jo24_banner
jo24_banner

داعش والأربعين حرامي

داعش والأربعين حرامي
جو 24 : كتب تامر خرمه- مازال هناك من يكاد يجزم بأن الأردن قد نجا من التداعيات التي عصفت بالمنطقة منذ اندلاع الربيع العربي. في الواقع إن غالبيّة المراقبين والساسة اعتبروا المملكة استثناء شاءت الحنكة أو الصدفة أن يتحقّق رغم تعقيدات المعادلة الإقليميّة.

جميل هو هذا التفاؤل الذي يتمنّى كلّ مواطن أن يكون كامل الانسجام والارتباط والانطباق على معطيات وأرض الواقع. تفاؤل مستمرّ أعرب عنه عبد الله النسور، الذي طال أمد ولايته، قبل أقلّ من أربعة وعشرين ساعة. النسور قال دون أن يسمح للشكّ بالتسرّب إلى لكنته: إن الأردن لا يواجه أي أخطار تهدّد اأمنه، رغم ما تشهده حدوده مع العراق وسورية.

تصريحات الرئيس، المراهن على صبر الشارع رغم قرارات وسياسات التجويع، جاءت بالتزامن مع تجديد تنظيم ما يسمّى بالدولة الإسلاميّة في العراق والشام لتهديده الذي يستهدف أمن الأردن واستقراره. وقد يكون - من غرائب الصدف ربّما - أن يتزامن هذا التهديد مع زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول الركن مشعل محمد الزبن لكتيبة حرس الحدود الثالثة الملكية.

قد لا يكون هناك بالفعل ما يستدعي التخوّف الآن من تجاوز الخطر الداعشي للحدود الأردنيّة.. ولكن هلاّ ألقينا نظرة سريعة على بعض معطيات المعادلة الداخليّة !

شخصيّات لفظها الشارع الأردني تتنافس فيما بينها للوصول إلى مواقع صنع القرار. محافظون يخشون التغيير و"ليبراليّون" اقتصرت ليبراليّتهم على جني الثروة، يسعون لتصدّر المشهد السياسي مجدّداً، وقيادة البلد وفق ذات النهج الذي أدّى إلى تفجّر الحراك الاحتجاجي الشعبي قبل ثلاث سنوات.. وعود رسميّة بالإصلاح لم يتحقّق منها ما يستحقّ الذكر، اقتصار محاربة الفساد -الذي تحوّل إلى مؤسّسة- على معالجة قضايا فرديّة لا تشكّل جوهر هذه المعضلة التي تجذّرت في الدولة.. تفاقم مشاكل الفقر والبطالة إلى درجة تنذر بالخطر.. غلاء مستمرّ لأسعار مختلف السلع الأساسيّة.. انسحاب الدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي.. إصرار رسميّ غريب على دفع الأوضاع في مدينة معان إلى أقصى درجات التأزيم.. وأخيرا إعلان ضمني للحرب على حركة الإخوان المسلمين –أكبر أحزاب المعارضة السياسيّة- انسجاماً مع الموقفين الرسميين المصري والسعودي، دون الاكتراث لحقيقة أن بديل الإخوان في دائرة الإسلام السياسي هو التطرّف الدموي.

ترى.. ما هي الاحتمالات المنطقيّة للنتيجة المتوقّعة من هذه المقدّمات ؟ هل يمكن أن تكون هناك أكثر من نتيجة واحدة ؟!

الرهان الرسمي على صبر الشارع وتخوّفاته المتعلّقة بتطوّرات الأوضاع في دول الجوار دفع صنّاع القرار إلى أقصى درجات اللامبالاة تجاه المطالب الشعبيّة المتعلّقة بالإصلاح واجتثاث الفساد، ومازال مسلسل الغلاء يأبى الوصول إلى حلقته الأخيرة، والشعور بالخذلان نتيجة بيع كلّ مقدّرات ومؤسّسات الوطن وتخلّي الدولة عن دورها، يعتمل في صدور الناس.. ومازال الرهان على سعة صدر المواطن يحول دون كبح جماح تغوّل السلطة على خبز الناس.

والآن.. ماذا لو انفجرت غضبة شعبيّة نتيجة التعنّت الرسمي ؟ فالأسباب التي أدّت إلى الحراك الاحتجاجي مازالت قائمة، بل إن الأمور أصبحت أسوأ ممّا كانت عليه بالنسبة لبعض النواحي. هل حقّاً يعتقد صنّاع القرار أنّه من المنطقي ضمان استقرار الأردن دون معالجة الأسباب التي دفعت الناس إلى الاحتجاج والتظاهر ؟

وماذا لو أعلن الشارع غضبته في هذا التوقيت بالذات، هل ستلجأ الدولة إلى المحاكم العسكريّة بحجّة الخطر الداعشي ؟ وهل حقّاً ستنجح هذه المقاربة في نزع فتيل الغضب الشعبي ؟! مع الأسف فإن داعش ستجد لها تربة خصبة للعبث بمستقبلنا نتيجة استشراء الفساد وعدم الاكتراث بمطالب الناس واحتكار السلطة في مربّع تدوير الكراسي وتغيير الوجوه.

في النهاية نتمنّى أن يكون رئيس الوزراء -الذي اقترب رحيله دون أن يقترب رحيل السياسة التي مازال يترجمها- محقّاً وواقعيّاً في تفاؤله وتقديره لوزن الخطر القادم من وراء الحدود، ولكن من الصعب الشعور بمثل هذا التفاؤل دون تحصين البيت الداخلي عبر حوار وطني تحترم مخرجاته، وتجاوز سياسة الإقصاء والتهميش، وإجراء إصلاحات سياسيّة واقتصاديّة حقيقيّة تبدأ بمحاسبة الفاسدين واستعادة ما نهب وسلب من مال الوطن.. فالجوع لا يصنع الأمن ولا الأمان !!
تابعو الأردن 24 على google news