"تدعيش" سنة العراق و "الوطنية الشيعية" تمثلان تهديدا لاستقرار الاقليم؟
كتب د. حسن البراري - عانت اكثر الكتابات عما يجري في العراق من أحادية مقيتة اختبأ خلفها الكثير من المحللين لتبرير هذا الخيار او ذاك دون محاولة لتشخيص المشهد العراقي شديد التركيب بنوع من الموضوعية، وبالتالي اصبحت الكتابة عن هذا الموضوع على وجه التحديد وسيلة للصراع وكشف المستور بدلا من كونها وسيلة للفهم والشرح.
لنبدأ أولا من محاولات تدعيش سنة العراق. تستند هذه المحاولات على نظرية أن داعش هو تنظيم ارهابي مرتبط بالقاعدة ويستهدف العراق الديمقراطي، وتضيف هذه النظرية بأنه لا يوجد ثورة سنية وانما هناك تنظيم داعش يتنمر على سنة العراق ويستهدف الشيعة لإذكاء فصول جديدة من الحرب الاهلية. ويرى اصحاب هذا الرأي وبخاصة بعض الكتاب المتماهين مع نظام بشار الاسد بأن ما يجري في العراق يعزز مصداقية النظام السوري في محاولته ابراز ما يقوم به في سوريا في سياق الحرب العالمية ضد الارهاب.
وبالفعل، قام المالكي بتوافق مع ايران باستغاثة الولايات المتحدة، وانبرى عدد من الكتاب بالترويج لامكانية تحالف اميركي ايراني للقضاء على داعش، ولم ينسى هؤلاء الكتاب أن يذكرونا بأن نظام الاسد اصبح في موقع اقوى وبأنه يمكن أن يكون شريكا مقبولا للغرب في الحرب على الارهاب.
هذه المحاولات وتوسل المالكي والاسد لواشنطن للتدخل ضد داعش لم تفضي إلى أي نتيجة تذكر، ففي النقاش العام في الولايات المتحدة هناك اتفاق على أن هناك بالاضافة الى داعش ثورة سنية لها مطالب مشروعة. وحتى اشد المتحمسين لفكرة الهلال الشيعي (وهنا الحديث عن فؤاد عجمي) بدأ باجراء مراجعات، وبالفعل كتب فؤاد عجمي في الوول ستريت جورنال ما يفيد أن ثورة السنة مرتبطة اولا واخيرا بسياسات المالكي الاقصائية والانتقامية والتسلطية. وعلى نفس المنوال أكد الرئيس أوباما أن تدخل الولايات المتحدة يجب أن يكون ضمن خطة سياسية تهدف الى اجراء مصالحة وطنية، ولا يمكن في هذه الحالة أن يكون المالكي جزءا منها. وأكثر من ذلك هناك فريق في الادارة الاميركية يرى أن تدخل الولايات المتحدة الى جانب المالكي يمكن ان يفسر بأنه تمكين للتسلط الشيعي وهو ما سيثير السنة أكثر.
بالمقابل، هناك من روّج لفكرة المؤامرة، بمعنى أن ما يجري هو سيناريو معد سابقا، نفذه المالكي بحرفنة حتى يجبر كل الشيعة على الانضمام خلف قيادته وهكذا يضمن ولاية ثالثة بعد أن كان قد حقق في الانتخابات انتصارا هزيلا لا يؤهله لتشكيل حكومة عراقية.
فالمالكي حسب هذا السيناريو كان سيوظف الانهيار المصطنع للجيش العراقي حتى يفرض حالة الطواريء على البلاد حسب نصوص قانون الطواريء الصادر في عام 2010 حتى يتمكن أن استعادة الأمن وبعدها يكون الشخصية الاقوى في العراق. ويرى اصحاب نظرية المؤامرة أن المالكي قام بكل هذه الخطوات بالتنسيق مع ايران حتى يشعر الجميع بحجم خطر القاعدة وعندها تضطر الولايات المتحدة التخلي عن خططها بالاطاحة ببشار الاسد. بمعنى أن ما يجري في العراق هو ضمن استراتيجة ايرانية للابقاء على حلفاءها بموافقة اميركية!
على أن الأمر اكثر تعقيدا من كل هذه الروايات، فبالفعل ينطبق على سنة العراق تعبير "المعذبون في الارض"، فهم يدفعون ثمنا باهظا لمحاولات المالكي المدعومة من ايران لاحكام سيطرة شيعة العراق وتمكينهم سياسيا واقتصاديا وأمنيا. ويتناسى الذين يروجون لفكرة ان على الولايات المتحدة أن تتحالف مع ايران والنظام السوري أن أخطر ما في الامر هو ظهور الوطنية الشيعية التي اصبح لها مرجعيات مثل السيستاني الذي اصدرفتوى بأن كل شيعي يحمل السلاح ويقتل هو شهيد، وهكذا يستعيد السيستاني فتوى مماثلة كان قد اصدرها الامام الخميني عندما بعث بالاف الاطفال من الايرانيين لفتح حقول الالغام إبان الحرب العراقية الايرانية التي قامت بها ايران الفارسية وبتواطئ من نظام الاسد الاب.
خلاصة القول، في كل ما يجري لا بد من الانتباه إلى أن هناك ما يمكن تسميته بالوطنية الشيعية التي اصبحت اطارا عاما لتأطير شيعة العرب في العراق وسوريا ولبنان. فيكفي أن يأتي تصريح على لسان السيستاني حتى ينبري الاف المتطوعين الشيعة لقتال السنة في اي بلد. وبهذا المعنى فإن الوطنية الشيعية هي القوى الصاعدة وليس داعش التي يعتمد استمرار بقائها على الخلافات بين دول الاقليم ويمكن ان تنتهي إن اتفقت الاطراف الرئيسة في الاقليم على شكل الحل. وبالمقابل على القوى التي تساند داعش أن تنتبه إلى أن هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الراديكالية لا يمكن أن تكون قوة بناءة في قادم الايام، فهناك بنى ذهنية عرفية اقصائية ايضا لا تعترف بالديمقراطية وتكفر كل من يختلف مع نهجها.