بين يدي هارون الرشيد
قبض علي عندما صرخت وقلت لا.... داهموني في الليالي الظلماء... وساقوني إلى سجون الصحراء.... وحكم علي بالإعدام بدون محكمة وبدون أي إدعاء.... ولكنهم وعدوني أن يحققوا لي أمنية اللقاء... لقاء الخليفة أحكم الخلفاء... ساقوني إلى قصر الحمراء وكنت بقمة الإعياء ... أمام الخليفة أجلسوني القرفصاء...وبعد التحية عليه والثناء ... قال لي: أنتم!! لماذا تشعلون نار داهس والغبراء ؟؟؟ لماذا تفوح منكم رائحة الشواء؟؟؟علمت عندها أن مولاي لا يعلم حقيقة ما يدور في الأرجاء... وحقيقة الشواء الذي يفوح بالأجواء... قلت يا مولاي كل الناس تشكو في هذه البلاد الجرداء...يا مولاي كل الشعب تائه وفقير ومن تشري الفساد مستاء... وأعمال رجال السلطة "كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء" فطأطأ الخليفة برأسه وشحب وجهه وبدا عليه الإستياء.. قال خبرني عن بلادي وعن أحوال الرعية وعن الفقراء...قلت يا مولاي إن الشعب كلهم فقراء.... والأموال فقط للقلة الأقلاء .... فالمناصب والجاه والعز خلقت للأغنياء... أين أنت يا مولاي عن نصرة الفقراء؟؟؟ وسكتت عن الكلام وعم الصمت بكل الأرجاء.... أومأ لي لأكمل وأنا لبيب يفهم من الإيماء... فاستطردت قائلا: يا مولاي بلادنا تغزوها الصحراء... ومزارعنا أمست جرداء... وأشح الشحيح في بلادنا الماء... فاليل بعد رفع أسعار الكهرباء أمسى كستارة سوداء.... وفي النهار تعب ومشقة وعناء ... فلقد تعسر على بني جلدتنا لقمة الغذاء... فالقصور الفارهة للبرامكة البخلاء ... فمن كانوا رعاع تطاولوا بالبناء ... والمفسدة والعربدة والبغاء... لها سوق يغزوه الغرباء...ويروج له الدخلاء.... وتقع ضحيته النساء..... ففي بلدي ليست كل النساء نساء... فليلى ونورا وهيفاء ليست كخديجة وفاطمة وزهراء... نظرت إلى الخليفة بإستحيياء .... قلت: رجال حكومتنا يا مولاي باعوا كل شي باعوا الأرض والتراب وحتى السماء... والخوف الخوف أن يمنعوا عنا الهواء ... صعدوا على أكتافنا صباحاً ومساء ... واشتروا الأقلام فجادت بالإطراء... فتبعهم الغاوون والشعراء... والنواب يا مولاي صوتوا وكان صوتهم عواء... وقرروا وكان إقرارهم داء لا دواء ... ووقعوا وكان توقيعهم جزاء... ممثلون عنا هم وما يجلسون عليه سواء ... كمموا أفواهنا وكيف يشكي من كان في فيه ماء...ساووا ما بين الفكر والحذاء ... وأنشغلوا بالليالي الرخيصة الحمراء....وحملوا الخزينة الحزينة الأعباء.... فغضب من في الأرض عليهم ومن في السماء...فلقد بلينا فيهم أسوء أبتلاء والجهود بالإصلاح كلها ضاعت هباء.
عذرا يا مولاي إن المستحيلات ليست فقط الغول والعنقاء وخل يمتاز بالوفاء!!! أضف لهن يا مولاي ثلاث أخرى يد نظيفة للوزير خرجت من وزارته بيضاء... ومجلس نواب صوت بإحدى جلساته بكملة لا ... ومجلس عادل نظيف شريف في القضاء....
يا مولاي.... إسمع من الشعب فهم يصدعون بالنداء ...إسمع بعين الإنصاف للفقراء... تنكر للأقلة السفاء وقرب منك العلماء والشيوخ الأجلاء...وأجعل مجلسك عامرٌ بالحكماء ... وأمشي في الشوارع في صباحك والمساء... خالط شعبك بدون إزدراء....وكل معهم من نفس الإناء... بدون تكبر واستعلاء.... إن شعبك يا مولاي يحبك ولك بقلوبهم كل الولاء والإنتماء ... إقطع دابر الفساد وإخرس أصوات الحداء ... وأمشي على درب الآباء... علم الفاسدين في بلدي أنه ما زال هناك شرفاء... وأقضي على المؤامرات التي تحاك لنا بالخفاء ... وأقطع كل يد خضبت بالدماء ... وأذن بالناس جميعاً أنك معهم في السراء والضراء... وسد أذنيك عن سماع الطبول الجوفاء... وأعلي شعار لا نامت أعين الجبناء. لعل الله يرزقك يا هارون الرشيد البطانة الصالحة مخلصين لله الدعاء... فصحوت من نومي وأنا بقمة الإنتشاء... لأني ولأول مرة أسرد ما يجول في خاطري من الألف للياء.
د. ماجد أحمد الحياري