حدود قدرة الإعلام على التضليل
ياسر الزعاترة
جو 24 : للتذكير فقط، فقد كانت وسائل الإعلام حتى ما قبل عقدين حكرا على الأنظمة، ولم يكن متاحا أمام جمهور كل بلد سوى مشاهدة إعلامه الرسمي، مع منابر محدودة أخرى مثل إذاعة بي سي ومونت كارلو، وحتى الصحف القادمة من الخارج كانت تمنع غالبا إذا انطوت أخبارها على شيء لا يعجب المؤسسة الرسمية، لكن ذلك كله لم يكن يؤدي إلى حالة من الهيام بالأنظمة، بل ربما العكس هو ما كان يحدث، إذ كانت دعايتها غالبا ما تحظى بالسخرية من قطاع عريض من الناس، وكان الموقف منها يزداد سلبية بمرور الوقت وليس العكس.
كمثال؛ حين عقدت الانتخابات في الجزائر مطلع التسعينات، لم يكن المواطن الجزائري يتابع شيئا غير الإعلام الرسمي، ومثل ذلك في عدد كبير من الدول التي شهدت مشاركة قوىً إسلامية في الانتخابات وتحقيقها لنتائج لافتة.
ما نريد قوله هو أنه لو صحّ أن وسائل الإعلام قادرة على تزييف وعي الناس على نحو كبير كما يعتقد كثير من المثقفين، لأصبحت الأنظمة مقدسة، لكن ذلك لم يحدث، والسبب بكل بساطة أن الوعي الجمعي للجماهير في العالم العربي والإسلامي يبقى عصيا على التزوير، هو الذي يختزن نماذج لا تحصى للبطولة والشجاعة والصدق والأمانة من لدن النبي عليه الصلاة والسلام، ومن بعده الراشدين، ومرورا بكل النماذج الحية المتميزة التي قدمتها الأمة على مدى القرون، وليس انتهاءً بعدد من النماذج الحية في النضال والتضحية في التاريخ الحديث.
لم يكن سؤال التأثير الذي تحظى به وسائل الإعلام على وعي الجماهير مطروحا في يوم من الأيام كما طرح في مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية منذ ثورة يناير، والسبب أننا إزاء بلد لا يشاهد مواطنوه غالبا سوى وسائل إعلامه، الأمر الذين ينطبق على المقروء والمسموع، وذلك للعلم هو دأب الدول الكبيرة، ومصر من هذا النوع. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في أنه لم يحدث منذ عرف الإعلام الحديث أن استخدم بهذا القدر من الكذب والابتذال كما استخدم في مصر خلال المرحلة المذكورة.
ولا شك أن الأمر، أعني مدى تأثير ذلك الإعلام على الناس قد خضع لمبالغات كثيرة، حتى قيل إنه زيّف وعيهم بطريقة دراماتيكية، لكن الأمر من وجهة نظرنا لا يبدو كذلك، من دون أن يعني أنه لم يفعل شيئا، إذ أن المسافة بين القول إنه زيّف وعي الناس؛ هكذا بالجملة، وبين القول إنه مارس تأثيرا معتبرا مسافة تبدو كبيرة.
نعلم تمام العلم أن شيطنة الإخوان قد بدأت مباشرة بعد فوزهم بانتخابات مجلس الشعب عام 2012، وربما شيطنة الإسلاميين عموما، لكن نتيجة الانتخابات لم تأت كما اشتهى المشيطنون، إذا حصل الإسلاميون بفصائلهم المختلفة على ثلاثة أرباع مقاعد مجلسي الشعب والشورى، ولو صحّ أن وسائل الإعلام كانت ناجحة بالفعل لما كانت تلك النتيجة، وما كان لمرسي أن يفوز بعد ذلك في انتخابات الرئاسة، ولا تسأل بعد ذلك عن الاستفتاء على الدستور الذي جاء أيضا بعد تراكم عمليات الشيطنة على نحو غير مسبوق، والنتيجة أن 5 جولات انتخابية لا زالت تؤكد أن التأثير لم يكن حاسما على النحو الذي يشير إليه البعض.
