كوباني.. اجندات تتصارع ورهانات معقدة!
د. حسن البراري
جو 24 : ظن الكثير من المراقبين للشأن التركي أن أنقرة انسحبت بهدوء من مشروعها المتمثل باسقاط نظام بشار الأسد، بل وأكثر من ذلك نال طيب رجب اردوغان من خصومه في الاقليم الكثير من سهام النقد وكثر الحديث عن العثمانية الجديدة في اشارة إلى أن لأنقرة الاردوغانية مشروع توسعي في الجنوب العربي! وعلى نحو لافت، شكلت شخصية اردوغان وشعبيته في المنطقة العربية مصدر قلق وغيرة من قبل بعض الزعماء العرب وبخاصة الذين سلط الاعلام الغربي الضوء على دورهم في صناعة التطرف في المنطقة.
ما من شك أن الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة وانضوت تحت لوائها عواصم أخرى هي فرصة بقدر ما هي تحدي لكل اطراف الصراع الدائر في سوريا وعلى سوريا. غير أنه يصعب القول أن لقوات التحالف هدف أبعد من احتواء أو الحاق هزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، اما اسقاط النظام السوري فهو هدف لا تجمع عليه الدولة المشكلة للتحالف على المدى القصير لاعتبارات تكتيكية ولان نقول استراتيجية. لهذا يمكن فهم موقف تركيا الذي حيّر المراقبين لما له من أثر في حسم معركة كوباني التي بدأت تتهاوى أمام ضربات ممنهجة لتنظيم الدولة بالرغم من الصمود الاسطوري لقوات الحماية الكردية التي تناصبها تركيا العداء.
صراع الاجندات أو للدقة الاختلاف في الأولويات بين دول رئيسة في التحالف الدولي يدفعنا للاعتقاد أن صراع الاجندات جاء في صالح تنظيم الدولة الاسلامية ونظام بشار الأسد في الوقت الحالي، فهذا واقع قاتم يمكن له أن يجعل من تحقيق الحرب لأهدافها المعلنة أمر صعب المنال، فعلى الارجح ستكون الحرب طويلة الأمد وكلفتها باهظة. فالولايات المتحدة التي تصر على الحاق هزيمة بتنظيم داعش (ولا نقول القضاء على فكر داعش الذي بدأ يتمدد في دول حليفة للولايات المتحدة) لا تبدي أكثر من مواقف لفظية من النظام السوري، فتلكؤ الولايات المتحدة في التدخل في وقت كان متاح امامها بسبب ضعف قيادة أوباما وخوفه من توريط الولايات المتحدة في حرب جديدة اعطى النظام السوري فسحة ومنح حلفاء بشار الاقليميين والدوليين الفرصة لقلب موازين المعركة على ارض الميدان ما اثار حفيظة الاتراك وعدد من الدول العربية التي اتهمت الولايات المتحدة بإدارة ظهرها للمنطقة لصالح ايران والتطرف.
وبالفعل اتهمت السعودية الولايات المتحدة بفك الارتباط عن المنطقة في وقت تقاربت فيه واشنطن مع طهران في سياسة اطلق عليها أوباما التوازن الجديد (New Equilibrium). ولم تقنع سياسة التوازن الجديد حلفاء واشنطن في المنقطة وفي مقدمتهم إسرائيل والسعودية. لذلك اعتبرت الرياض أن موقف واشنطن من نظام الأسد هو الامتحان الحقيقي لقيادة الولايات المتحدة في المنطقة.
تركيا: الفرص والمخاطر
منذ اندلاع الثورة السورية وأنقرة تسعى إلى اقامة وملاذات آمنه في الشمال السوري، وكانت حسابات أنقرة التي طالبت ايضا بمناطق حظر جوي تتمحور حول ضرورة حماية المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية. ووفرت المعركة الطاحنة على مدينة كوباني ذات الغالبية الكردية الفرصة لتركيا لإعادة التأكيد على اقامة منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة، ولا يمكن فهم تلكؤ تركيا أو للدقة سماح تركيا لتنظيم الدولة الاسلامية من اسقاط كوباني إلا في سياق امتلاك تركيا لورقة ضغط على التحالف لتغيير اولوية التدخل الجديد.
