أعجبني
حازم الخالدي
جو 24 : أعجبني يعني (like )، كلمة تقيدني وتخضعني لارادتها ،وتجعلني أسيرا لها، وأنا أتفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعي ،لأقرأ مقالة أو عبارة ما ، أو أشاهد صورة، أو رسما على صفحة صديق ..
هل ما زلنا مجتمعات مستهلكة، وأمة تستهلك الأفكار بعد أن كانت منتجة لها، فلا اختراعات ولا أفكار ولا مشاريع منتجة، حتى أننا استكثرنا على أنفسنا أن نصنع الربيع العربي، ليخرج علينا البعض أنه امتياز أجنبي ،لأننا أمة لا تصنع حضارة في هذه الزمن .
تخلق هذه الكلمة حالة من التفاعل مع الكثير من الأصدقاء على الفيسبوك، فكل من يضع معلومة حتى تجده ينتظرردود الفعل من الآصدقاء، سواء بالكلمات أو بكلمة (أعجبني )، لتختصر الكثير من العبارات ،التي تنهال على صفحته خلال ثوان ،ليتوحد الناس حول هذه الكلمة، كما يتوحد العالم بها، في وقت نختلف فيه حول اللغة ومفاهيمها،حتى أصبحت ضمن الحالة العربية السياسية .
أتوقف كثيرا عند بعض العبارات،وبالذات التي تؤشر إلى المناسبات أو الوقائع أو الأحداث، فاجد كلمة( أعجبني) التي وضعت للمشترك الذي يدخل على الصفحة، تلمع وكأنها جرس إنذار،وأتسأل في بعض الأحيان ما الذي يثير الاعجاب في حوادث تحتاج إلى المواساة والحزن والتضامن .
فقد تعجب بأغنية أو رسم جميل أو مثل شعبي ، أو حكم قيلت في مناسبات ،ولكن لا أعرف ، عن أي اعجاب نعبر عنه، عندما يفقد انسان عزيزا عليه،أو يتعرض لحادث تحطيم سيارة، أوسرقة ، أو انهيار مبنى عمارة ...
جربت مرة أن أضع عبارة غامضة وغير مفهومة لأجد البعض يعجب بها، حتى أنني احترت بماذا يعجبون، هل هي مجرد مجاملة تلقائية لارضاء الآخرين ...
ما أوقعني بدائرة الحزن ، حال واقع الأمة ، التي لم تبتكر شيئا ، وما زالت تعيش حالة التبعية والخضوع،وأنا أقرأ عن حادث مفجع تعرض له زميل لي ، ويضع ذلك بكلمات مقتضبة على صفحته على الفيسبوك ، لتنهال عليه " الليكات " بكلمة (أعجبني)،كذلك وضع أحدهم نعيا لوالده، الذي توفي أخيرا، ليشاركه الأصدقاء ويبادلونه الفرح بكلمة (أعجبني)،وكأنهم يعجبون بحالة المصاب ، بدلا من مشاطرته الحزن،ولكن لا فرق فالفرح والحزن وجهان لعملة واحدة في هذه الزمن، كما حدث الاسبوع الماضي في حارتنا، خيمتان متجاورتان،واحدة لتقبل العزاء ، والآخرى لإستقبال الجاهة الكريمة ،...(أعجبني) ذلك .
تضعف مناعة العقل عند هذه المخترعات الغربية ،إلى حد الابهار بها ،فتضمحل الإرادة إلى درجة الخضوع لها، فتصبح ثقافة الشعب مهددة بأخلاقياته وقيمه وثوابته وعاداته وتقاليده، فلا مناص من الانهيار التلقائي، فالهدف واضح عولمة الثقافة،وقتل روح الأمة.
تصل الأمور في بعض الأحيان إلى أصحاب الكلمة ممن يمتهنون الكتابة، وكتابة القصص، فيضع البعض منهم تعليقات عليها،بكلمة (أعجبني)،لا بل أنهم يضعونها على كل عبارة، أو تعليق من المشاركين، تنميط للكتابة لا أكثر ....
هل نعفي انفسنا من الهيمنة ونحن نقرأ خبرا ،القوات السورية تقتل الأطفال في مدينة حمص،فيضعون كلمة( اعجبني)،ولا أعرف بماذا يعجبون، هل يعجب هؤلاء بما كتب من مقال أو خبر، أم أنهم يعجبون بقتل الأطفال،والدماء التي تسيل بلا ثمن ..
يضع أحدهم عبارة، تأييد للمعلمين في اعتصامهم ضد الحكومة،حتى تتحقق مطالبهم كاملة، فتثير هذه العبارة الاعجاب(أعجبني)، ويعجب آخر بعبارة أخرى ، لا يجوز للمعلمين أن يمتنعوا عن إعطاء الدروس للطلبة، الذين وجدوا في غيابهم فرصة للتسكع في الشوارع من دون تعليم ،عبارة تثير الأعجاب من نفس الشخص(أعجبني)..
الثقافة اليوم من أخطر المواضيع التي تحاكي الإنسان،بعد أن انتهت الحروب العسكرية، ليحل محلها الاستعمار الثقافي الذي يتجلى في مفاهيم العولمة ، التي تنهب الثروات والخيرات ،وتضعف العقل وتجعله خاضعا للآليات التي يراد منها تدمير ثقافة الشعب .
يقول ابن خلدون " انما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها " .
