الملك ينحاز لحلف الصوت الواحد
د. حسن البراري
جو 24 :
بعد طول انتظار وبعد أن توقع البعض أن يكون التدخل الملكي لصالح ترسيخ مبدأ التشاركية بدلا من الاقصاء، الذي شرعت له تحالفات محافظة صادق الملك على القانون المعدل لقانون الانتخابات لتدق دولتنا بمؤسساتها السياسية والامنية المسمار الاخير في نعش مسيرة الاصلاح التي انطلقت منذ بداية الربيع العربي وانتهت بقانون انتخاب سيعمق من الأزمة السياسية بدلا من حلها.
موقف الملك المتمثل في قبول القانون بدلا من رده جاء انعكاسا لقراءات رسمية تتمحور حول قناعات اقرب للـ "فكشن" والأساطير منها للحقيقة. وهذه القناعات هي:
أولا، هناك أغلبية من بين الاردنيين تؤيد وبقوة الصوت الواحد لأنه يحفظ حقوقها المكتسبة.
ثانيا، من يعارض مبدأ الصوت الواحد هي قوى لا تمثل نبض الشارع.
ثالثا، من يريد التغيير عليه أن يشارك في العملية السياسية ويدخل البرلمان إن تمكن وأن الدولة يجب أن لا تخضع لرغبات قوى سياسية لها اجندات ترتبط بالخارج.
رابعا، القانون وإن لم يكن الامثل إلا انه مناسب للمرحلة القادمة.
خامسا، ليس هناك ما يهدد الامن والاستقرار في البلاد وبالتالي على الدولة أن تتماسك وأن لا تتصرف بانفعال وانسجام مع الشارع.
سادسا، الحراك مطلبي ولا يشترط تعديلات بالشكل الذي يطالب به جزء من الحراك "غير المؤدب."
وأخيرا، الحل في الاردن هو اقتصادي وليس سياسي.
ما أغفله الرسميون هو أن "الاصلاحات الاقتصادية" التي تبنتها الدولة الاردنية في العشرية الاخيرة لم يرافقها اصلاح سياسي ولا شفافية ولا مشاركة شعبية في صناعة القرار، فانتشر الفساد والعبث بمقدرات الشعب ما أوصل الاردن إلى عجز غير مسبوق في الموازنات وصولا إلى مديونية باهظة.
بمعنى أن الدولة بتركيبتها الحالية عاجزة عن تقديم الحلول للمشكلة الاقتصادية وبخاصة بعد تفشي ظاهرة الفقر والبطالة، فالدولة لا يمكن لها الادعاء بانجازات في ظل المشاكل الاقتصادية التي ضربت المجتمع الاردني.
ويرى أحد المسؤولين المخضرمين أن ما جرى من تفكيك للدولة وتغييب للاصلاح في العشرية الاخيرة كان يصب في سياق تضخيم المشكلة الاقتصادية تميهدا لحل سياسي اقليمي يدفع ثمنه الاردنيون والفلسطينيون معا. .
ما من شك أن الدولة الاردنية اخفقت وبامتياز في التعامل مع الربيع العربي كفرصه، وعلى العكس مما كان يقوله الملك بان الربيع العربي وفر فرصة ممتازة للاصلاح فقد تعاملت معه اجهزة الدولة المختلفة باعتباره تحديا وملفا امنيا.
من غير الواضح لغاية الان إن كان الملك بصدد الطلب من الحكومة تقديم تعديلات اضافية تسمح باجراء الانتخابات قبل نهاية العام حسب التعهد الملكي.
الملك في أكثر من مناسبة شن هجوما على قوى الشد العكسي في الدولة التي تكبح جماح الاصلاح، وهو الأمر الذي أكد عليه مروان المعشر في دراسة نشرت على موقع كارنيغي والتي اتهمت النخب الريعية بالوقوف ضد الاصلاح.