فتدخل تركيا مرتبط بشكل وثيق بموافقة الناتو على اقامة منطقة عازلة وفرض حظر جوي في الشمال السوري، فوجود ملاذات آمنة تحت حماية الجيش التركي في العمق السوري ستمنع من مهمة نظام بشار في الحاق هزيمة بالثوار أمرا مستحيلا. فخلال عام تقريبا نجحت قوات نظام بشار في تحقيق انجازات في المناطق المحيطة بحلب وهو ما يجعل تركيا تنظر في فكرة المنطقة العازلة كأفضل وسيلة لحماية نفسها من عدم الاستقرار الناتج عن "انتصارات" نظام بشار. فتركيا التي تستضيف أكثر من مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين تدفع باتجاه اقامة منطقة عازلة لتتمكن من ادارة أزمة اللاجئين أيضا ولتساعدها على منع تدفق المزيد من اللاجئين السوريين تجاه تركيا. كما أن هناك مخاطر كبيرة تترتب على ابقاء اللاجئين في تركيا، فالاستراتيجيون الاتراك يرون أن ابقائهم في تركيا يعني من جملة من يعني احتمال ارتباط بعضهم بشبكات التطرف أو نقل فكر التزمت والتشدد، فإقامة ملاذات امنة يمنح تركيا فرصة اعادة اللاجئين إلى سوريا رويدا رويدا من خلال برنامج مركزي يهدف الى خلق حوافز عودة اللاجئين.
وفي سياق آخر ترى تركيا أن حليفتها واشنطن لا تمتلك استراتيجية تعود بالنفع على حلفائها من المعارضة المعتدلة ولا تضعف من نظام بشار الاسد الذي تعتبره تركيا اساس التطرف في المنطقة، فشن الطيران الأميركي حربا جوية بلا هوادة على تنظيم الدولة الاسلامية قد لا يترجم إلى صافى فائدة ميدانية لصالح المعارضة المعتدلة، فالتصريحات بهذا الشأن الصادرة عن وزير الدفاع تشكل هيغل ورئيس هيئة الاركان المشتركة في الجيش الاميركي الجنرال مارتن ديمبسي وكذلك تصريحات جون كيري بشأن اولويات واشنطن في سوريا تثير حنق وقلق القادة الأتراك الذين يرون بأن ثمة فرصة تلوح في الافق لإعادة رسم مشهد الصراع في سوريا ما يضمن أمن تركيا والقضاء على بشار الاسد.
وهنا نجد اصطفاف تركي خليجي حول أولوية اسقاط نظام بشار الأسد، غير أن المتفحص لهذا الاصطفاف يجد أن تركيا وقطر لهما رأي مختلف عن السعودية والامارات والبحرين فيما يتعلق بسوريا ما بعد الأسد، في حين نجد أن سلطنة عمان تنأى بنفسها حفاظا على علاقاتها الدافئة مع طهران بينما الكويت هي ورقة خليجية للعب دور دبلوماسي بين دول الخليج وايران عندما يكون هناك حاجة لمثل هذا الدور.
أولويات متضاربة والمسألة الكردية
عبثا تحاول ادارة أوباما الظهور بمظهر من يمتلك استراتيجية واضحة للتغيير في سوريا، فرفض ادارة أوباما تزويد المعارضة المعتدلة بالأسلحة الفتاكة عندما كانت في وضع مسيطر ميدانيا منح نظام بشار ومن يقف خلفه في الاقليم وخارجة الوقت الكافي لإحداث توزان كان سببا في اطالة امد الحرب، ولهذا السبب احتج سفير اميركا السابق لدى سوريا روبرت فورد واستقال من منصبه لأن استراتيجية اوباما "القيادة من الخلف" ما هي الا سحابة دخان تخفي خلفها عجز أوباما في صياغة اولويات واضحة في سوريا بالرغم من امكانات العسكرية المتاحة للولايات المتحدة.