وإذا جئنا للمحطات التالية، فإنها لم تؤكد أبدا نجاح عمليات الشيطنة، فلا حشود 30 يونيو كانت رهيبة على النحو الذي تحدث عنه البعض إذا أخذنا في الاعتبار أنه حشد طائفي فلولي أمني حزبي، ولا حشد يوم التفويض كان كذلك، وما فعله الإعلام هو فقط تضخيم الأرقام (عبر مخرج سينمائي) من دون إقناع الناس بها، وكان جزءا من الإعلام الحديث وجزء من الإعلام الخارجي بالمرصاد في فضح لعبة الأرقام.
ثم جاء الاستفتاء على الدستور وما تلاه ومؤخرا تحدث وزير الداخلية المصري، وأحد ألد أعداء الإخوان عن أنه في حال إجراء انتخابات سيفوز الإخوان، الأمر الذي أثار صدمة كثير من إعلاميين ممن كانوا يظنون أن أكاذيبهم اليومية قد غير المزاج الشعبي.
والنتيجة أن كل عمليات الحشد المجنونة لم تسفر عن النتيجة التي أرادها القوم. وإذا كان بالإمكان القول إن مواقع التواصل الاجتماعي كانت ولا زالت تلعب دور الإعلام المضاد لإعلام التضليل، وفي سياق من فضحه، وذلك هو سبب ما تتعرض له من مطاردة الآن، فإن الأهم من ذلك كله هو ذلك المخزون الثقافي والقيمي الذي يبقى عصيا على التضليل في الأعم الأغلب، مع العلم أن تصويت قطاع الناس لا يعبر بالضرورة عن ضميرهم، إذ يحدث أن يفعلوا العكس لاعتبارات مصلحية مختلفة.
نعم، لدى جماهير هذه الأمة من مخزون الوعي والتاريخ والثقافة ما يجعلها عصية على التضليل، لكن ذلك لا يعني كما قلنا نفيا للتأثير السلبي لإعلام الكذب على بعض الناس، وهو ما ينبغي أن يُرَد عليه بكل وسيلة ممكنة، إن كان عبر أدوات مشابهة، أم عبر وسائل التواصل، أم عبر التواصل المباشر مع الناس في كل مكان من قبل المخلصين من أبناء الأمة.
(الدستور)
كمثال؛ حين عقدت الانتخابات في الجزائر مطلع التسعينات، لم يكن المواطن الجزائري يتابع شيئا غير الإعلام الرسمي، ومثل ذلك في عدد كبير من الدول التي شهدت مشاركة قوىً إسلامية في الانتخابات وتحقيقها لنتائج لافتة.
ما نريد قوله هو أنه لو صحّ أن وسائل الإعلام قادرة على تزييف وعي الناس على نحو كبير كما يعتقد كثير من المثقفين، لأصبحت الأنظمة مقدسة، لكن ذلك لم يحدث، والسبب بكل بساطة أن الوعي الجمعي للجماهير في العالم العربي والإسلامي يبقى عصيا على التزوير، هو الذي يختزن نماذج لا تحصى للبطولة والشجاعة والصدق والأمانة من لدن النبي عليه الصلاة والسلام، ومن بعده الراشدين، ومرورا بكل النماذج الحية المتميزة التي قدمتها الأمة على مدى القرون، وليس انتهاءً بعدد من النماذج الحية في النضال والتضحية في التاريخ الحديث.
لم يكن سؤال التأثير الذي تحظى به وسائل الإعلام على وعي الجماهير مطروحا في يوم من الأيام كما طرح في مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية منذ ثورة يناير، والسبب أننا إزاء بلد لا يشاهد مواطنوه غالبا سوى وسائل إعلامه، الأمر الذين ينطبق على المقروء والمسموع، وذلك للعلم هو دأب الدول الكبيرة، ومصر من هذا النوع. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في أنه لم يحدث منذ عرف الإعلام الحديث أن استخدم بهذا القدر من الكذب والابتذال كما استخدم في مصر خلال المرحلة المذكورة.
