مطبخ القرار الأردني والمعارك القادمة
د. حسن البراري
جو 24 : يجمع عدد من المراقبين المحليين ان الدولة الأردنية كانت تتمنى أن لا ينجح مرشح الإخوان في مصر الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة لاسباب منها داخلية تتعلق بحركة الاخوان المسلمين ومنها استراتيجية كون مصر مبارك كانت رأس حربة في محور الاعتدال غير المؤثر والذي كان الأردن ضمن اعضائه، لهذا على الأرجح أن تقترب عمان في علاقاتها أكثر مع الرياض وما يترتب على ذلك من استدارة في موضوع الاصلاح السياسي وهو ما تم بعد تسلم الحرس القديم زمام الامر وتمكن رئيس الحكومة المحافظ فايز الطروانة من تمرير آخر متطلبات استمرار الاستعصاء السياسي (قانون انتخابات) بطريقة فيها الكثير من الاستخاف بالقوى السياسية التي كانت تأمل بانفراج سياسي وتأسيس لحياة ديمقراطية يبدو أن لا زبائن لها في مطبخ القرار.
غير أن مطبخ القرار في الاردن يرى بأن الأمر لم ينته في مصر، فثمة معارك قادمة ستحسم مسألة الانتقال الديمقراطي وقوة الاسلاميين في مصر وتأثير ذلك على الاقليم. والمعركة الأولى التي سيخوضها الرئيس المصري الجديد هي معركة انتزاع الصلاحيات من المؤسسة العسكرية التي قلصت صلاحياته في الاعلان الدستوري المكمل والتي اقترب فيها الرئيس من حالة رمز الدولة (figurehead) بدلا من الحاكم الفعلي للدولة بصلاحيات كاملة. اللافت أن المجلس العسكري في مصر يتمتع بدعم أميركي لأنه هو الضامن لاستمرار العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل لا ينطوي على تهديد لمصالح اميركا وحليفتها اسرائيل. فبعد ان ثبتت قوة الاسلاميين في الانتخابات الرئاسية قام المجلس بانقلاب ناعم على الثورة مع انه لم يجرؤ على الاعلان عن خسارة مرشح الإخوان، وترى مارينا أتاوا من معهد كارنيجي بان الاسبوع الذي تلى انتخابات الجولة الثانية لم يكن بهدف النظر في الطعون بقدر ما كان بهدف التفكير مليا في مآلات اعلان فوز شفيق. غير ان العسكر لم يتمتعوا بالشجاعة الكافية لاكمال الانقلاب على الثورة فاكتفوا بتقييد صلاحيات الرئيس واعلان نتيجة الانتخابات كما هي.
وترى مرجعيات في الدولة الاردنية أن الانتصار المدوي للإسلاميين في مصر لا يعكس هيمنة الاسلاميين هناك بقدر ما يعكس حالة قلق في مصر، فهناك نصف أعداد من يحق لهم التصويت استنكفوا ولم يذهبوا لصناديق الاقتراع، ونظرا لحصول مرشح النظام السابق احمد شفيق على ما يقارب من أقل بقليل من نصف أصوات المقترعين، فإن هناك ما يشير إلى أن المجتمع المصري لم يحسم خياره بعد بخصوص القوة السياسية التي يمكن لها أن تهيمن على السياسة المصرية في العقد الحالي. ومع أن المعركة بين مرسي والعسكر لم تظهر على السطح بعد إلا انها مرشحة للظهور والاحتدام بعد فترة وجيزة في وقت سيكون فيه الرئيس مرسي بحاجة لتحقيق انجاز اقتصادي بعيدا عن التصريحات التي اطلقها وتعبر عن امال العديد من المصريين. وهناك من يرى بأن الاردن سيستمر بعلاقات مع الرئيس المصري لكن بحذر شديد على أن يمنح العسكر في الاردن دورا سياسيا من خلال التنسيق مع المجلس العسكري على اعتبار انه يعبر عن امتداد لسياسات مبارك التي يرتاح لها النظام الاردني قياسا بتوجهات الاسلاميين في الشأن الاقليمي وبخاصة الملف الفلسطيني وحماس.
