الفساد في منظومة التعليم العام
د. فيصل الغويين
جو 24 : أظهرت الدراسات التي أجريت على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية، التأثير السلبي للفساد على التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول؛ فقد لوحظ أنه يقلل من كفاءة وجودة الخدمات، ويشوه عملية صناعة القرار، ويقوّض القيم الاجتماعية. وأكدت الدراسات التي أجريت حديثا تأثير الفساد على توفير الخدمات، ومن ضمنها التعليم.
وبالرغم من أنه يبدو من الصعب تقييم حجم الفساد في القطاعات المختلفة بطريقة دقيقة، فانه يمكن افتراض كونها ظاهرة ليست بالهامشية، فالتعليم على سبيل المثال يتأثر بهذه الظاهرة بثلاث طرق:
1- يتأثر التعليم من ناحية عن طريق الضغط الذي يمارسه الفساد على الموارد العامة، وبالتالي على ميزانية التعليم التي تمثل في أغلب الدول ومنها الاردن أكبر أو ثاني أكبر جزء من الانفاق العام.
2- من ناحية أخرى يؤثر الفساد على التعليم عن طريق تأثيره على تكلفة الخدمات التعليمية وحجمها وجودتها.
3- من ناحية ثالثة يكون أثر الفساد في التعليم على وجدان وثقافة المعلمين والطلبة والاسر طويل المدى، وينعكس على أداء الافراد والخريجين سلبا طوال حياتهم المهنية.
ومن الملاحظ أنه على الرغم من تعدد أوجه الفساد الموجودة في قطاع التعليم، الا ان الاجراءات المتخذة حتى الان تبدو شكلية وسطحية، على الرغم من أنه يجب اعتبار التصدي للفساد الاداري والمالي في هذا القطاع أولوية وطنية قصوى؛ لأنها لا تؤثر فقط على حجم الخدمات التعليمية وجودتها وكفاءتها، وبالتالي مخرجاتها، ولكنها تؤثر ايضا على العدالة في التعليم، وثقة المواطن في منظومة التعليم.
وفي هذا الصدد لا بد من تطوير طرق مبتكرة لبناء نظم مؤثرة ومسؤولة وشفافة، قادرة على تقديم الخدمات التعليمية بطريقة تتميز بالكفاءة والعدالة. ويمكن لجميع مجالات التخطيط والادارة أن تتأثر بظاهرة الفساد، وبالتحديد نظم المعلومات، والابنية المدرسية، والتوظيف، والترفيعات، وتوريد التجهيزات والكتب المدرسية وتوزيعها، والعطاءات المختلفة، والامتحانات.
ولكن فرص ممارسة الفساد في هذه المجالات ليست متساوية، ولا تتضمن نفس الاشخاص، ولا تحدث بنفس درجة التكرار، وتأثيرها العام على عمل النظام التعليمي بنفس القوة، سواء كان هذا التأثير متعلق بالتكاليف المادية أو الانسانية، أو كفاءة النظام، أو الاثار الضارة للفساد على القيم الاخلاقية، ولهذا فانه من المفيد أن يتم تطوير تدريجي عن طريق الملاحظة لتقسيم المجالات الرئيسة التي يمارس فيها الفساد في التعليم.
ويمكن مبدئيا تقسيم المجالات الرئيسة في التخطيط والادارة والتنفيذ التي تحتوي على فرص لممارسة الفساد في التعليم على النحو الاتي:
1- بناء وصيانة المدارس: حيث يمكن أن تظهر بعض الممارسات الفاسدة من خلال العطاءات العامة، والاختلاس، وتصميم المدارس، والتلاعب بالمواصفات أثناء التنفيذ، والرشاوى، مما يؤدي الى هدر في الموارد المالية المتاحة والمحدودة اصلا، ودرجة جودة المباني المدرسية.
