسوريا وتطلب منهم المزيد من التدخل؟ ولماذا تفرض عقوبات على روسيا الاتحادية لدعمها نضال الشعب الاوكراني وفي مقدمته إجراء الاستفتاءات على حق تقرير المصير في الوقت الذي تضغط على الدول المجاورة لسوريا لزيادة تدخلهم في شؤونها الداخلية ،بل انها تربط مساعداتها لها بمدى دعمها للمجموعات الارهابية وتسهيل دخولهم غير الشرعي إلى سوريا؟ الإنتخابات الرئاسية الاوكرانية مماثلة إلى حد التطابق مع الانتخابات الرئاسية السورية فلماذا تؤيد الأولى وتستنكر الثانية؟ ولماذا تتوجه إلى مجلس الامن بكل صغيرة وكبيرة تخص سوريا العربية بينما تعارض فعل ذلك فيما يتعلق بأوكرانيا وبفلسطين ؟ ومرة أخرى القضية لا تتعلق بالمعايير المزدوجة فحسب والتي باتت جزءا من سياساتها الدولية وإنما هي مقدمات لضرب سوريا وتجزئتها بعد أن قامت الأخيرة بتسليم ما لديها من الأسلحة الكيماوية؟ الشهور الثلاثة القادمة ستشهد أحداثا جسام ستكون سوريا في القلب منها.فالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا ومعها إسرائيل لن يهدأ لهم بال قبل ان تقسم سوريا ويتم إخرجها خارج القوة الاقليمية ويفتت جيشها وشطبه لئلا يحسب له أي حساب في المستقبل . وللأسف الشديد فإن كل هذا يتم بمشاركة وبسكوت وتمويل عربي مكررين نفس خطاياهم في العراق . لقد كتبنا قبل سنوات حينما شنت القوى الغربية حربها العدوانية القذرة على بلاد الرافدين، ان على الآخرين من العرب أن ينتبهوا جيدا إلى المثل القائل " أكلت يوم أكل الثور الأسود". وختاما نقول : اللهم أنصر مصر فهي تبقى الأمل والرجاء وأحد عناصر النهوض التي لا يمكن الاستغناء عنها.