ما من شك في أن القضايا الإقليمية لعبت دورا بارزا في صوغ الاستراتيجية الاردنية في التعامل مع الملفات الداخلية المتعلقة بالاصلاح السياسي. وقد برزت مدرسة في الاردن كانت ترى بأن من مصلحة الاردن أن يمضي قدما في موضوع الاصلاح السياسي بشكل يلبي الحد الأدني من طلبات الاصلاحيين والمعارضة قبل حسم الموضوعين السوري والمصري. وكان هذا الاتجاه يرى أن عامل الوقت مهم جدا وأن حسم موضوع الاصلاح هو من مستلزمات الاستقرار في الاردن، فالفشل في الاصلاح وحسم ملفي سوريا ومصر من شأنهما أن يؤديا إلى استقواء عند الحركة الاسلامية. وحتى فترة قريبة كان رأس الدولة مع هذه الفكرة غير أن رؤيته في الاصلاح لم تنفذ، فكل التعهدات الملكية والضمانات باحترام مخرجات لجنة الحوار الوطني على سبيل المثال اصطدمت بالدولة العميقة ولم ترى النور. النتيجة هي ان هذه المدرسة اخفقت في صنع الفرق.
بالمقابل هناك مدرسة كانت تنظر للأمور من منظور مختلف، فالحراك بالنسبة لهم ضعيف، ولم ينجح النشطاء في الحفاظ على زخم يخيف الدولة. وعلى عكس دول الاتحاد الأوروبي، فقد تراجعت الولايات المتحدة عن الاصلاح في الاردن لصالح فكرة الاستقرار بعد أن استوعبت درس الربيع العربي في مصر وخوفها من مآلات سيناريو الحرب الاهلية في سوريا واحتمال انتقال الاسلحة الكيماوية إلى قوى متطرفة يمكن لها استهداف مصالح واشنطن في المنطقة في وقت تمر فيه ادارة أوباما بسنة انتخابات رئاسية.
بعض الرسميين في مطبخ القرار يروا بأن الرئيس مرسي حصل فقط على ربع اصوات من يحق لهم التصويت، وهذا يعني أنه في ظل تراجع ثقة مكونات واسعة من المجتمع المصري (الاقباط والمرأة) والقوى السياسية العلمانية والليبرالية والقومية بالاخوان المسلمين فإن اعادة انتخاب ثلث مقاعد مجلس الشعب المصري ستشهد تراجعا للاسلاميين لصالح قوى سياسية أخرى، كما ان العسكر في مصر يخططون لانتخابات رئاسية في العام القادم ما يعني أن موضوع هيمنة الاخوان المسلمين بحاجة إلى تروي قبل الحكم عليها.
بالمجمل، يمكن استخلاص أن مطبخ القرار في الاردن سيتابع هذه المعارك في مصر التي من شأن حسمها بطريقة أو بأخرى أن يترك تأثيرا بالغا على اعادة توجيه السياسة الداخلية والخارجية.
غير أن مطبخ القرار في الاردن يرى بأن الأمر لم ينته في مصر، فثمة معارك قادمة ستحسم مسألة الانتقال الديمقراطي وقوة الاسلاميين في مصر وتأثير ذلك على الاقليم. والمعركة الأولى التي سيخوضها الرئيس المصري الجديد هي معركة انتزاع الصلاحيات من المؤسسة العسكرية التي قلصت صلاحياته في الاعلان الدستوري المكمل والتي اقترب فيها الرئيس من حالة رمز الدولة (figurehead) بدلا من الحاكم الفعلي للدولة بصلاحيات كاملة. اللافت أن المجلس العسكري في مصر يتمتع بدعم أميركي لأنه هو الضامن لاستمرار العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل لا ينطوي على تهديد لمصالح اميركا وحليفتها اسرائيل. فبعد ان ثبتت قوة الاسلاميين في الانتخابات الرئاسية قام المجلس بانقلاب ناعم على الثورة مع انه لم يجرؤ على الاعلان عن خسارة مرشح الإخوان، وترى مارينا أتاوا من معهد كارنيجي بان الاسبوع الذي تلى انتخابات الجولة الثانية لم يكن بهدف النظر في الطعون بقدر ما كان بهدف التفكير مليا في مآلات اعلان فوز شفيق. غير ان العسكر لم يتمتعوا بالشجاعة الكافية لاكمال الانقلاب على الثورة فاكتفوا بتقييد صلاحيات الرئيس واعلان نتيجة الانتخابات كما هي.
