عُنفُهم الجامعي...؛ منشأهُ تحرّشاتكم الرّسميّة!
ليس هناك بالنسبة لنا كأردنيين أصدق أنباء من السّيف مثل جامعاتنا وشوارعنا، والتي لطالما أشارت ولا زالت تُشير لنا بأنّ هناك تحرّشات (رسميّة) خَطِرة وفتّاكة نحسّها جميعاً ولا نلمسها (غير ماديّه)، وهي على عكس الشّهير المشهور التّحرّش الجنسي (غير الرّسمي) الذي تحسّه (هي) كلّما أقبلت أو أدبرت...، ويشمّه (هو) كلّما (نسنس) من الغربي هبوب.
ولنبتعد عن مظاهر وأعراض الاحتفالات الوطنيّة في الولاء و الانتماء، ولنكن وطنيين في الطّبع لا بالصّنع والتّطبّع؛ علينا أن نغني وندندن وننشد ونتحدّث ولو قليلاً عمّا لا يليق بنا من تحرّشٍ حدث ويحدث الآن عبر التّحرّش الرّسمي في حياتنا كأردنيين و في مسيرة أردننا كوطن.
لقد تركنا عقول أبنائنا وبناتنا مشوّهة، وغير قادرة على التّفكير السّليم أو تحديد ما يريدونه من الحياة بسبب نهبها من قبل نظام تعليمي عقيم، ويعتمد المعلومة الصّماء ليضعها في عقله بعد تخزينها وحفظها في الذاكرة القصيرة المدى من دماغه، ليفرغها في أول ورقة امتحان، وليخرج في نهايتها نظيفاً مغسولاً من كلّ معلومة، فليس هناك رابط منطقيّ بين ما يُدرَّس لهم في المدرسة أو الجامعة، وبين ما يعيشونه في حياتهم الفعليّة، فيغيب بذلك إدراكهم للمعرفة التي هي الغرض الرئيس للتّعلّم والتّعليم، فيأتي هذا الغرض لديهم مقلوباً، فالنّجاح في الامتحان (العلامة) أوّلاً ثمّ المعرفة كتابع عادي بديهي ومنطقي له وليس العكس...، أليس هذا الخلط هو التحرّش العقليّ والإدراكيّ بعينه؟!
أعفينا حواسهم وتركناها لمطربين وممثلين ومنتجين وصانعين أفلامٍ سخيفة ومسلسلات خياليّة وضيعه وأغاني تافهة مُستهلكَه، دون رحمة أو شفقة، ودون أدنى ثقافة أو دراية أوفهم من أصحابها أو القائمين عليها، أو المنتجين لها...، ثمّ الآن نشتكي ممّا آلت إليه حالهم وأحوالهم من تدنٍّ وانحدارٍ في ذائقتهم الفنيّة، وتدهورٍ في مستوياتهم الثّقافيّة والفكريّة...، أليس هذا تحرشّاً بحواسهم السّتة؟!
أشربناهم المياه الملوّثة، وأطعمناهم المأكولات (المهرمنة) المتسرطنة، ولم يتم لغاية الآن محاسبة أو مساءلة المسئولين عن ذلك، وبالتّأكيد هم مما يتعفّفون ويتجنّبون ممارسة الشّرب والأكل المحلي كباقي الأردنيين، فباب الاستيراد والشّحن مفتوح وميسّر بما حصّلوه من لعبهم وتجارتهم واستهتارهم بالوطن، وبما هو رئيسي وضروري لنمو وتشكيل خلايا أبنائنا وبناتنا البدنيّة والعقليّة...، أليس هذا التّلاعب هو تحرّشاً بالصّحة العامة؟!
