المؤامرة الكبرى !
كتب د. حسن البراري - يتبنى مسؤولون سابقون وحاليون في الدولة الاردنية نظرية مخيفة تقوم على فرضية ان الاردن بلد مستهدف شعبا وتاريخا وهوية، ومقاربة هؤلاء هي اقرب إلى نظريات المؤامرة منه إلى التحليل المستند لمعلومات أو بحث استقصائي.
تؤكد نظريتهم القائمة على افتراض ان النخبة الحاكمة لم تتمكن من حسم موقفهم من هذه المسألة - سياسات ساهمت في هدم بنى وهياكل الدولة وضرب مقوماتها وعوامل قوتها لغايات اعادة بنائها او تركيبها لانتاج مخرج جديد، دولة بحدود وهوية وبنية اقتصادية وادارية مختلفة تماما ،تستوعب الفلسطينين على ضفتي النهر وتمكينهم سياسيا .
هذه السياسات نلخصها حسب تحليلهم بالتالي:
أولا، الثقة بين الدولة والمجتمع او للدقة بين الحاكم والمحكوم وصلت إلى ادنى مستوى لها في تاريخ الدولة الاردنية، وبشكل عام لا يثق الأردنيون بمؤسساتهم ولا بالنهج السياسي والاقتصادي الذي حكم منطق الدولة في العشرية الأخيرة. وقد مارست النخب الحاكمة سياسة اقتصادية افقرت البلاد والعباد وهي سياسة استلزمت التحايل على الاصلاح بل وتغيبه .
ثانيا، جرت محاولات ممنهجة لتدمير البيروقراطية الاردنية، فلم تعد المؤسسات البيروقراطية محط احترام للشعب وقلت قيمة المنصب العام وتراجعت المكانة الرفيعة التي كانت تتمتع بها جميع مؤسسات الادارة العامة بالدولة الاردنية.
ثالثا، يصر الفريق على أن النخب التي وصلت للحكم في هذه العشرية قامت بزرع بذور الشقاق والانقسامات على اسس اقليمية بدأت تعصف بالنسيج الاجتماعي وبالوحدة الوطنية .
رابعا، أوغل الليبراليون الجدد في تثخين جراح الاقتصاد الاردني من خلال ثنائية الخصخصة وتغييب الاصلاح حتى سيطر الفساد، فبيعت المؤسسات الناجحة وفككت أخرى وأنشئت المؤسسات المستقلة التي اثقلت كاهل الموازنة واوصلت العجز إلى ارقام فلكية لا يمكن تأمينها للخزينة ذاتيا مهما بذلنا من جهد او بعنا من مؤسسات وفرطنا بثروات فلقد كبر الفتق على الراتق ..
ويرى المسؤول أن الهدف الاساسي كان افقار الاردن وتكبيل اقتصاده بقيود لها أول وليس لها آخر حتى تركع الدولة والشعب معا وعندها يكون المخرج للأزمة الاقتصادية هو القبول بصفقة كبرى لتصفية القضية الفلسطينية وعندها تأتي الدول المانحة لتقديم مساعدات اقتصادية ومالية ضخمة تساعد الاردن الجديد للخروج من ازمته. طبعا هناك بعض النخب الحاكمة في الاردن تدرك هذا السياق جيدا وقد سرب للاعلام في عام ٢٠٠٨ وثيقة سميت ب (عين عين ) لاقامة كونفدرالية اردنية فلسطينية قبل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وبالرغم من قيام احد الموقعين على هذه الوثيقة بنفيها جملة وتفصيلا ،إلا أن مصادر في وزارة الخارجية الاردنية اكدت مرور الوثيقة عليهم لوضع ملاحظاتهم عليها قبل التصرف بها. وعندما ناقش كاتب هذه السطور أحد المتحمسين لفكرة "الوصول لكونفدرالية تمكن الفلسطينيين سياسيا في الاردن" قال أن الشرق أردنيين هم مجتمع موظفين وليس لديهم القدرة على رفض الفكرة وأن عليهم القبول بأن يكونوا اقلية وأن الغالبية الفلسطينية من شرق وغرب النهر ستحترم حقوقهم كأقلية!!
هذا الفريق يرى أن انشاء محكمة دستورية سيساعد على خلق الظروف المناسبة لاقامة الكونفدرالية أو ما اسماها بالبنيلوكس على غرار الدول الاسكندنافية وهي فكرة طرحت في النصف الثاني من عقد التسعينيات ولم تلق قبولا اسرائيليا نتيجة لوصول نتنياهو وتبنيه نهجا اطاح بعملية اوسلو. فالمحكمة الدستورية ستبت بعدم دستورية فك الارتباط وهنا يفتح صندوق الشرور (باندورا) وتصبح المطالبة بسحب صلاحيات الملك مقدمة لتولي اغلبية فلسطينية الحكم بالاردن، وهكذا يغلق ملف فلسطين، طبعا هذا الكلام هو لاصحاب هذه النظرية التي تبدو للوهلة الاولى انها شديدة الترابط والشمولية في الرؤية والاستنتاج . ومن هنا يمكن النظر للحملة التي تشنها بعض الاقلام (التي ارتبطت بفكرة عدم الاعتراف بفك الارتباط) على اجراءات وزارة الداخلية بسحب الارقام الوطنية كحملة تقع في سياق خلق صرخة علنية لتساعد في فتح الملف على مصرعية وبخاصة في ظل تردد الدولة الاردنية وعدم قدرتها مجرد التفكير على دسترة فك الارتباط وهو ما تنادي به القوى الوطنية الاردنية التي باتت تخشى على الاردن من ترك القضية معلقة وحتى تقطع الطريق على اسرائيل وثنيها عن العبث بالاردن. وقد لعبت بعض مؤسسات المجتمع المدني التي تلقت تمويلا اجنبيا دورا بارزا في التركيز على قضايا تتعلق بنظرية الحقوق المنقوصة، وبالفعل هناك سفارات تتلقى تقارير من هذه المؤسسات وهي تقارير تستخدم ضد الاردن الرسمي أو لاحراجة ودفعه على القبول بحلول قد تطرح لاحقا.
