إعلامي من قلب الحدث يروي لـ Jo24 مشاهد عايشها أثناء العدوان على غزة
منار حافظ - غزة.. عندما تتنفس العشق مسكا من طيب دماء الشهداء هنا تكمن العزة، بين أبطال قاوموا وأرواح رحلت إلى السماء تحمل على كاهلها كل معاناة أهل الأرض.
غزة.. حين تحبو طفلة مضرجة بدمائها لتحتضن أختها الصغرى وترجوها أن تكون معها من الشهداء الشاهدين، غزة.. حين تبحث أم عن ابنها في مدرسة إيواء لتجد جسده بدون رأس بعد قصف صهيوني همجي عنيد.
غزة حين يحمل شاب والده العجوز ويركض به من أحضان الموت إلى موت اللجوء الجديد في أرذل العمر..
غزة.. عندما تخطفنا اللحظة من أنفسنا إلى مشهد مروع لا نراه في أضخم أفلام الرعب السينمائية، بينما يظل العالم يتفرج صامتا أو مؤيدا للقتل الصهيوني بعد أن أصبح الدم الفلسطيني مباحا وحلال هدره لكل من نسوا أنهم يصنفون على قائمة "البشر".
غزة.. حينما تطوع الأرض نفسها لنا لتتشكل بين أيدينا ثورة تحتضننا في باطنها مقاومة تتدفق حمما وبراكين على سطحها ..وتقتل كل من اغتصب ودمر وفَجَر..
الأرض لنا وباسم الحب تمنحنا حنانها ونمنحها حقها بالدفاع عنها لنعيش العمر كله بين أحضانها بأمان.. الأرض ملكنا بقوة الله وباسم الله بدأنا وعلى بركة الله نمضي قدما حتى التحرير.
غزة يحدثنا عنها من قلب الحدث الإعلامي الميداني في قناة سراج الأقصى صابر أبو الكاس، الذي ورغم شبح الموت المحيط بالأرجاء وانقطاع لنور الكهرباء استمر أكثر من 27 ساعة في الحي الذي يقطنه آثر أن يستمر بنقل الحقيقة، ليكون هذا الحوار بينه وبين موقع Jo24:
1- المشاهد المؤثرة لكم كإعلاميين :
حجم الهجمة الصهيونية الشرسة على قطاع غزة واستهداف البشر والحجر والشجر فرض واقعاً إنسانياً مليئاً بالمشاهد المروعة والمناظر المؤثرة، ففي كل شارع مأساة وفي كل بيت حكاية، لكني سأقتصر هنا على عدد من تلك المشاهد المؤثرة أولها، بينما كنا نتواجد في إحدى مستشفيات القطاع لننقل إعلامياً أعداد الشهداء والجرحى التي تأتي إلى المستشفى، هرعت سيارات الإسعاف إلى المستشفى محملة بعشرات الشهداء والجرحى، بعد أن استهدفت طائرات الاحتلال عدد من منازل المواطنين على رأس ساكنيها.
كنت حينها وعدد من الصحفيين متواجدين في قسم الاستقبال لتوثيق أعداد الشهداء والجرحى وبينما كانت الإصابات تدخل تترا كانت هناك طفلة في الثامنة من عمرها قد أصيبت في مجزرة استهدفت منزلها فأصابت أهلها شهداء وجرحى، وكانت تقف في احد أقسام المستشفى مصابة ترقب عيناها بقلق الحالات التي تدخل إلى القسم من شهداء وإصابات وفجأة أخذت تصرخ بشدة وتحبوا نحو طفلة رضيعة يحملها مسعف بيديه وهي مخضبة بدمائها شهيدة لتكون أختها الأولى التي تدخل الاستقبال شهيدة، لحظات وجاءت حالة أخرى مصابة على حمالة الإسعاف وإذا به والد تلك الطفلة ثم تأتي لحظات الأخرى ليأتوا بأخيها شهيداً أيضاً، فلم تتدارك تلك الطفلة الناجية من تلك المجزرة حجم ما ألم بذويها حتى أصيبت بالذهول حيال ما رأت من مشاهد مروعة بحق ذويها، هذا المشهد ألقى بظلاله على الصحفيين والمسعفين المتواجدين في الموقف إلى أن بكى جلهم تأثراً بهذا المشهد الذي تسبب به العدوان اللاإنساني .
