jo24_banner
jo24_banner

المرحلة كشفت غياب (المطبخ السياسي) لدى الحكومات

سميح المعايطة
جو 24 : (الهواة) وخريجو مدرسة (القفز الآلي) والباحثون عن(النجومية) اضعفوا بنية المواقع السياسية

كشفت احداث العامين الماضي والحالي عن قضية جوهرية تتعلق باداء عدد ممن تولوا مواقع ادارة القرار في الدولة, حيث تبدو الثغرة واضحة لدى كثير ممن تولوا المواقع ذات الدور السياسي, حيث تراوحت مستويات الاداء في المشهد ذاته بين التهوين بما يجري من احداث وبين تقديرات بالخطورة وصعوبة الموقف, ولم تكن المسافة بين الامرين كبيرة زمنياً لكنه الضعف في البنية والتكوين السياسي والاداري لدى هؤلاء.

وحتى لا نتعامل فقط مع النصف الفارغ من الكأس فان مؤسسة الحكم وعلى رأسها الملك اتخذت توجهاً مفصلياً في التعامل مع الحالة السياسية كان البوصلة الراشدة للحالة الاردنية حيث كان الاصرار على الابتعاد عن اي فعل يبعث التوتر في الساحة الاردنية او تذهب فيه قطرة دم اردنية, فكان ما يسمى الامن الناعم واقتصار دور الامن على حماية المسيرات والاعتصامات, وهذه البوصلة الراشدة كانت عنواناً من عناوين الحكمة تضاف اليها المبادرة الى خطوات اصلاحية كبرى مثل التعديلات الدستورية ولجنة الحوار الوطني, وهي خطوات - رغم اي تحفظ عليها من بعضهم - الا انها كانت رسالة كبرى.

لكن هذه التوجهات الكبرى لا تلغي الادوار التي تمنحها المواقع لفئات المسؤولين, ولعلنا دفعنا ثمناً لظاهرة انتقدناها وهي ان المواقع السياسية فقدت مكانتها عندما تزايدت مواصفات »الموظفين« الذين يتولونها بدلاً عن محترفي العمل السياسي, والفرق نجده ليس في الايام العادية بل في المراحل التي تستدعي وجود عقول وقدرات سياسية قادرة على فهم المعطيات والقدرة على تقدير الموقف واتخاذ القرار المناسب. وندفع ثمناً لمنح المواقع في الحكومات لاشخاص لم تكتمل خبراتهم, ولم يحصلوا على النضج الكافي, وهناك مشكلة ظهرت بعض نتائجها وهي »التقفيز« لاشخاص من مستويات عادية كانوا فيها الى مستويات كبرى لم يكونوا يحلموا بها حتى في اقصى مراحل الخيال, وهي مشكلة كانت كبرى في بعض الحالات لكنها كانت متكررة في كثير من الحكومات, حيث حمل اشخاص عاديون ليكونوا من دائرة صنع القرار وحملة الالقاب.

وجزء من الظاهرة في ضعف الاداء السياسي ان حكوماتنا كانت تفتقد الى ما يسمى »المطبخ السياسي« اي الفريق صاحب الصلاحية والقدرة على دراسة الواقع السياسي وفق معلومات ومعطيات ثم اتخاذ قرار مناسب والتحرك بناء على توجه ومنهجية ورؤية. وهذا الضعف ليس خاصاً بحكومة دون اخرى بل هو شامل لكل المرحلة وما قبلها, وحتى عندما تعقد اي حكومة اجتماعات لمناقشة قضايا سياسية فان فروقات كبرى في المستوى تظهر بين الحضور, ويكون العمل اقرب الى نقاش عام وليس حلقة اتخاذ قرار وتقدير موقف.

السياسي ليس فقط من يملك موقفاً سياسياً او ايدلوجيا من القضايا بل هو القادر على اتخاذ الموقف المناسب لادارة كل مرحلة والتعامل مع المستجدات, لكن وجود مسؤولين »هواة في السياسة« تجعلك تسمع تقديرات سطحية, او تجد بعضهم مكتظا بالمخاوف, او ينظر للامور بعين الرجل الذي لا علاقة له بما يجري, وربما هناك من كانوا مسؤولين في حكومات يديرون وزاراتهم وليسوا معنيين بالحدث السياسي والعام.

ما نتحدث عنه لا يحتاج الى كبير عناء في الحكومات, فالمواطن يحتار احياناً في بعضهم ممن يتعاملون وكأنهم »نجوم« يبحثون عن شهرة او شعبية او يقدمون ما يريده بعض الناس واحياناً تجد التناقض فيما يقال بين يوم واخر وبعضهم يعتقد ان الثرثرة في كل شيء هي الحضور السياسي..

لعلنا بعد هذه التجارب نكون قادرين على تجاوز هذه الثغرات, ولن نجد الا المؤسسات والمؤسسية قادرة على انتاج محترفي الادارة والسياسة لكن عندما يسير ابناؤها فيها بتدرج وليس »بالقفز الآلي«.

ولهذا فان جزءاً من الاصلاح الذي نتمنى تحقيقه ان يغيب عن حكوماتنا وكل موقع مهم »الهواة« وخريجو مدرسة »القفز الآلي« ومن يظهرون متمسكين بقشور العمل السياسي لكنهم في جوهرهم اشخاص يتحدثون في الامور العامة لكنهم بعيدون عن الاحترف والعمق في العمل السياسي والعام.
العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news