وعلى العكس من ذلك هناك اصطفاف خليجي تركي يدعم الاطاحة بنظام بشار الأسد، وهذه الدول متحالفة تكتيكيا للإطاحة بنظام الأسد لكن الولايات المتحدة لا تشاطرها نفس الدرجة من الحماس، وهنا تبرز أنقرة كأشد المتحمسين للتغيير في سوريا ومن المستبعد أن تشن هجوما على داعش لمنع الاخيرة من احكام قبضتها على كوباني إن لم يكن ذلك في سياق استراتيجية الاطاحة ببشار الاسد. فأنقرة لا تريد أن تمد يد العون لجبهة الحماية الكردية التي تقود الصراع الدموي مع داعش لارتباطها الوثيق بحزب العمال الكردستاني الذي يناصب تركيا العداء والذي يطالب بتنازلات من تركيا لصالح الاقلية الكردية في تركيا. فإي انتصار في كوباني لهذا الاتجاه سيعود بالنفع على نظام بشار لأن بشار وهذه القوى الكردية لديها مصالح مشتركة في القضاء على داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة. لكن أيضا فإن أي انتصار لتنظيم الدولة الاسلامية في كوباني سيعني من جملة ما يعني اقتراب تنظيم الدولة من الحدود التركية ولهذا كلف ميدانية إذ يطرح اسئلة مختلفة على الحكومة التركية قد تكون صعبة الاجابة.
وعلينا أن لا نغفل في هذه العجالة حقيقة أن اكراد سوريا متوجسون من اقامة مناطق ملاذ آمنة تحت سيطرة عسكرية تركية، فحزب العمال الكردستاني (الذي يجري عملية سلام مع أنقرة) سيتأثر سلبا، وبالتالي سيعارض الحزب (بالإضافة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي) ترتيبا يفضي إلى اقامة مناطق ملاذ آمنه تحت سيطرة تركية، غير أن سقوط محتمل لكوباني بالإضافة غلى سقوط لكل من عفرين والجزيرة من شأنه أن يدفع الاحزاب الكردية الى القبول بمناطق ملاذ آمنه كخيار أخير وهذا ما تسعى تركيا لتحقيقية.
والخلاصة هي أن معركة كوباني تلخص مشهدا ممتدا منذ امد بعيد لم يتغير فيه إلا المحاولة الاطلسية في التدخل للحد من خطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي لم يعد بالإمكان غض الطرف عما يقوم به من أعمال في سوريا والعراق. والمشكلة الرئيسة هي أن دول التحالف تختلف تكتيكيا حول أولويات العمل في سوريا. وفي كل هذا يتصرف رئيس تركيا رجب طيب اردوغان بعقل بارد يضمن تحقيق مصالح بلاده كما يراها حزبه الحاكم لا كما يريد البعض منا. وفي ذلك لنا درس في الأردن التي ينبغي على صنّاع القرار أن يتصرفوا بشكل يحمي مصالح الأردن التكتيكية منها والاستراتيجية على أن يكون هناك اتفاق أو على الأقل توضحي لهذه المصالح.
ما من شك أن الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة وانضوت تحت لوائها عواصم أخرى هي فرصة بقدر ما هي تحدي لكل اطراف الصراع الدائر في سوريا وعلى سوريا. غير أنه يصعب القول أن لقوات التحالف هدف أبعد من احتواء أو الحاق هزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، اما اسقاط النظام السوري فهو هدف لا تجمع عليه الدولة المشكلة للتحالف على المدى القصير لاعتبارات تكتيكية ولان نقول استراتيجية. لهذا يمكن فهم موقف تركيا الذي حيّر المراقبين لما له من أثر في حسم معركة كوباني التي بدأت تتهاوى أمام ضربات ممنهجة لتنظيم الدولة بالرغم من الصمود الاسطوري لقوات الحماية الكردية التي تناصبها تركيا العداء.
صراع الاجندات أو للدقة الاختلاف في الأولويات بين دول رئيسة في التحالف الدولي يدفعنا للاعتقاد أن صراع الاجندات جاء في صالح تنظيم الدولة الاسلامية ونظام بشار الأسد في الوقت الحالي، فهذا واقع قاتم يمكن له أن يجعل من تحقيق الحرب لأهدافها المعلنة أمر صعب المنال، فعلى الارجح ستكون الحرب طويلة الأمد وكلفتها باهظة. فالولايات المتحدة التي تصر على الحاق هزيمة بتنظيم داعش (ولا نقول القضاء على فكر داعش الذي بدأ يتمدد في دول حليفة للولايات المتحدة) لا تبدي أكثر من مواقف لفظية من النظام السوري، فتلكؤ الولايات المتحدة في التدخل في وقت كان متاح امامها بسبب ضعف قيادة أوباما وخوفه من توريط الولايات المتحدة في حرب جديدة اعطى النظام السوري فسحة ومنح حلفاء بشار الاقليميين والدوليين الفرصة لقلب موازين المعركة على ارض الميدان ما اثار حفيظة الاتراك وعدد من الدول العربية التي اتهمت الولايات المتحدة بإدارة ظهرها للمنطقة لصالح ايران والتطرف.