ولكن بعد أن صادق الملك على القانون يسأل البعض ان كان انتقاده لقوى الشد العكسي يأتي في سياق لعبة أدوار يظهر فيها الملك متقدما على اجهزة الدولة حتى يعزز من صورته كاصلاحي في حين تنوب اجهزة الدولة عنه في التأكد من أن الاصلاح لا يتعدى الشكليات دون أن يفضي إلى عودة السلطة للشعب كما ينص الدستور الاردني.
بهذا تكون الأزمة السياسية وصلت إلى نقطة كان من الممكن تجبنها. ومن غير المتوقف أن ترضخ القوى السياسية والحراكات العشائرية لهذه الاملاءات وستكون المعركة في الأيام القادمة معركة حول الشرعية السياسية للاصلاحات التي تبنتها الدولة الاردنية.
لكن ماذا لو اصرت الدولة على موقفها؟ هل ستجري الانتخابات؟ وهل سيعود الاردنيون الى بيوتهم أم يستمروا في الاحتجاجات؟
هناك ثلاثة سيناريوهات: أولا، أن تجري الانتخابات بمن حضر. وهذا يعني أن الدولة تضرب بعرض الحائط كل القوى السياسية وكل الحراكات التي اشترطت الغاء الصوت الواحد لقاء مشاركتها في الانتخابات ومنحها الشرعية المطلوبة لعملية الاصلاح.
وعندها ستكون المعركة حول نسبة التصويت. فالمقاطعون- وعلى العكس من المرات السابقة- سيتبنون المقاطعة كاستراتيجية وليس كموقف سياسي فقط، وهذا يعني ان المعارضة ومن معها سيعملون ما في وسعهم لاقناع الناس بأن المشاركة في الانتخابات تمنح شرعية سياسية للاستدارة السياسية التي تبنتها النخب الحاكمة في الاردن. وستحاول اجهزة الدولة الرسمية اقناع الناس بالمشاركة واللجوء الى مخاتير ووجهاء المناطق لاقناعهم بأن الاردن يمر بمرحلة صعبة وان المرحلة تتطلب ان يقف الاردنيون خلف القيادة.
السيناريو الثاني هو تأجيل الانتخابات حتى تتهيأ الاجواء لتعديل القانون بما يضمن مشاركة الجميع. وهذا السيناريو يستلزم التخلص من حكومة الشد العكسي والبرلمان المعطل واللجوء الى قانون مؤقت يتضمن بعض مطالب المنادين بالاصلاح. وهو سيناريو محفوف بالمخاطر لأنه يمكن الطعن بدستورية اي قانون مؤقت وما يترتب عليه. وهناك من يطلب تأجيل الانتخابات لمنح النظام الفرصة لتغيير موقفه دون أن يوجه اهانة تضاف إلى غيرها من الضربات التي وجهت للسلطة التشريعية التي تعمل حسب التعليمات التي تأتي من السلطة التنفيذية والاجهزة الامنية والديوان الملكي.
السيناريو الثالث هو اعلان قانون الطواريء وهذا مرتبط باحداث سوريا. فإذا تطورت الاحداث في سوريا وتدخل الاردن عسكريا أو انهار النظام السوري وانزلاق سوريا الى حرب اهلية تهدد الاردن فعندها سيجد صانع القرار فرصة ذهبية للتخلص من العملية الاصلاحية برمتها ويعلن حالة الطوارىء على أمل أن يتغير مزاج الشارع ويستطيع عندها النظام الخروج من الربيع العربي دون أن يقدم الاستحقاقات التي تضمن الاستقرار..
باختصار، الايام حبلى بالاحداث والمفاجآت، والدولة الاردنية تعاند التاريخ وترفض التصرف بمنطق اصلاحي على اعتبار انها ليست مهددة من الداخل وأن الاحداث في الخارج لصالح رؤاها غير الاصلاحية وبخاصة بعد أن وافق الاميركان على اجراءات الاردن الرسمي..