متطلبات ومواصفات رئاسة الحكومة اليوم لا تنطبق على الطامحين ..والتوريث في المُلك فقط
كتب محرر الشؤون المحلية - استعرت في الاونة الاخيرة حمى المنافسة بين رجالات الحكم على خلافة عبدالله النسور وربما خلافة فايز الطراونة ايضا، وذلك بعد ان اظهر النسور حالة من عدم الاتزان في تصريحاته ومواقفه، الامر الذي يشي بان الرئيس متوتر ويخشى مغادرة سدة الرئاسة.
اللقاء "السري" الذي جمعه باعضاء اللجنة الاقتصادية والاستثمارية في مجلس النواب والذي طلب فيه "فزعتهم" لتأييد قرار رفع الدعم عن الطحين والاعلاف كان مؤشرا واضحا على قلقه الشديد، وهو بذلك يمضي في تنفيذ الاجندة التي وضعت له منذ تكليفه بالمنصب الحكومي، ليقدم ورقة اعتماد جديدة تضمن بقاءه لمدة اطول في الدوار الرابع..
المهم ان "الأكلة" يتداعون اليوم على "قصعة" الحكومة، ويجتهدون بكل الوسائل لتصدر المشهد والعودة الى الاضواء، وذلك يصاحبه سعار مؤامراتي هائل بين الطامحين جميعا، فكلٌ يريد ان يسقط ورقة الاخر ويكشف عيوبه واخطاءه وزلاته. اجواء ومخاضات اعتدنا على وجودها كلما تصاعدت حدة التوقعات بقرب التغيير الحكومي.
مواصفات الرئيس القادم
بعض البسطاء من رؤساء الوزراء السابقين يظنون ان فرصهم كبيرة، وان العودة متعلقة فقط بخيار وقرار (..) بعيدا عن اي اعتبارات او قراءات او اشتراطات لها علاقة مباشرة بالظروف الذاتية والموضوعية التي نعيش وما تشهده المنطقة من ازمات وحروب وفوضى وفتن.
الرئيس القادم لن يكون تقليديا كما يظن البعض. المواصفات الشخصية للرئيس تغيرت تماما، وما عادت تخضع لذات الاعتبارات السابقة. وحتى تستقر الامور ويهدأ الناس، لا بد من اختيار شخصيات توافقية اجماعية لها مؤهلات خاصة قادرة على الاضطلاع بمتطلبات هذه المرحلة الصعبة، وإلا عدنا الى مرحلة الاحتجاجات التي ستتسبب باشكالات كثيرة لا حاجة لنا بها. هذه حقيقة يفهمها صانع القرار جيدا ولا بد ان تكون في حسبانه عندما يقرر التغيير ويستبدل الرئيس برئيس جديد.
لقد تم تكليف بعض الرؤساء في سنوات سابقة وهؤلاء لم ينجحوا ابدا في اسكات الاحتجاجات، وظل الناس يرفضون وجودهم حتى يتقرر تغييرهم ولو حصلوا على ثقة نيابية هائلة (١١١ صوتا) لم تنجح في ابقائهم في منصبهم اكثر من اربعين يوما فقط.
سمير الرفاعي ومعروف البخيت وفايز الطراونة ثلاثة امثلة حية على تغيّر عوامل الحسم وتغير متطلبات ومواصفات شخصية الرؤساء الذين سيجري اختيارهم في المراحل القادمة.
طغيان رأس المال لن يعود
الناس سيرفضون حتما عودة اصحاب "البزنس" الشركات والبنوك والتعهدات والتأمينات لمواقع صنع القرار، وذلك لانهم اختبروا هؤلاء وجربوا كيف انهم يطوعون القوانين ويغيرونها لخدمة مصالحهم وشركاتهم وبنوكهم واستثماراتهم، كما انهم لن يقبلوا اولئك الذين وظفوا في شركات كبرى قابضة وتورطوا في تجاوزات ضخمة وقضايا فساد كبيرة وأوقعوا خسائر هائلة دفع ثمنها الابرياء والغلابى.
الاردنيون يعرفون ان الامارة والتجارة ضدان لا يلتقيان ابدا، وعلى صانع القرار ان يتنبه لخطورة الامر، خاصة ان افساد جهاز الادارة العامة كان ممنهجا، ووقع بسبب التداخل الذي حدث بين القطاعات.
لا يجوز ان يعود للسلطة رؤساء يتهربون من دفع الضرائب، رؤساء اشتروا مرافق خدمية حكومية هامة، كشركات كهرباء واتصالات ومعادن وغيرها استفادوا من سلطتهم ونفوذهم لتحقيق ارباح فاحشة، رؤساء اقروا قوانين مؤقتة بالجملة لخدمة مصالحهم واستثماراتهم، مسؤولون قبلوا عطايا وبيوت واموال بمئات الملايين وما زالوا يطمحون بمزيد من المكاسب والعطايا. لا نريد رؤساء وصلوا لانهم اباءهم واجدادهم شغلوا هذه المناصب ويريدون استكمال حلقة الربض على صدور الناس جيلا بعد جيل، التوريث في الملك فقط ولا نقبله باي موقع اخر...
لا يريد الأردنيون بأي شكل من الأشكال عودة رؤساء ووزراء قدموا إليهم من القطاع الخاص كالبنوك والجامعات الخاصة وكبرى الشركات الاقتصادية، خاصة أولئك الذين يعودون بعد انتهاء مدتهم الى ذات البنوك والشركات والمؤسسات وهم لا يملكون قرشا واحدا فيها، هؤلاء بالضرورة هم الاكثر اخلاصا لهذه القطاعات ومصالحها ومكتسباتها والدول التي تمثلها.
نعلم ويعلم صاحب القرار جيدا ان الأردنيين يرفضون تماما عودة مسؤولين تكسبوا قوتهم ونفوذهم من شبكة علاقاتهم مع حكومات وأجهزة خارجية، كما انهم يرفضون عودة مسؤولين تورطوا ببيع أراضي الدولة ومؤسساتنا الوطنية.
اثر عامل الشخصية
صحيح ان اي رئيس جديد اليوم سيكون بالنسبة للناس افضل بمئة مرة من الرئيس الحالي عبدالله النسور ولكن هذا الامر لا يكفي ابدا ، فهناك متطلبات لا بد من توفرها قبل ان نخرج من حفرة لنقع ببئر سحيق .
قرار التغيير لا بد ان يتخذ بهدوء وروية، ويجب ان لا يستخف احد بمواقف الناس وردود فعلهم، الاردن اليوم يحتاج لشخصية كارزمية قادرة على احتواء الناس وانهاء حالة اليأس والاحباط لدى الغالبية العظمى من المواطنين خارج اجزاء من العاصمة ومراكز المدن الكبرى. لا يجوز ان يستمر اهمال الشباب على هذا النحو الخطر ويتركوا لقمة سائغة للافكار المتطرفة والممارسات الشاذة والخارجة عن القانون.. نحن بحاجة لرئيس يفهم الناس ويستطيع ان يتفاهم معهم ويقدم لهم متطلبات الحياة الكريمة لا اكثر ولا اقل. رئيس لا يتآمر عليهم ويسرق منهم كل شئ ، كل شئ ..