مشهد آخر يرسم ملامح الصمود والكبرياء والعزة، فبعد أن استهدفت المدفعية الصهيونية أحد منازل المواطنين وصل عدد من الشهداء إلى المشفى أنزل المسعفون الشهداء والمصابين أشلاء من سيارتهم ونزل معهم الناجي الوحيدة من هذه المجزرة وملابسه مخضبة بالدماء "دماء أطفاله وأمه وباقي أفراد أسرته الذين حملهم بذراعيه في محاولة منه لإسعافهم لكن قدر الله نافذ، حيث استشهدوا جميعهم" نزل من سيارة الإسعاف وعلى وجهه علامات الصبر والاحتساب والثبات، فأخذ يكبر ويهلل بصوت هز أركان المستشفى مردداً أبنائي فداء لفلسطين وللمقاومة، مضيفاً اللهم لك الحمد يا رب ثم هبط إلى الأرض ساجداً لله على ما منعه وأعطاه.
وفي مشهد ثالث عندما عزمت على القيام بعمل تقرير تلفزيوني حول نزوح العائلات إلى إحدى المدارس بسبب قصف بيوتهم وتشريدهم، استطلعت آراء عدد من هؤلاء المشردين والنازحين فلم أجد سوى عبارات التحدي والصمود والإصرار على البقاء في خطوة تبرهن على حجم المعنويات المرتفعة والصمود في وجه الصهاينة، حتى أن الأطفال استقبلوني بالفرح والتهليل عندما علموا أننا صحفيون جئنا لنجري معهم المقابلات التلفزيونية، وأثناء التصوير وجدت امرأة بلغت من الكبر عتيا تجلس على كرسي متحرك يدفعه ابنها الأكبر طلبت منها توصيفاً لما يمر به قطاع غزة من عدوان، أجابت وعلى قسمات وجهها دلالات الصبر والصمود والتحدي قائلةً "نحمد الله على ما ألم بنا فقد استشهد أبنائي وهدم بيتي ومع ذلك سنبقى صامدين إلى آخر نفس فينا، حتى نفرح بالنصر الكبير بإذن الله.
2 - أهم الصعوبات التي واجهتكم أثناء التحرك للعمل الميداني :
ابرز الصعوبات التي تواجه الإعلامي تكمن في كيفية التحرك نحو الحدث لتغطيته فنحن كإعلاميين مستهدفين في كل لحظة كون الصحفي الفلسطيني يشكل خطراً على سمعة الكيان الصهيوني والذي يكشف بعدسة الكاميرا وبقلم الصحفي هشاشته وحجم المجازر التي يرتكبها بحق المدنيين العزل، الأمر الذي يشوه صورته أمام المجتمع الدولي الذي يأخذ عنه صورة الدولة الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان، وهي أبعد ما تكون عن ذلك. ولسنا ببعيدين عن استهداف طائرات الاحتلال للمقرات الإعلامية والصحفية والتي كان آخرها استهداف مقار شبكة الأقصى الإعلامية التي أعمل بها.
أما عن كيفية التغلب على هذه الصعوبات، فلا مخرج أمامنا سوى المواجهة لنقل الحقيقة كما هي، ونكتفي بلبس الدرع الواقي الخاص بالصحفيين والذي في كثير من الأحيان لا يمنع من استهداف الاحتلال لنا كونه يستخدم الطائرات في ذلك، ومع ذلك فنحن في معية الله وفي أي لحظة يمكن أن نصبح في عداد الشهداء.
3 - الروح المعنوية للشارع الغزي:
هذه الروح المعنوية يعرفها الصغير قبل الكبير فهي تناطح عنان السماء بفضل الله والتحدي والصمود هو سيد الموقف هنا، وما يساعد على ذلك هو إيماننا بقضيتنا العادلة وبقدرة مقاومتنا الباسلة على تحقيق الردع والانتقام لدماء الشهداء فما يلبث شعبنا سويعات بعد ارتكاب العدو لأي حماقة او مجزرة حتى تفاجئنا المقاومة بعملية نوعية وانجاز عسكري يشفي صدور الغزيين ومن بعدهم العرب أجمعين.
4 - الروح المعنوية للصهاينة:
اقل ما يمكن وصفها بأنها في الحضيض، فإبداعات المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام في إدارة المعركة إعلامياً وتكنولوجياً وعسكرياً استطاعت بفضل الله إحباط الروح المعنوية للجنود الصهاينة، فعلى سبيل المثال في اللحظات التي تعلن فيها كتائب القسام عن عملية نوعية في صفوف العدو يسارع الاحتلال لتكذيبها وإنكارها حرصاً منهم على عدم إحباط الروح المعنوية لدى جنودهم، وما يلبث القسام سوى سويعات قليلة حتى يخرج بالعملية التي يكذبها الاحتلال مصورة بالفيديو ويبثها على الفضائيات، مما يسبب صدمة وانهياراً نفسياً ومعنوياً لدى الاحتلال يتبعه انعدام الثقة في القيادة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني. حتى أن الرقابة العسكرية الصهيونية فشلت في إخفاء حجم الخسائر الكبيرة التي تكبدها العدو.