غزة المقاومة . .خاصرة المنطقة
فجأة بدأ العدوان الصهيوني على غزة ، هكذا يبدو الأمر ، ولكن في الحقيقة أن ما يحدث في المنطقة قد هيأ لهذا العدوان ، إعتقاداً من إسرائيل وحلفائها من الدول العربية أن الوقت قد حان لإحراز تقدم في نزع سلاح المقاومة والقضاء على حماس باعتبارها ذراعا للإخوان المسلمين وفرض واقع جديد على الشعب الفلسطيني وقبوله بالرؤية الأمريكية الصهيونية للحل النهائي ، المنطقة بكاملها تعرضت للكثير من المخاضات ودخلت في دوامات سياسية ومعارك دموية فاهتزت أنظمة حُكم دول المنطقة جميعها ، حيث أظهرت ألـ 3 سنوات الماضية مدى هشاشة هذه الأنظمة أمام الديمقراطية الحقيقية إذا أتيحت للشعوب ، ولذلك جاء سلوك أنظمة الحكم تماشياً مع مصالحها وحماية أسباب بقائها وإن كان على حساب دماء شعوبها.
قبل الربيع العربي كانت المنطقة خاضعة للتحالفات الإقليمية والدولية ولكن ليس من منطلق التأثير في القرارات والسياسات الدولية أو الإقليمية وإنما من منطلق البقاء في الحُكم بعيداً عن مصلحة شعوبها ، فالدول العربية جميعها لم تمتلك مشروعها الخاص بها كأقطار أو حتى مشروع عربي جامع ، والمتتبع للأحداث يجد أن الدولة الصهيونية هي مركز المنطقة والجميع يدور في فلكها ، فكل القرارات والسياسات المتعلقة في المنطقة يكون في إعتباراتها إسرائيل وأمن مواطنها .
عندما اجتاح الربيع العربي بعض دول المنطقة وخروج شعوبها سعياً لإستعادة سلطتها المسلوبة وتحقيق العدالة المُغيبة وامتلاك دولها لمشاريع تنهض بها وتخرجها من تبعيتها وعدم الإنصياع للمصالح الصهيونية ، لقد استدركت القوى المؤثرة في المنطقة مدى خطورة هذه الطفرة في حياة الشعوب العربية ورغبتها الكبيرة في الخروج من عباءة التبعية وخوفاً على مصالحها وفي مقدمتها السيطرة على مقدرات المنطقة وخاصة مصادر الطاقة ( النفط والغاز) ، وكان هذا جلياً في فترة حُكم محمد مرسي عندما كان يؤسس لمرحلة متقدمة من سيطرة المصريين على مقدراتهم والنهوض بدولتهم وإخراجها من عباءة الأمن الإسرائيلي أو الابتزاز من دول مؤثرة في المنطقة بعيداً عن المصلحة الوطنية ، وعليه كان التخوف من شعوب الدول التي أسقطت أنظمتها من أن تسلك سلوكاً ديمقراطياً يفضي إلى حُكم أكثر إستقلالاً في القرارات السياسية والسيادية وأكثر عدالةً نحو شعوبها ، والذي سيفضي أيضاً إلى إمتلاك هذه الشعوب لمشاريعها الوطنية التي تنهض بها حتماً وتُخرجها من سيطرة الآخر سواء على شكل تبعية أو إبتزاز.