في الثلاث سنوات الأولى من أعمار بناتنا وأبنائنا؛ فصلنا بينهم في كل شيء، اللعب، الجلوس، الحديث...، بداعي العيب ولنزرع بداخل كلّ واحد منهم خوفاً أبديّاً أدّى بنا إلى ما نراه من نظرة جنسيّة في أدنى تعامل بينهما، ونمّطنا في الأولاد منهم بأنّ التّعرّف أو تكوين الصّداقة مع الجنس الآخر هو بداية النّهاية في الضّياع والانحراف، وزرعنا في البنات ذأبنة وشروريّة الأولاد، ووجوب الابتعاد عنهم تجنّباً للافتراس...، ففهموا وفهمنا من قبلهم؛ أنّ الأولاد ذئاباً مفترسة شرّيرة، والبنات فريسة ضعيفة مستكينة...، أليس هذا تحرّشاً بصحتهم النّفسيّة والعاطفيّة؟!
طلبنا منهم المشاركة في الحياة السّياسيّة والحزبيّة و الديمقراطية، ، وكانوا خيرَ سامعٍ وأمهرَ مُنفّذ، وعندما شاركوا معتمدين على ما قلناه لهم من أساطير حول المظاهرات والوقفات الاحتجاجيّة والإصلاحيّة؛ لم يصحوا إلّا على شهيق وزفير (البلطجيّة)، وهدير حجارتهم وعصيّهم التي خُيّل لهم من قوّتها وسرعتها بأنّها تمشي وتطير وتتزحلق فوق رؤوسهم، وتمّ اتهامهم بالمخرّبين و المفتنين المندسّين...، وبعد أن أغريناهم بالشّفافيّة؛ أخبرناهم وأكّدنا لهم على أنّ التّزوير والغش محرمان حرمة مطلقة وجرمان كبيران لا يغفرهما الله، ومن بعده الوطن، إلّا أنّهم لغاية اللحظة لم يُبشَّروا حتّى ولو مرّة، وقبل لقاء ربّهم الأعلى؛ بانتخابات نزيهة وغير مغشوشة أو مزوّره في أيّ مجال أو قطاع انتخابي (نيابي، بلدي، نادوي، جامعي...)، فتبّاً لتركيبة هذا الجيل الذي نشأ وترعرع على أسوار وساحات عالم عابث بالفطرة و الثوابت، ومتناقض بين ما يُقال وما لا يُقال، وتتناحر فيه الرّوح مع القانون وتختلف...! أليس هذا تحرّشاً بالمنطق؟!
تابَعوا ويتابعون الآن في بثّ حيّ ومباشر تجارب الحكومات المتعاقبة عليهم وعلى أرزاقهم ووظائفهم وأعمالهم، وألزمتهم الخوف على مستقبلهم، والهمّ والكدّ والكفاح في كسب لقمة عيشهم، أو من أجل الحصول على أدنى مراتب الآدميّة...، وفوق ذلك كلّه يشاهدون كيف أنّ ثلّة من المُعدمين الفاسدين وأبنائهم وبناتهم قد أصبحوا رجال أعمالٍ وأصحاب مناصبٍ حسّاسة وثرواتٍ طائلةٍ، ولا يُعرف لغاية كتابة هذا المقال مصادرها أو أصلها، وزد على ذلك؛ اختفاء (طبشة) الميزان – الطّبقة الوسطى – واختفائها أمام ناظرهم وانهيارها فوق جباههم، وليجدوا أنفسهم أمام طبقتين لا ثالث لهما: فوق فوق وتحت تحت...، أليس هذا تحرّشاً بالتركيبة واللُحمة المجتمعيّة؟!
وبدلاً من أن نتفا جئ دونَ مُبرّرٍ نتكئ عليه أو نعزو إليه عنفَ شبابنا...؛ علينا أن نعترف جميعاً بأنّ: (يدانا أوكتا وفونا نَفَخ)، فظلمنا شبابنا ٌقبل أن يظلموننا، وعققناهم قبل أن يعقوننا، فلتبحثوا عن حلٍ للمشكلة لا أن تبحثوا عن مُشكلةٍ للحل...، وللأسف في الأردنّ ذلك هو (ديدَنكم) إذ لم يكن عقيدتكم! (ويا رب تفرجها علينا، وتنجّنا من جُبنِ وبخل وعجز وكسل المسئولين، ومن التّعليم العالي والتّربية والتّعليم عذابهما وشرّهما...)!