2- التعيينات: ففي ظل غياب معايير شفافة وموضوعية وعدالة لاختيار القيادات التربوية على مستوى المديريات والوزارة، تطغى الممارسات المبنية على المحسوبية، ومحاباة الاقارب، والرشاوى على هذه التعيينات، الامر الذي ينعكس على كفاءة ونزاهة هذه القيادات، ويقود الى مزيد من الترهل والفساد وضعف الانتاجية والجودة.
3- سلوكيات بعض المعلمين، والتي تتضمن التمييز بين الطلبة، والتهرب من اعطاء الحصص، او اعطائها بشكل صوري، وغير مقنع، والرشاوى في حالات امتحان الثانوية العامة وغيرها، والدروس الخصوصية، الامر الذي سينعكس على كفاءة العملية التعليمية التعلمية، وجودتها، والعدالة، والاخلاقيات المهنية والعامة.
4- نظام اللوازم والتجهيزات والكتب المدرسية، وما يسودها من ممارسات فاسدة من خلال العطاءات، والاختلاس، وتجاوز المعايير، والاتلاف السنوي الذي يتم لأجهزة ومستلزمات وأثاث صالح او يحتاج الى صيانة خفيفة، وما يرافق كل ذلك من مزادات يتم من خلالها بيع هذه المستلزمات بأسعار بخسة، ومن خلال رقابة واجراءات شكلية.
5- الامتحانات والشهادات، حيث حدثت في السنوات الاخيرة عمليات تسريب وبيع للاسئلة، بالإضافة الى محاباة الاقارب من خلال المراقبة، والرشاوى، وشبكات الاتجار بكل ما يتعلق بالامتحانات وخاصة الثانوية العامة، والتزوير العلمي، الامر الذي ادى ويؤدي الى انهيار مصداقية هذه الامتحانات، وعدم عدالتها، وافساد منظومة الاخلاق العامة. ويبدو أن اجراءات الوزارة هذه العام شكلت خطوة هامة على طريق اعادة الهيبة والاعتبار، ومفهوم تكافؤ الفرص، من خلال اجراءات ضبط امتحان التوجيهي الداخلية والخارجية.
6- ومن مظاهر ما يمكن اعتباره فساد وافساد تغير السياسات مع تغير الوزراء، لمجرد أن كل وزير جديد يريد أن يترك بصمته الخاصة، حتى دون تقييم علمي لما قرره الوزير السابق. مما أدى الى تضارب السياسات، وعدم وضوح الخطط والاستراتيجيات، وبقاء معظمها حبرا على ورق.
7- ومن جوانب الفساد ايضا في اطار التخطيط لمسيرة التعليم، ارجاء او تأجيل تنفيذ الاولويات المقررة في الخطط، والتوجه نحو المشروعات الاصلاحية الجزئية، أو ذات الاهمية الثانوية، بسبب ما يتاح للأخيرة من منح او معونات أجنبية تتيح للوزراء والعاملين في هذه المشروعات الصغيرة مكافآت ومخصصات مالية، وقد يترتب على ذلك خلل في الاولويات المخططة، وتضخم في المشكلات الملحة، وافساد لمسيرة الاصلاح المنشود.
وفي الختام وعلى الرغم من كل الملاحظات الواردة، فإننا نلمس أن هناك حراك اصلاحي جاد يقوده وزير أثبت في جميع المواقع التي شغلها قدرته على تلمس مواطن الخلل، والحديث عنها بصراحة وشفافية، وهي مقدمة ضرورية لإشراك الراي العام الاردني وتنويره بأهمية دوره في عملية الاصلاح لنظامنا التربوي، والذي يشكل العمود الفقري لبرامج الاصلاح الوطنية في كافة المجالات. ونأمل أن يمثل مؤتمر التطوير التربوي الذي يجري الاعداد له، منطلقا لخطة اصلاح وطني تربوي شاملة لكل العناصر التي تمس العملية التعليمية التعلمية، مع كل ما يتطلبه ذلك من مأسسة لهذا الاصلاح تنطلق من الوزارة الى الميدان، ومن الميدان الى الوزارة، لضمان حسن التطبيق والمتابعة والتقييم والمسائلة.
