مسرح الدمى الاردني..متنفذون يختطفون كعكة الوطن وطامحون تحركهم "قرون الاستشعار"
كتب تامر خرمه -
س: ما هي مؤهّلات فلان وبرنامجه الذي جعله مستحقّاً لمنصبه ؟
ج: (قهقهة ساخرة) وهل كان لعلاّن قبله مؤهلات أو برامج أو رؤية ؟!
هذا السؤال وجوابه يشكّلان اللازمة (الكوبليه) المتكرّر في كلّ مشاهد السينما السياسيّة الأردنيّة، اقطع وأعد التصوير ما شئت، ولكنّك ستجد ذات الجواب المعلّب الجاهز لمطالباتك بالاستناد إلى آليّة جديدة في إفراز النخب السياسيّة وغربلة المناصب الحكوميّة. لن تجد سوى السخريّة من سؤالك عن مؤهلات المسؤول الفلاني، أو الرؤية التي استند إليها في بناء تحالفاته وزجّ "جماعته" في عصبة صنع القرار.
لا تحتاج إلى أيّ برنامج أو مؤهّل للوصول إلى أحد المناصب العليا، كلّ ما تحتاجه هو رأس مال ضخم، وتأهّب قرون الاستشعار لديك لالتقاط الفرصة التي يتيحها لك أي متنفّذ "دسم"، فتنتقل إلى معسكره وتصبح -مؤقّتاً- من جماعته، قبل أن تغيّر تحالفاتك عندما تجد فرصة "أدسم". هل أتقنت فنّ اللعبة.. مبارك أنت الآن مسؤول أردنيّ رفيع!
زمان، كانت الاصطفافات والتحالفات أكثر وضوحاً، فمراكز القوى ارتبطت على الدوام بمجموعة شخصيّات تابعة لها وتدور حولها في السرّاء والضرّاء، داخل السلطة وخارجها، يدخلون إليها معاً، ويخرجون معاً، ولسان حالهم يقول أن الفرد للجميع، والجميع والفرد. نذكر كيف كانت التحالفات المصلحيّة العضويّة خلال تبدّل الأدوار بين مضر بدران وجماعته، وزيد الرفاعي وربعه. المشهد اختلف الآن والصورة باتت أكثر تشوّهاً.
اليوم دخل إلى دائرة اللعبة شخصيّات "البزنس" الذين لا يرون في السلطة سوى أداة لحماية مصالحهم وفتح قنوات استثمار جديدة. مجموعة من الحذقين الماهرين في الانتقال من الدوران حول فلك أحد المتنفّذين إلى التحليق حول فلك آخر، دون الاستناد إلى روابط تحالف حقيقيّة، رأس المال لا ينتمي إلاّ للربح، ومن السهل جدّاً أن ينتقل ولاءه من ظلّ معروف البخيت إلى مربّع سمير الرفاعي، على سبيل المثال لا الحصر.
دخول طامحي "البزنس" إلى لعبة التحالفات جعلت من الصعب الفصل بين معسكر وآخر، أو عصبة وأخرى، فتجد بعض الشخصيّات وقد التفّ حولها عدد من الأتباع التقليديّين وضعفهم من رجالات "البزنس"، وقبل أن يرتدّ إليك طرفك تجد قطاعات الاصطفاف وقد تبدّلت وتداخلت وتغيّرت، بل و"تخربطت"، فتجد ثلّة من المستثمرين الذين تطحلبوا تحت عباءة أحد رموز الحرس القديم، كفيصل الفايز مثلاً، وقد انتقلوا إلى ظلّ شخصيّة ليبراليّة، ثمّ أخرى منافسة، ثم يعودون إلى الدوران حول فايز الطراونة قبل أن "يتعربشون" على مائدة باسم عوض الله، أيضاً على سبيل المثال.
صراع لا يحتكم إلى أيّ عرف، يخوضه أصحاب قرون الاستشعار لتحقيق مكاسبهم وتعزيز استثماراتهم عبر الانتقال من مزرعة أحدهم إلى عزبة آخر، حالة من الشره الانتهازيّ تهيمن على صائدي الفرص، لا ولاء ولا انتماء في هذا الصراع الذي يغرف كلّ ما في "طناجر" المطبخ السياسي، دون الوصول إلى أدنى حالات الشبع.
مشهد لا يختلف على الإطلاق عمّا يدور في مراكز إعادة الإصلاح والتأهيل، حيث المحتجزون الأكثر خبثاّ يضمنون بقاءهم عبر تغيير تبعيّتهم وفقاً لـ "الكورس" الأقوى، ولا يكلّون من الإيقاع بمنافسيهم وتدبير المكائد لهم، والتملّق لـ "الشاويش" الأقدر على تحقيق مصالحهم وتوفير السجائر لهم من جيوب المحتجزين الأقلّ مهارة في لعبة "الدواوين".
في هذه المرحلة الحرجة التي تعصف بالأردن، تجد التنمّر هو عماد المنظومة السياسيّة، تكالب ينهش في لحم الوطن، ولا يعرف صاحباً عند رؤية الفريسة. نترككم أمام هذا المشهد، لنستمع معاً إلى اسطوانة "الحكومات البرلميانيّة" و"الشراكة السياسيّة" و"الديمقراطيّة".. وكاسك يا وطن.