jo24_banner
jo24_banner

الموضوعية لا تعني التحريض على "المعلّمين"!

موسى الصبيحي
جو 24 :

لست عضواً في نقابة المعلمين، وإنْ كنت أتشرّف بذلك، فهذه النقابة مذ وُلدت وهي تحمل على كاهلها مهمة صعبة في وقت صعب، وقد كنت من المتابعين للنقابة منذ بدايات نشأتها ولا أزال، ويُعجبني الكثير من مواقفها وسياساتها حتى لو اختلفت معها في بعضها، لكنني ضدّ أن يتم التحريض على أكبر نقابة مهنية في البلاد بحجّة موقف أو رأي لا يُعجب هذه الجهة أو تلك، أو هذا الشخص أو ذاك.. وهذا ما فعله – مع الأسف- الكاتب المحترم فهد الفانك عبر عموده اليومي (الرأي 12/8) حيث طالب الحكومة بحلّ نقابة المعلمين بزعمه أن الإضراب الذي تعتزم النقابة تنفيذه مع بدء العام الدراسي يضر بالمصلحة العامة..!!
إضراب النقابة أو أي إجراء تصعيدي تقوم به للمطالبة بحقوق عادلة لمنتسبيها أو بمزيد من الإنصاف، لا يعني أن النقابة أصبحت مُسيّسة لهذا السبب، وأن هذا التسييس يقودها إلى العمل ضد المصلحة الوطنية العامة كما يدّعي الفانك، كما أن تسييس العمل النقابي بمعنى سيطرة اتجاه سياسي وطني معيّن على نقابة ما، ليس تهمة أو جريمة، بل هو أمر طبيعي جداً في كل الدول الديموقراطية، حيث تتنافس الأحزاب السياسية في السيطرة على النقابات المهنية والعمالية، كما تتنافس تماماً للاستحواذ على البرلمانات ومؤسسات المجتمع المدني، لكن يجب على هذه الأحزاب المسيطرة أن تضع نصب عينيها النهوض بالمهنة والمنتسبين لها قبل أي شيء آخر، وقبل تحقيق أي مآرب سياسية، وهذا ما نعتقد أن نقابة المعلّمين تفعله..
لقد تناسى الكاتب المحترم أن وجود نقابة للمعلمين يحقّق مصلحة وطنية عليا، ويخدم الدولة والمواطن ومسيرة التعليم العام في المملكة، وهذا ليس كلاماً إنشائياً نسوقه للدفاع عن النقابة، بل هي نظرة عميقة لمستقبل التعليم لدينا، ولآفاق التطوير والارتقاء بمسيرته، وإذا كانت هناك بعض القنوات شبه المغلقة بين الحكومة والنقابة حالياً، فهي مرحلة عابرة، ومن الطبيعي أن نشهد اختلافاً في وجهات النظر بين النقابات المهنية والحكومة، وعلى كل طرف أن يحترم وجهة نظر الآخر، دون اللجوء إلى الاتهامية أو التجنّي أو التحريض، وأنا ممن يعتقدون بأن دور نقابة المعلّمين لم يتبلور بعد بالصورة التي تطمح إليها النقابة والقائمون عليها، بما يؤدي إلى الارتقاء بالعملية التربوية التعليمية والنهوض برسالة المعلّم، لا سيّما في ظل ما نشهده وشهدناه عبر مسيرة طويلة من تراجع واضح وفاضح في مسيرة التعليم العام، وأعتقد أن مردّ جزء كبير من هذا التراجع إلى عدم وجود تنظيم مهني يعمل على تطوير العملية التعليمية والنهوض بها..!
أنا على ثقة بأن الحكومة الحالية لن تأخذ بنصيحة الفانك، وأن رئيسها ووزير تربيتها سيقفان ضدّ مثل هذا القرار في حال عرضه، لأن هذه النصيحة ضارّة بالمصلحة الوطنية العامة والأخذ بها يمثّل انتكاسة لمسيرة الإصلاح السياسي والديمقراطي في البلاد، ويتنافى مع سياسة الحوار والانفتاح التي تنتهجها مع مختلف شرائح ومؤسسات الوطن، كما أن حلّ النقابة سوف يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وعدم الرضا في الشارع السياسي والتربوي، وسوف يقف أكثر من (150) ألف معلّم في وجه قرار عرفي كهذا، ولن يغامر أي رئيس حكومة في التفكير بقرار من هذا النوع..!

من الغريب أن يدعو كاتب ديمقراطي إلى حلّ نقابة مهنية، ويُدلل على ذلك بفشل التعليم العام، مستشهداً بما صرّح به وزير التربية والتعليم حول فشل (342) مدرسة في إنجاح أي طالب في امتحان الثانوية العامة، وهو استشهاد في غير محلّه، بل هو ما يدعونا إلى الشدّ على أيدي النقابة ودعمها، وكّنا ننتظر من كاتب كالفانك أن يدعو إلى دعم النقابة لا إلى حلّها وأن يقف إلى جانب الديمقراطية والحرية النقابية، وأن يدعو الحكومة إلى التحاور مع النقابة حول مطالبها، وهي مطالب قابلة للحوار، لا سيّما وأن النقابة تقدّمت بهذه المطالب منذ أشهر، ولم يتم التحاور معها بشأنها، وأنا من هذا المنبر أدعو النقابة وبحياد تام إلى الإصرار على فتح حوار مع الحكومة بشأن مطالبها ومراجعة قرارها التصعيدي..!
أمر مؤسف جداً أن يدعو كاتب ديمقراطي في بلادنا إلى حلّ نقابة مهنية، بل أكبر تنظيم نقابي مهني والتحريض عليه.. وهل يعتقد كاتبنا المحترم أن الأوضاع في البلاد تتحمّل قرارا إقصائيا ظالما كهذا..؟!!

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير