ما الذي أغضب المصري؟
أثار تغييب رئيس مجلس الاعيان الاستاذ طاهر المصري نفسه عن جلسات مجلس الاعيان ولجوؤه إلى اجازة خاصة، الكثير من التكهنات حول موقف طاهر المصري من مجمل ما يحدث ، فالمصري هو من الشخصيات الليبرالية التي ترى أن الاصلاحات السياسية الحقيقية هي ما يضمن خروج الاردن من عنق الزجاجة، وفي لقائه الأخير مع الملك (قبل أن يخرج المصري من البلد في إجازة) صارح الملك قائلا بأن احدا من القوى السياسية لن يقبل بقانون انتخابات من هذا النوع، ما دفع الى احتدام النقاش ...
كلام طاهر المصري للملك كان ضروريا لأن هناك الكثير من الشخصيات التي تحيط بالملك تعمل على تضليله واختطافه بعيدا عن نبض الشارع، وما سمعه الملك من المصري يكاد يكون الأكثر وضوحا في نقل ارهاصات الشارع، ومع ذلك انحاز الملك لموقف فايز الطراونة وانتهى اللقاء على هذا النحو.
المصري هو الاصلاحي الوحيد بين رؤساء السلطات الأخرى في حين أن البقية هم محافظون ويعادون الاصلاح، وأكثر من ذلك فإن ايمان المصري بالإصلاح، الذي يمكّن الشعب الاردني، ثابت ومستند ليس فقط على تفضيل ايديولوجي، وانما على خبرة في السياسة الاردنية ومعرفة بمستلزمات البقاء والاستقرار.
وللتأكيد على ذلك يروي الدكتور عبداللطيف عربيات في مقابلة أجرتها الزميلة الغد معه ونشرت يوم الثلاثاء ما يفيد بأن فن القيادة هو المطلوب هذه الأيام، ففي عام ١٩٨٩ كان الاردن يعيش أزمة خانقة ولم يكن في البنك المركزي احتياطي من العملات الصعبة، وقد واجه الملك حسين الأمر بشجاعة عندما أعلن عن انتخابات جرت دون تدخلات وبقانون افضل ما أفضى إلى مجلس نيابي رائع بكل المقاييس أسس لمرحلة سياسية مهمة.
المصري يؤمن بهذا النهج وهو ما دفعه لأن يقبل بأن يكون نائبا لرئيس الاجندة الوطنية مروان المعشر، بالرغم من فارق السن في الخبرة والمعرفة والتقدير السياسي، فالمصري كان يرى ان وجود خارطة طريق للاصلاح هو الضامن الوحيد للخروج من أية أزمة قادمة. وعندما ترأس السيد المصري لجنة الحوار الوطني كان من انصار التيار الاصلاحي باللجنة التي تمكنت بفضل سياسته ووجود انصار للفكر الاصلاحي، من التغلّب على المحافظين والمحسوبين على الاجهزة، وقدمت مخرجات من شأن تبنيها أن يسهم بشكل فعال في تطمين الشارع وتنفيس الاحتقانات الحالية.
المصري يشعر بأنه خدع، فالضمانة الملكية لمخرجات اللجنة ضرب بها عرض الحائط تحت وطأة المحافظين والمعادين للاصلاح، وأكثر من ذلك هناك من شكك بأن الاردن الرسمي كان يشتري وقتا وان كل الضمانات كانت غير جدية، إذ لم يحاول الملك رمي ثقله خلف مخرجات اللجنة التي وضعت على الرف.
وبهذا المعنى يشعر طاهر المصري بأنه تعرض لخديعة كبرى، ونذكر أنه قال بأن مجلس الاعيان سيأخذ الوقت الكامل لبحث قانون الانتخابات، ليتفاجأ الرجل بأن الاعيان سلقوا الموضوع سلقا بناء على توجيهات من فوق رأس المصري، ما دفع الرجل الى الشعور بخيبة الامل من توظيف نفس التكتيك من قبل المتنفذين.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سرّب خصوم المصري اشاعات تفيد بعدم رضا المرجعيات العليا عن أدائه وتصريحاته الخاصة بشكل لم يقلق المصري بل زاد من حدة تمسكه بموقفه الى حد ما .
هذا ما أغضب المصري.. لكن ومع ذلك لم يكن المصري شفافا في تفسير سلوكه الاخير واجازته الخاصة في وقت يبحث فيه مجلس الاعيان التعديلات على قانون الانتخاب. كنا ننتظر من رجل بوزن وثقة المصري أن يصارح الناس، فقبله فعلها رجل بقامة كبيرة وهو أحمد عبيدات الذي ثبت أنه رجل دولة من طراز نادر.
ويفيد مقربون من المصري بأنه غير راض عن أداء مجلس الاعيان والنواب، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الفساد التي طويت بشكل استفز الأردنيين، وهو أيضا غير راض عن الانحدار في سمعة السلطة التشريعية بعد أن تسيّد الحذاء الموقف وتم استهداف الاصلاحيين على غرار ما جرى مع جميل النمري وبسام حدادين، فالرجل الذي كان نائبا وعينا ورئيسا لمجلس النواب في السابق لا يخفي شعوره بالحزن والأسى على تردي مكانة مجلس النواب التي وصلت إلى أدنى مستوياتها.
وأخير نقول أن مواقف طاهر المصري كانت ايجابية وهو من القلائل جدا الذين يعملون بصمت ويقدمون المصلحة الوطنية على اي شئ اخر ، ولذلك كنا نأمل أن يبقى ويمارس الضغط حتى اللحظة الأخيرة انقاذا للموقف، لكن المطلوب منه الان أن يعلن رأيه في قانون الانتخاب وفي الاستدارة عن الاصلاح بصراحة، ويعلن رفضه لهذه التوجهات إن كان هذا هو موقفه الحقيقي.