وبالفعل اتهمت السعودية الولايات المتحدة بفك الارتباط عن المنطقة في وقت تقاربت فيه واشنطن مع طهران في سياسة اطلق عليها أوباما التوازن الجديد (New Equilibrium). ولم تقنع سياسة التوازن الجديد حلفاء واشنطن في المنقطة وفي مقدمتهم إسرائيل والسعودية. لذلك اعتبرت الرياض أن موقف واشنطن من نظام الأسد هو الامتحان الحقيقي لقيادة الولايات المتحدة في المنطقة.
تركيا: الفرص والمخاطر
منذ اندلاع الثورة السورية وأنقرة تسعى إلى اقامة وملاذات آمنه في الشمال السوري، وكانت حسابات أنقرة التي طالبت ايضا بمناطق حظر جوي تتمحور حول ضرورة حماية المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية. ووفرت المعركة الطاحنة على مدينة كوباني ذات الغالبية الكردية الفرصة لتركيا لإعادة التأكيد على اقامة منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة، ولا يمكن فهم تلكؤ تركيا أو للدقة سماح تركيا لتنظيم الدولة الاسلامية من اسقاط كوباني إلا في سياق امتلاك تركيا لورقة ضغط على التحالف لتغيير اولوية التدخل الجديد.
فتدخل تركيا مرتبط بشكل وثيق بموافقة الناتو على اقامة منطقة عازلة وفرض حظر جوي في الشمال السوري، فوجود ملاذات آمنة تحت حماية الجيش التركي في العمق السوري ستمنع من مهمة نظام بشار في الحاق هزيمة بالثوار أمرا مستحيلا. فخلال عام تقريبا نجحت قوات نظام بشار في تحقيق انجازات في المناطق المحيطة بحلب وهو ما يجعل تركيا تنظر في فكرة المنطقة العازلة كأفضل وسيلة لحماية نفسها من عدم الاستقرار الناتج عن "انتصارات" نظام بشار. فتركيا التي تستضيف أكثر من مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين تدفع باتجاه اقامة منطقة عازلة لتتمكن من ادارة أزمة اللاجئين أيضا ولتساعدها على منع تدفق المزيد من اللاجئين السوريين تجاه تركيا. كما أن هناك مخاطر كبيرة تترتب على ابقاء اللاجئين في تركيا، فالاستراتيجيون الاتراك يرون أن ابقائهم في تركيا يعني من جملة من يعني احتمال ارتباط بعضهم بشبكات التطرف أو نقل فكر التزمت والتشدد، فإقامة ملاذات امنة يمنح تركيا فرصة اعادة اللاجئين إلى سوريا رويدا رويدا من خلال برنامج مركزي يهدف الى خلق حوافز عودة اللاجئين.
وفي سياق آخر ترى تركيا أن حليفتها واشنطن لا تمتلك استراتيجية تعود بالنفع على حلفائها من المعارضة المعتدلة ولا تضعف من نظام بشار الاسد الذي تعتبره تركيا اساس التطرف في المنطقة، فشن الطيران الأميركي حربا جوية بلا هوادة على تنظيم الدولة الاسلامية قد لا يترجم إلى صافى فائدة ميدانية لصالح المعارضة المعتدلة، فالتصريحات بهذا الشأن الصادرة عن وزير الدفاع تشكل هيغل ورئيس هيئة الاركان المشتركة في الجيش الاميركي الجنرال مارتن ديمبسي وكذلك تصريحات جون كيري بشأن اولويات واشنطن في سوريا تثير حنق وقلق القادة الأتراك الذين يرون بأن ثمة فرصة تلوح في الافق لإعادة رسم مشهد الصراع في سوريا ما يضمن أمن تركيا والقضاء على بشار الاسد.