*مشرف تربوي/ مديرية تربية ذيبان
وبالرغم من أنه يبدو من الصعب تقييم حجم الفساد في القطاعات المختلفة بطريقة دقيقة، فانه يمكن افتراض كونها ظاهرة ليست بالهامشية، فالتعليم على سبيل المثال يتأثر بهذه الظاهرة بثلاث طرق:
1- يتأثر التعليم من ناحية عن طريق الضغط الذي يمارسه الفساد على الموارد العامة، وبالتالي على ميزانية التعليم التي تمثل في أغلب الدول ومنها الاردن أكبر أو ثاني أكبر جزء من الانفاق العام.
2- من ناحية أخرى يؤثر الفساد على التعليم عن طريق تأثيره على تكلفة الخدمات التعليمية وحجمها وجودتها.
3- من ناحية ثالثة يكون أثر الفساد في التعليم على وجدان وثقافة المعلمين والطلبة والاسر طويل المدى، وينعكس على أداء الافراد والخريجين سلبا طوال حياتهم المهنية.
ومن الملاحظ أنه على الرغم من تعدد أوجه الفساد الموجودة في قطاع التعليم، الا ان الاجراءات المتخذة حتى الان تبدو شكلية وسطحية، على الرغم من أنه يجب اعتبار التصدي للفساد الاداري والمالي في هذا القطاع أولوية وطنية قصوى؛ لأنها لا تؤثر فقط على حجم الخدمات التعليمية وجودتها وكفاءتها، وبالتالي مخرجاتها، ولكنها تؤثر ايضا على العدالة في التعليم، وثقة المواطن في منظومة التعليم.
وفي هذا الصدد لا بد من تطوير طرق مبتكرة لبناء نظم مؤثرة ومسؤولة وشفافة، قادرة على تقديم الخدمات التعليمية بطريقة تتميز بالكفاءة والعدالة. ويمكن لجميع مجالات التخطيط والادارة أن تتأثر بظاهرة الفساد، وبالتحديد نظم المعلومات، والابنية المدرسية، والتوظيف، والترفيعات، وتوريد التجهيزات والكتب المدرسية وتوزيعها، والعطاءات المختلفة، والامتحانات.
ولكن فرص ممارسة الفساد في هذه المجالات ليست متساوية، ولا تتضمن نفس الاشخاص، ولا تحدث بنفس درجة التكرار، وتأثيرها العام على عمل النظام التعليمي بنفس القوة، سواء كان هذا التأثير متعلق بالتكاليف المادية أو الانسانية، أو كفاءة النظام، أو الاثار الضارة للفساد على القيم الاخلاقية، ولهذا فانه من المفيد أن يتم تطوير تدريجي عن طريق الملاحظة لتقسيم المجالات الرئيسة التي يمارس فيها الفساد في التعليم.
ويمكن مبدئيا تقسيم المجالات الرئيسة في التخطيط والادارة والتنفيذ التي تحتوي على فرص لممارسة الفساد في التعليم على النحو الاتي:
1- بناء وصيانة المدارس: حيث يمكن أن تظهر بعض الممارسات الفاسدة من خلال العطاءات العامة، والاختلاس، وتصميم المدارس، والتلاعب بالمواصفات أثناء التنفيذ، والرشاوى، مما يؤدي الى هدر في الموارد المالية المتاحة والمحدودة اصلا، ودرجة جودة المباني المدرسية.
2- التعيينات: ففي ظل غياب معايير شفافة وموضوعية وعدالة لاختيار القيادات التربوية على مستوى المديريات والوزارة، تطغى الممارسات المبنية على المحسوبية، ومحاباة الاقارب، والرشاوى على هذه التعيينات، الامر الذي ينعكس على كفاءة ونزاهة هذه القيادات، ويقود الى مزيد من الترهل والفساد وضعف الانتاجية والجودة.