سلكت الدول المؤثرة في المنطقة وبالتعاون مع الأنظمة التي لا زالت قائمة (أو مع بقايا الدول العميقة في دول الربيع العربي) في تشويه الربيع العربي والتأثير على مساره الثوري السلمي كما حدث في ليبيا وسوريا ومن ثم الانقلاب على أهم مكتسب للربيع العربي بممارسة الشعب لديمقراطية حقيقية غير مزورة في اختيار حاكمها التي ستفضي حتماً لمرحلة جديدة من البناء والاستقلال ، هذا التشويه وهذا الانقلاب أسس لمرحلة جديدة وهي إعادة ترتيب المنطقة وفق ما يضمن أمن اسرائيل وبالتالي كان لا بُد من توظيف الاندفاع الشعبي نحو التحرر بزجّ القوى المتشددة والمتطرفة في مشهد الربيع العربي وتوفير كل الظروف ليكون هو المشهد المُكتسي بالعنف والدم أمام الشعوب لكبح جماحها نحو التحرر وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة وإبقائها تحت تهديد الانقسام الطائفي وجعل أعداء الشعوب هي الشعوب نفسها بعدما كانت اسرائيل هي العدو الأول ، وهذا يتطلب تكوين تحالف من دول المنطقة لها تأثيرها في مسار الشعوب ، ومرتبط بـ إسرائيل كـ دولة لها الحق في الوجود ومحاطة بشعوب يرتبط أمنها بأمن المواطن الإسرائيلي والدولة الإسرائيلية ، فكانت إيران ومشروعها النووي مفتاحاً لتحالف علني بين إسرائيل وبعض الدول العربية لمواجهة هذا العدو المُشترك ، وإخضاع العقلية الشعبية العربية لهذه الرؤية وقبولها بهذا التحالف ، أما الانقلاب في مصر فقد أسس لحالة عداء شديدة تجاه الإخوان المسلمين في المنطقة حيث أظهرت التجارب الديمقراطية لدول الربيع العربي أن الإخوان المسلمين هم بديل الأنظمة الحاكمة ، وأظهرت تجربتهم القصيرة في مصر إمتلاكهم للمشروع الوطني القطري وللمنطقة بعيداً عن الارتباط بمصير اسرائيل أو المصالح الأمريكية.
إن الإعلام الداعم لتشكيل التحالف الإسرائيلي _ العربي قد أظهر أن إسرائيل معتدى عليها وتدافع عن مواطنيها وأن حماس هي المسؤولة عن موت الفلسطينيين في غزة وهي السبب في عدم عيش السكان بسلام على طرفي الحدود وقد حققت هذه الرؤية مبتغاها بأن فصلت غزة وسكانها عن الجسد الفلسطيني كـ قضية وحق تاريخي فلسطيني وأن حماس تعمل خارج هذا الجسد واهدافه بل تعمل لصالح تحالفها أو ارتباطها التنظيمي على اعتبار انها تتبع للتنظيم الإخواني وداعميه وتسعى لتحقيق مكاسب سياسية لا علاقة لها بحياة المواطن الفلسطيني بشكل عام والغزاوي بشكل خاص ولا تريد لهذا الشعب ان يعيش بسلام بل تقوم بزجه في معارك لمصلحة التنظيم الذي تنتمي إليه فيدفع الشعب الغزاوي ثمن مكاسبهم السياسية في المنطقة ، أبناء الضفة الغربية خرجوا في احتجاجات عارمة وصلت حدّ الاضراب العام لمؤازرة المقاومة وأهل غزة في بداية العدوان ولكن كان لأمن السلطة الفلسطينية(عباس) والاعلام الداعم للعدوان بتغييب أي احتجاج إن وجد بعد فترة وجيزة لإظهار غزة منفصلة عن الجسد الفلسطيني بسبب حماس وأنها خارجة عن بيت الطاعة ولا تعمل لمصلحة الغزاويين ولن يتحقق لشعبها العيش الآمن إلا بالعودة إلى السلطة الفلسطينية بقيادة عباس والرضوخ للرؤية الأمريكية الصهيونية للحل النهائي للقضية الفلسطينية.
إن التحالف الإسرائيلي_العربي الذي ظهر خلال العدوان سينجح في مبتغاه إذا وافقت المقاومة وفي مقدمتها حماس بدولة إسرائيل وتحول الصراع بينهما من صراع وجود إلى صراع حدود ، وتخلي الحاضنة الاجتماعية(المواطن الغزاوي) عن حماس ورفاقها ومطالبتهم بإلقاء السلاح وقبولهم بسلام لا يمنحهم الحدّ الأدنى من الكرامة ويُفقدهم حقهم التاريخي بالأرض ، ولا يزيدهم في لقمة العيش غير التي ينالوها الآن.