البروباغاندا الرسميّة الأردنيّة.. إكذب حتّى يمقتك الناس
تامر خرمه- الدعاية ليست مجرّد فن.. بل هي سحر تجعل من يتقنه قادراً على صنع المعجزات بهزّة عصا، أو جرّة قلم، أو رقصة تصريح.. تعدّدت الأدوات والسحر واحد..
ساحر البروباغاندا يستطيع إقناع الناس بفعل كلّ ما يشتهيه على حساب مصالحهم وحاجاتهم، بل وبالذهاب طوعاً إلى حتفهم. إنّه ذلك النوع من السحر الذي يفوق كلّ وسائل وأساليب الشعوذة براعة ودهاءً.
من أشهر دهاقنة هذا السحر الأسود جوزيف جوبلز، وزير الدعاية الألماني في حقبة النازيّة. جوبلز الذي لا يملك أحد التفوّق على مهاراته في توظيف الإعلام، مكّن النازيّة من تحقيق ما كان مستحيلاً، وأقنع الألمان بالانتحار في حرب عالميّة اجتاحت القارّة العجوز، وقتلت الملايين.
بعض تلاميذ "الجوبلزيّة" فشلوا في اجتياز مساق "السحر والإعلام"، منهم عرّابوا الدعاية السياسيّة في الأردن الذين يرفضون حتّى اليوم تعلّم أساليب الدعاية الناجحة، ووسائل إقناع الرأي العام بتوجّهاتهم ورغباتهم، فتراهم يردّدون ذات الوعود والشعارات، التي مازالوا يحاولون تمرير سياساتهم عبر بثّها وترديدها، ويجترّون ذات المبرّرات التي أفضت إلى الفشل من أجل حصد فشل جديد، وكأن مقولة جوبلز جاءت من قبيل "إكذب حتّى يمقتك الناس"..
من نوبات اجترار أساليب الدعاية الفاشلة ما يحاول أن يسوقه البعض هذه الأيّام لتبرير رفع فاتورة الطاقة على المواطن، بذريعة تخفيف الأعباء التي ترزح خزينة الدولة تحت وطأتها.. طيّب ألم يكن "تحسين" الوضع المعيشي وإزالة التشوّهات الاقتصاديّة هو مبرّر الرسميّين لرفع الأسعار في أكثر من محطّة ؟! ماذا كانت النتيجة ؟؟
في البداية كانت الخصخصة ومعاهدة وادي عربة، تزيّنهما وعود بالمنّ والسلوى في قادمات الأيّام، وذاب الثلج عن واقع يسابق الريح في المضي إلى أعلى معدّلات الفقر والبطالة، ثمّ جاءت موجات متتالية من الرفع والتجويع، ما الذي تغيّر ؟ المزيد من العجز وتحليق المديونيّة إلى منتهى الأرقام الفلكيّة.. ويستمرّ مسلسل الرفع-ازدياد الدين-الرفع مجدّداً- المزيد من الدين- كمعادلة الدائرة المغلقة، التي أطبقت على "خنّاق" المواطن حتّى ابتلع بلعومه قهراً.
بالأمس القريب برّر البعض توقيع اتفاقيّة الغاز مع العدو الصهيوني بمحاولة تخفيف العبء عن المواطن فيما يتعلّق بفاتورة الطاقة، اليوم يتحدّثون عن "ضرورة" رفع هذه الفاتورة!! وبالأمس القريب أيضاً كان مجلس الأمّة يناقش مشروع قانون قدّمته الحكومة لمنح النوّاب والأعيان تقاعداً أبديّاً، اليوم يتحدّثون عن أعباء الخزينة !!
خصخصة قطاع الطاقة لم يحلّ المشكلة التي استخدمت لتبرير بيع هذا القطاع، ومسلسل الرفع المستمرّ "زاد الطينة بلّة".. العلاقة بين معدّلات الرواتب و"الرفع" تفتقر إلى أدنى درجات العلاقات الطرديّة، فالزيادات لا تتجاوز الخمسين ديناراً في أحسن أحوالها، كلّ هذا في ظلّ ازدياد البذخ والإنفاق الحكومي.. ومازالت السلطة تستخدم ذات المبرّرات الدعائيّة لجلد المواطن بأسواط الغلاء، وتكبيد الخزينة المزيد من الأعباء على حدّ سواء.. ما أفشل هذه الدعاية !!
يعتقد البعض أن الأردن "نجا" من موجة الربيع العربي.. حسن.. سنسلّم جدلاً بأن الشعب صبور ولن يثور على الإطلاق.. ولكن ماذا ستكون نتيجة هذا "الذبح" الاقتصادي ؟ ما الذي يمكن للمواطن فعله عندما يعجز عن توفير قوت عياله ؟! هل ستبقى الجريمة -بالنسبة إليه- في دائرة المحرّمات ؟
ارتفاع معدّل الجريمة، وانتشار المخدّرات، واتّساع موجات العنف الاجتماعي تجيب على هذا التساؤل.. ولكن مع الأسف يصرّ المطبخ السياسي على النظر إلى الأمور من زاوية ضيّقة، متجاهلاً الصورة العامّة التي تشي بفوضى يصعب احتواءها.. ترى أين ذهبت دعاية "الأمن والأمان" التي استند إليها الساسة لتبرير سياساتهم ؟ هل لحقت بدعاية "المن والسلوى" التي سبقت مسلسل الخصخصة، أم بغيرها من دعايات "تخفيف الأعباء"، التي تكبّد الخزينة المزيد من المصائب بعد كلّ صفعة رفع للأسعار؟!
قبل أن تصبح الأيديولوجيا النازيّة فكرا إجراميّاً يمقته الناس، كانت تخلب ألباب من حصدوا ويلاتها.. مذياع صدئ "يبعبع" على أحد أعمدة الكهرباء بخطابات هتلريّة رنّانة، كان يجمع حوله مئات آلاف الشبّان الذين يمضون طوعاً إلى الجحيم.. هذا بعض ما حقّقه رفيق درب الدكتاتور أدولف هتلر، ومبتكر مقولة "إكذب حتّى يصدّقك الناس"، لقد استطاع بفنّه الدعائي إقناع شعبه -ذات مرحلة- باعتناق أقبح الأفكار والمعتقدات.
ولكن تخيّل لو أن أحدهم حاول اليوم استخدام شعار النازيّة في تسويق فكرة ما أو قرار سياسي! وحاول إقناع الناس بأن سعادتهم ستتحقّق عبر هذا الشعار -الصليب المعكوف الذي كان في يوم ما ابتكاراً دعائيّاً ناجحاً- بالطبع سيكون الفشل الذريع هو مصير مثل هذا التسويق الأرعن، فأحد أسرار فنّ الدعاية ألاّ تستخدم ذات الوسائل التي فضح الناس غايتها، وأدركوا فداحة الانسياق وراءها.. بصراحة.. لن يكون مستغرباً أن يحاول أحد دهاقنة السياسة الأردنيّة تسويق فكرة ما عبر شعار يمقته الناس، كشعار النازيّة على سبيل المثال.