3- سلوكيات بعض المعلمين، والتي تتضمن التمييز بين الطلبة، والتهرب من اعطاء الحصص، او اعطائها بشكل صوري، وغير مقنع، والرشاوى في حالات امتحان الثانوية العامة وغيرها، والدروس الخصوصية، الامر الذي سينعكس على كفاءة العملية التعليمية التعلمية، وجودتها، والعدالة، والاخلاقيات المهنية والعامة.
4- نظام اللوازم والتجهيزات والكتب المدرسية، وما يسودها من ممارسات فاسدة من خلال العطاءات، والاختلاس، وتجاوز المعايير، والاتلاف السنوي الذي يتم لأجهزة ومستلزمات وأثاث صالح او يحتاج الى صيانة خفيفة، وما يرافق كل ذلك من مزادات يتم من خلالها بيع هذه المستلزمات بأسعار بخسة، ومن خلال رقابة واجراءات شكلية.
5- الامتحانات والشهادات، حيث حدثت في السنوات الاخيرة عمليات تسريب وبيع للاسئلة، بالإضافة الى محاباة الاقارب من خلال المراقبة، والرشاوى، وشبكات الاتجار بكل ما يتعلق بالامتحانات وخاصة الثانوية العامة، والتزوير العلمي، الامر الذي ادى ويؤدي الى انهيار مصداقية هذه الامتحانات، وعدم عدالتها، وافساد منظومة الاخلاق العامة. ويبدو أن اجراءات الوزارة هذه العام شكلت خطوة هامة على طريق اعادة الهيبة والاعتبار، ومفهوم تكافؤ الفرص، من خلال اجراءات ضبط امتحان التوجيهي الداخلية والخارجية.
6- ومن مظاهر ما يمكن اعتباره فساد وافساد تغير السياسات مع تغير الوزراء، لمجرد أن كل وزير جديد يريد أن يترك بصمته الخاصة، حتى دون تقييم علمي لما قرره الوزير السابق. مما أدى الى تضارب السياسات، وعدم وضوح الخطط والاستراتيجيات، وبقاء معظمها حبرا على ورق.
7- ومن جوانب الفساد ايضا في اطار التخطيط لمسيرة التعليم، ارجاء او تأجيل تنفيذ الاولويات المقررة في الخطط، والتوجه نحو المشروعات الاصلاحية الجزئية، أو ذات الاهمية الثانوية، بسبب ما يتاح للأخيرة من منح او معونات أجنبية تتيح للوزراء والعاملين في هذه المشروعات الصغيرة مكافآت ومخصصات مالية، وقد يترتب على ذلك خلل في الاولويات المخططة، وتضخم في المشكلات الملحة، وافساد لمسيرة الاصلاح المنشود.
وفي الختام وعلى الرغم من كل الملاحظات الواردة، فإننا نلمس أن هناك حراك اصلاحي جاد يقوده وزير أثبت في جميع المواقع التي شغلها قدرته على تلمس مواطن الخلل، والحديث عنها بصراحة وشفافية، وهي مقدمة ضرورية لإشراك الراي العام الاردني وتنويره بأهمية دوره في عملية الاصلاح لنظامنا التربوي، والذي يشكل العمود الفقري لبرامج الاصلاح الوطنية في كافة المجالات. ونأمل أن يمثل مؤتمر التطوير التربوي الذي يجري الاعداد له، منطلقا لخطة اصلاح وطني تربوي شاملة لكل العناصر التي تمس العملية التعليمية التعلمية، مع كل ما يتطلبه ذلك من مأسسة لهذا الاصلاح تنطلق من الوزارة الى الميدان، ومن الميدان الى الوزارة، لضمان حسن التطبيق والمتابعة والتقييم والمسائلة.
*مشرف تربوي/ مديرية تربية ذيبان