ولا شك أن الأمر، أعني مدى تأثير ذلك الإعلام على الناس قد خضع لمبالغات كثيرة، حتى قيل إنه زيّف وعيهم بطريقة دراماتيكية، لكن الأمر من وجهة نظرنا لا يبدو كذلك، من دون أن يعني أنه لم يفعل شيئا، إذ أن المسافة بين القول إنه زيّف وعي الناس؛ هكذا بالجملة، وبين القول إنه مارس تأثيرا معتبرا مسافة تبدو كبيرة.
نعلم تمام العلم أن شيطنة الإخوان قد بدأت مباشرة بعد فوزهم بانتخابات مجلس الشعب عام 2012، وربما شيطنة الإسلاميين عموما، لكن نتيجة الانتخابات لم تأت كما اشتهى المشيطنون، إذا حصل الإسلاميون بفصائلهم المختلفة على ثلاثة أرباع مقاعد مجلسي الشعب والشورى، ولو صحّ أن وسائل الإعلام كانت ناجحة بالفعل لما كانت تلك النتيجة، وما كان لمرسي أن يفوز بعد ذلك في انتخابات الرئاسة، ولا تسأل بعد ذلك عن الاستفتاء على الدستور الذي جاء أيضا بعد تراكم عمليات الشيطنة على نحو غير مسبوق، والنتيجة أن 5 جولات انتخابية لا زالت تؤكد أن التأثير لم يكن حاسما على النحو الذي يشير إليه البعض.
وإذا جئنا للمحطات التالية، فإنها لم تؤكد أبدا نجاح عمليات الشيطنة، فلا حشود 30 يونيو كانت رهيبة على النحو الذي تحدث عنه البعض إذا أخذنا في الاعتبار أنه حشد طائفي فلولي أمني حزبي، ولا حشد يوم التفويض كان كذلك، وما فعله الإعلام هو فقط تضخيم الأرقام (عبر مخرج سينمائي) من دون إقناع الناس بها، وكان جزءا من الإعلام الحديث وجزء من الإعلام الخارجي بالمرصاد في فضح لعبة الأرقام.
ثم جاء الاستفتاء على الدستور وما تلاه ومؤخرا تحدث وزير الداخلية المصري، وأحد ألد أعداء الإخوان عن أنه في حال إجراء انتخابات سيفوز الإخوان، الأمر الذي أثار صدمة كثير من إعلاميين ممن كانوا يظنون أن أكاذيبهم اليومية قد غير المزاج الشعبي.
والنتيجة أن كل عمليات الحشد المجنونة لم تسفر عن النتيجة التي أرادها القوم. وإذا كان بالإمكان القول إن مواقع التواصل الاجتماعي كانت ولا زالت تلعب دور الإعلام المضاد لإعلام التضليل، وفي سياق من فضحه، وذلك هو سبب ما تتعرض له من مطاردة الآن، فإن الأهم من ذلك كله هو ذلك المخزون الثقافي والقيمي الذي يبقى عصيا على التضليل في الأعم الأغلب، مع العلم أن تصويت قطاع الناس لا يعبر بالضرورة عن ضميرهم، إذ يحدث أن يفعلوا العكس لاعتبارات مصلحية مختلفة.
نعم، لدى جماهير هذه الأمة من مخزون الوعي والتاريخ والثقافة ما يجعلها عصية على التضليل، لكن ذلك لا يعني كما قلنا نفيا للتأثير السلبي لإعلام الكذب على بعض الناس، وهو ما ينبغي أن يُرَد عليه بكل وسيلة ممكنة، إن كان عبر أدوات مشابهة، أم عبر وسائل التواصل، أم عبر التواصل المباشر مع الناس في كل مكان من قبل المخلصين من أبناء الأمة.
(الدستور)