وهنا نجد اصطفاف تركي خليجي حول أولوية اسقاط نظام بشار الأسد، غير أن المتفحص لهذا الاصطفاف يجد أن تركيا وقطر لهما رأي مختلف عن السعودية والامارات والبحرين فيما يتعلق بسوريا ما بعد الأسد، في حين نجد أن سلطنة عمان تنأى بنفسها حفاظا على علاقاتها الدافئة مع طهران بينما الكويت هي ورقة خليجية للعب دور دبلوماسي بين دول الخليج وايران عندما يكون هناك حاجة لمثل هذا الدور.
أولويات متضاربة والمسألة الكردية
عبثا تحاول ادارة أوباما الظهور بمظهر من يمتلك استراتيجية واضحة للتغيير في سوريا، فرفض ادارة أوباما تزويد المعارضة المعتدلة بالأسلحة الفتاكة عندما كانت في وضع مسيطر ميدانيا منح نظام بشار ومن يقف خلفه في الاقليم وخارجة الوقت الكافي لإحداث توزان كان سببا في اطالة امد الحرب، ولهذا السبب احتج سفير اميركا السابق لدى سوريا روبرت فورد واستقال من منصبه لأن استراتيجية اوباما "القيادة من الخلف" ما هي الا سحابة دخان تخفي خلفها عجز أوباما في صياغة اولويات واضحة في سوريا بالرغم من امكانات العسكرية المتاحة للولايات المتحدة.
وعلى العكس من ذلك هناك اصطفاف خليجي تركي يدعم الاطاحة بنظام بشار الأسد، وهذه الدول متحالفة تكتيكيا للإطاحة بنظام الأسد لكن الولايات المتحدة لا تشاطرها نفس الدرجة من الحماس، وهنا تبرز أنقرة كأشد المتحمسين للتغيير في سوريا ومن المستبعد أن تشن هجوما على داعش لمنع الاخيرة من احكام قبضتها على كوباني إن لم يكن ذلك في سياق استراتيجية الاطاحة ببشار الاسد. فأنقرة لا تريد أن تمد يد العون لجبهة الحماية الكردية التي تقود الصراع الدموي مع داعش لارتباطها الوثيق بحزب العمال الكردستاني الذي يناصب تركيا العداء والذي يطالب بتنازلات من تركيا لصالح الاقلية الكردية في تركيا. فإي انتصار في كوباني لهذا الاتجاه سيعود بالنفع على نظام بشار لأن بشار وهذه القوى الكردية لديها مصالح مشتركة في القضاء على داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة. لكن أيضا فإن أي انتصار لتنظيم الدولة الاسلامية في كوباني سيعني من جملة ما يعني اقتراب تنظيم الدولة من الحدود التركية ولهذا كلف ميدانية إذ يطرح اسئلة مختلفة على الحكومة التركية قد تكون صعبة الاجابة.
وعلينا أن لا نغفل في هذه العجالة حقيقة أن اكراد سوريا متوجسون من اقامة مناطق ملاذ آمنة تحت سيطرة عسكرية تركية، فحزب العمال الكردستاني (الذي يجري عملية سلام مع أنقرة) سيتأثر سلبا، وبالتالي سيعارض الحزب (بالإضافة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي) ترتيبا يفضي إلى اقامة مناطق ملاذ آمنه تحت سيطرة تركية، غير أن سقوط محتمل لكوباني بالإضافة غلى سقوط لكل من عفرين والجزيرة من شأنه أن يدفع الاحزاب الكردية الى القبول بمناطق ملاذ آمنه كخيار أخير وهذا ما تسعى تركيا لتحقيقية.
والخلاصة هي أن معركة كوباني تلخص مشهدا ممتدا منذ امد بعيد لم يتغير فيه إلا المحاولة الاطلسية في التدخل للحد من خطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي لم يعد بالإمكان غض الطرف عما يقوم به من أعمال في سوريا والعراق. والمشكلة الرئيسة هي أن دول التحالف تختلف تكتيكيا حول أولويات العمل في سوريا. وفي كل هذا يتصرف رئيس تركيا رجب طيب اردوغان بعقل بارد يضمن تحقيق مصالح بلاده كما يراها حزبه الحاكم لا كما يريد البعض منا. وفي ذلك لنا درس في الأردن التي ينبغي على صنّاع القرار أن يتصرفوا بشكل يحمي مصالح الأردن التكتيكية منها والاستراتيجية على أن يكون هناك اتفاق أو على الأقل توضحي لهذه المصالح.