محاولات التقارب بين حماس والاردن تفهم في هذا السياق، فقطر تصر على التوسط بين الاردن وحماس وفي الوقت ذاته تكشف قناة الجزيرة قصة موت عرفات لتكون توطئة لربيع فلسطيني يستهدف السلطة بحيث تنهار السلطة وتكون حماس الشريك المنتظر في ادارة الضفة الغربية. ويضيف المسؤول أن انهيار السلطة في حال حدوثه سيترك فراغا تشغله قوى لا تعترف بقرار فك الارتباط ولها ارتباط عضوي وايدولوجي مع قوى سياسية على الساحة الاردنية رفضت الاعتراف بقرار فك الارتباط من الاساس وهنا يشيرون بوضوح للحركة الاسلامية التي مازالت ترفض حتى الان ان تعلن موقفها من قرار فك الارتباط .
الاسرائيليون يبحثون عن شريك ليوافق على وئد فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وهذا الشريك قد يكون نتيجة لتفاهم اردني فلسطيني أو يكون نتيجة الضغط على الاردن اقتصاديا حتى يقبل بهذا الطرح.
ويرى السيد عدنان أبو عودة أن اسرائيل لن توافق على اقامة دولة فلسطينية وأن الكيان الفلسطيني الناشيء لن يصمد مع نظرية الحوصلة الاسرائيلية التي ستدفع في نهاية الامر باتجاه تهجير الفلسطينيين من ارضهم.
امام هذا السيل من الشواهد لاثبات نظرية هذا الفريق من المسؤولين السابقين الطامحين للعودة لدوائر صنع القرار الرئيسة نسأل انفسنا عددا من الاسئلة:
امام هذا المخطط المرعب هل يمكن ان نتخطى هذه المؤامرة عن طريق التشبث بالاطر البالية للدولة التي اوشكت على التفكك - وهو بالمناسبة ما يتبناه اصحاب هذه النظرية- ام نحن امام تحدي الثورة او الانقلاب الابيض على هذه المنظمومة وانقاذ ما يمكن انقاذه والبدء باصلاحات تلغي دور المتأمرين وتحاكمهم على الملأ ؟
التوصيف يتناول الموضوع وكأنه قدر محتوم وشر لا بد منه ، فلقد انجزت النخبة الحاكمة مهمتها ونحن الان امام استحقاق الانتقال الى الحلقة الثانية من المؤامرة ولكن يبدو ان النظرية تجاهلت عاملا مهما وهو موقف الشعبين من هذه المسألة وكأنهما مسلوبي الارادة وغير قادرين على رد الخطر ومواجهته ! هذه بالضرورة قراءة مغلوطة لعامل الشخصية الاردنية فابناء هذا التراب الطاهر لا يبالون اذا ما استحكمت حلقات الازمة الاقتصادية فهم قادرون على التصدي لهذا التهديد ولو تكالبت عليهم الامم ؟١ هذا ليس شعرا او سفسطة كلامية وانما تقدير مبني على خبرة وتجارب ومراجعة للتاريخ ..
ثم هل يقبل الفلسطينيون في الضفة الغربية بالتنازل عن حلم التحرير لصالح فكرة ترحل الصراع الى شرق النهر بدلا من أن تكون اسرائيل هي هدف الصراع؟
لماذا لم تتنبه الدولة ورجالاتها لهذه المؤامرة ؟ وهل يظن هذا الفريق ان بقاءهم في السلطة او عودة رموز هذا الفريق سيحل المشكلة ؟ الجواب طبعا لا فهؤلاء من تسببوا في وصولنا الى ما نحن فيه ولذلك تتعالى اصوات المطالبين بتغيير شامل وثورة بيضاء تستبدل الطبقة التي تحكم بطبقة حاكمة جديدة من الشرفاء والمشهود لهم بالخبرة والنزاهة والمعرفة والشروع باصلاحات حقيقية تمتن جهتنا الداخلية وتمنع اي اختراقات او تدخلات خارجية ،فلا بد من تمتين الجبهة الداخلية للتصدي لاي مؤامرة وبغير ذلك فهي الكارثة بلا شك ؟١
والسؤال الاهم هو : هل هناك صيغة تحمي الاردن من مخططات كهذه ان وجدت؟ نعم! الاصلاح السياسي الحقيقي الذي يمكن الشعب والذي يؤسس لاليات لمحاربة الفساد واستعادة الدولة من التيار الذي اضاع المنجزات هو المخرج. وبهذا المعنى فإن تصليب الجبهة الداخلية والعمل على ايجاد الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة هي متطلبات سابقة لأردن أقوى وأكثر قدرة على التصدي لمؤامرة من هذا النوع ان وجدت، ووصفة الاصلاح موجودة ولسنا بحاجة تكرار تجارب سابقة، وكما يقول انشتاين:
الغباء هو فعل نفس الشيئ و بنفس الاسلوب و نفس الخطوات و انتظار نتائج مختلفة!!. .