وترى مرجعيات في الدولة الاردنية أن الانتصار المدوي للإسلاميين في مصر لا يعكس هيمنة الاسلاميين هناك بقدر ما يعكس حالة قلق في مصر، فهناك نصف أعداد من يحق لهم التصويت استنكفوا ولم يذهبوا لصناديق الاقتراع، ونظرا لحصول مرشح النظام السابق احمد شفيق على ما يقارب من أقل بقليل من نصف أصوات المقترعين، فإن هناك ما يشير إلى أن المجتمع المصري لم يحسم خياره بعد بخصوص القوة السياسية التي يمكن لها أن تهيمن على السياسة المصرية في العقد الحالي. ومع أن المعركة بين مرسي والعسكر لم تظهر على السطح بعد إلا انها مرشحة للظهور والاحتدام بعد فترة وجيزة في وقت سيكون فيه الرئيس مرسي بحاجة لتحقيق انجاز اقتصادي بعيدا عن التصريحات التي اطلقها وتعبر عن امال العديد من المصريين. وهناك من يرى بأن الاردن سيستمر بعلاقات مع الرئيس المصري لكن بحذر شديد على أن يمنح العسكر في الاردن دورا سياسيا من خلال التنسيق مع المجلس العسكري على اعتبار انه يعبر عن امتداد لسياسات مبارك التي يرتاح لها النظام الاردني قياسا بتوجهات الاسلاميين في الشأن الاقليمي وبخاصة الملف الفلسطيني وحماس.
ما من شك في أن القضايا الإقليمية لعبت دورا بارزا في صوغ الاستراتيجية الاردنية في التعامل مع الملفات الداخلية المتعلقة بالاصلاح السياسي. وقد برزت مدرسة في الاردن كانت ترى بأن من مصلحة الاردن أن يمضي قدما في موضوع الاصلاح السياسي بشكل يلبي الحد الأدني من طلبات الاصلاحيين والمعارضة قبل حسم الموضوعين السوري والمصري. وكان هذا الاتجاه يرى أن عامل الوقت مهم جدا وأن حسم موضوع الاصلاح هو من مستلزمات الاستقرار في الاردن، فالفشل في الاصلاح وحسم ملفي سوريا ومصر من شأنهما أن يؤديا إلى استقواء عند الحركة الاسلامية. وحتى فترة قريبة كان رأس الدولة مع هذه الفكرة غير أن رؤيته في الاصلاح لم تنفذ، فكل التعهدات الملكية والضمانات باحترام مخرجات لجنة الحوار الوطني على سبيل المثال اصطدمت بالدولة العميقة ولم ترى النور. النتيجة هي ان هذه المدرسة اخفقت في صنع الفرق.
بالمقابل هناك مدرسة كانت تنظر للأمور من منظور مختلف، فالحراك بالنسبة لهم ضعيف، ولم ينجح النشطاء في الحفاظ على زخم يخيف الدولة. وعلى عكس دول الاتحاد الأوروبي، فقد تراجعت الولايات المتحدة عن الاصلاح في الاردن لصالح فكرة الاستقرار بعد أن استوعبت درس الربيع العربي في مصر وخوفها من مآلات سيناريو الحرب الاهلية في سوريا واحتمال انتقال الاسلحة الكيماوية إلى قوى متطرفة يمكن لها استهداف مصالح واشنطن في المنطقة في وقت تمر فيه ادارة أوباما بسنة انتخابات رئاسية.
بعض الرسميين في مطبخ القرار يروا بأن الرئيس مرسي حصل فقط على ربع اصوات من يحق لهم التصويت، وهذا يعني أنه في ظل تراجع ثقة مكونات واسعة من المجتمع المصري (الاقباط والمرأة) والقوى السياسية العلمانية والليبرالية والقومية بالاخوان المسلمين فإن اعادة انتخاب ثلث مقاعد مجلس الشعب المصري ستشهد تراجعا للاسلاميين لصالح قوى سياسية أخرى، كما ان العسكر في مصر يخططون لانتخابات رئاسية في العام القادم ما يعني أن موضوع هيمنة الاخوان المسلمين بحاجة إلى تروي قبل الحكم عليها.
بالمجمل، يمكن استخلاص أن مطبخ القرار في الاردن سيتابع هذه المعارك في مصر التي من شأن حسمها بطريقة أو بأخرى أن يترك تأثيرا بالغا على اعادة توجيه السياسة الداخلية والخارجية.