لماذا نزيف واقعنا بايدينا ،ولماذا نصدق هؤلاء الذين يقولون إن العالم واحد، فيحكمون علينا ويضللوننا بعادات استهلاكية يراد أن تكون على نطاق عالمي، ليصبح العالم بنظرهم يتحدث بلغة واحدة .
hmsskj@yahoo.com
هل ما زلنا مجتمعات مستهلكة، وأمة تستهلك الأفكار بعد أن كانت منتجة لها، فلا اختراعات ولا أفكار ولا مشاريع منتجة، حتى أننا استكثرنا على أنفسنا أن نصنع الربيع العربي، ليخرج علينا البعض أنه امتياز أجنبي ،لأننا أمة لا تصنع حضارة في هذه الزمن .
تخلق هذه الكلمة حالة من التفاعل مع الكثير من الأصدقاء على الفيسبوك، فكل من يضع معلومة حتى تجده ينتظرردود الفعل من الآصدقاء، سواء بالكلمات أو بكلمة (أعجبني )، لتختصر الكثير من العبارات ،التي تنهال على صفحته خلال ثوان ،ليتوحد الناس حول هذه الكلمة، كما يتوحد العالم بها، في وقت نختلف فيه حول اللغة ومفاهيمها،حتى أصبحت ضمن الحالة العربية السياسية .
أتوقف كثيرا عند بعض العبارات،وبالذات التي تؤشر إلى المناسبات أو الوقائع أو الأحداث، فاجد كلمة( أعجبني) التي وضعت للمشترك الذي يدخل على الصفحة، تلمع وكأنها جرس إنذار،وأتسأل في بعض الأحيان ما الذي يثير الاعجاب في حوادث تحتاج إلى المواساة والحزن والتضامن .
فقد تعجب بأغنية أو رسم جميل أو مثل شعبي ، أو حكم قيلت في مناسبات ،ولكن لا أعرف ، عن أي اعجاب نعبر عنه، عندما يفقد انسان عزيزا عليه،أو يتعرض لحادث تحطيم سيارة، أوسرقة ، أو انهيار مبنى عمارة ...
جربت مرة أن أضع عبارة غامضة وغير مفهومة لأجد البعض يعجب بها، حتى أنني احترت بماذا يعجبون، هل هي مجرد مجاملة تلقائية لارضاء الآخرين ...
ما أوقعني بدائرة الحزن ، حال واقع الأمة ، التي لم تبتكر شيئا ، وما زالت تعيش حالة التبعية والخضوع،وأنا أقرأ عن حادث مفجع تعرض له زميل لي ، ويضع ذلك بكلمات مقتضبة على صفحته على الفيسبوك ، لتنهال عليه " الليكات " بكلمة (أعجبني)،كذلك وضع أحدهم نعيا لوالده، الذي توفي أخيرا، ليشاركه الأصدقاء ويبادلونه الفرح بكلمة (أعجبني)،وكأنهم يعجبون بحالة المصاب ، بدلا من مشاطرته الحزن،ولكن لا فرق فالفرح والحزن وجهان لعملة واحدة في هذه الزمن، كما حدث الاسبوع الماضي في حارتنا، خيمتان متجاورتان،واحدة لتقبل العزاء ، والآخرى لإستقبال الجاهة الكريمة ،...(أعجبني) ذلك .
تضعف مناعة العقل عند هذه المخترعات الغربية ،إلى حد الابهار بها ،فتضمحل الإرادة إلى درجة الخضوع لها، فتصبح ثقافة الشعب مهددة بأخلاقياته وقيمه وثوابته وعاداته وتقاليده، فلا مناص من الانهيار التلقائي، فالهدف واضح عولمة الثقافة،وقتل روح الأمة.
تصل الأمور في بعض الأحيان إلى أصحاب الكلمة ممن يمتهنون الكتابة، وكتابة القصص، فيضع البعض منهم تعليقات عليها،بكلمة (أعجبني)،لا بل أنهم يضعونها على كل عبارة، أو تعليق من المشاركين، تنميط للكتابة لا أكثر ....
هل نعفي انفسنا من الهيمنة ونحن نقرأ خبرا ،القوات السورية تقتل الأطفال في مدينة حمص،فيضعون كلمة( اعجبني)،ولا أعرف بماذا يعجبون، هل يعجب هؤلاء بما كتب من مقال أو خبر، أم أنهم يعجبون بقتل الأطفال،والدماء التي تسيل بلا ثمن ..
يضع أحدهم عبارة، تأييد للمعلمين في اعتصامهم ضد الحكومة،حتى تتحقق مطالبهم كاملة، فتثير هذه العبارة الاعجاب(أعجبني)، ويعجب آخر بعبارة أخرى ، لا يجوز للمعلمين أن يمتنعوا عن إعطاء الدروس للطلبة، الذين وجدوا في غيابهم فرصة للتسكع في الشوارع من دون تعليم ،عبارة تثير الأعجاب من نفس الشخص(أعجبني)..
الثقافة اليوم من أخطر المواضيع التي تحاكي الإنسان،بعد أن انتهت الحروب العسكرية، ليحل محلها الاستعمار الثقافي الذي يتجلى في مفاهيم العولمة ، التي تنهب الثروات والخيرات ،وتضعف العقل وتجعله خاضعا للآليات التي يراد منها تدمير ثقافة الشعب .
يقول ابن خلدون " انما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها " .
لماذا نزيف واقعنا بايدينا ،ولماذا نصدق هؤلاء الذين يقولون إن العالم واحد، فيحكمون علينا ويضللوننا بعادات استهلاكية يراد أن تكون على نطاق عالمي، ليصبح العالم بنظرهم يتحدث بلغة واحدة .
hmsskj@yahoo.com