في الموت
د. م. مراد الكلالدة
جو 24 : يقال بأن للملائكة روح تحرك أجسادً لا هي ذكورية ولا انثوية، وأنها لا تأكل ولا تشرب ولها مهام محددة منها قبض أرواح البشر عندما يحين الأجل.
الأجل، عند المؤمنيين هو وقت مغادرة الروح للجسد، فيصبح الجسد جثة هامدة بعد ان كان يعج بالحركة والحب والنشوة والأمنيات والحسرات وإنتظار المجهول.
والأجل طبيا هو الموت السريري (حالة إنعدام دوران الدم في الأوعية الدموية وإنقطاع التنفس وغياب الوعي) أو الدماغي (إنعدام وظائف المخ وجذعه والنخاع الشوكي بشكل كامل) ومن الممكن ان يعمل قلب المتوفي لفترة من الزمن حتى بعد موته لأن القلب يدق من تلقاء نفسه بدون دماغ شغال، إلا ان الميت دماغياً لا يستطيع التنفس فيقل الأوكسجين في الدم بشكل تدريجي فتتوقف العضلات ومنها عضلة القلب، ولا حديث عن الروح في المراجع العلمية.
وقد إحتار الإنسان في كيفية التعامل مع الموت، فهناك شعوباً رفضت فكرة الموت وآمنت بالحياة ما بعد الموت فجهز قدماء المصريون موتاهم بطريقة تحفظ أجسادهم لأطول مدة ممكنة، مما مكننا في العام 2010 وبعد 3335 سنة على وفاته من مشاهدة مومياء توت عنخ آمون وجهاً لوجه. ولم ينسى الكهنة تزويدهم بالمؤمن من الطعام والشراب وحتى من الحلي والجواهر التي تؤنس وحشتهم، كل ذلك لإعتقادهم بأن الروح سترجع من جديد. وهناك شعوب تحرق مواتهم، وآخرين يتركوها للطير وأخرين يدفنوها بكل إحترام. وأياً كانت الطريقة التي نودع فيها مواتنا، فهي حزينة وحتى لو حصلت بين الأعداء وفي ميدان المعركة، فالروح عزيزة على كافة الكائنات، فما هي الروح.
الفلاسفة القدماء إحتاروا وإجتهدوا في هذا المضمار، فأفلاطون (427-347 قبل الميلاد) أعتبر الروح أساس لكينونة الإنسان والمحرك الأساسي له، وأعتقد بأن الروح تتكون من ثلاثة أجزاء متناغمة هي العقل والنفس والرغبة، والنفس عنده هي المتطلبات العاطفية أو الشعورية. أما ارسطو والذي توفي بعده بخمس وعشرون عاماً، فقد اعتبر الروح مرادفاً للكينونة ولم يعتبر الروح شيئا خالدً.
الروح عند قدماء المصريين مكونة من سبعة أقسام هي (رين: يعني المولود الجديد) و (سكم: وتعني حيوية الشمس) و (با: وتعني شخصة الإنسان الفريدة) و (كا: وهي القوة الدافعة لحياة الإنسان) و (أخ: وهو الشبح الناتج من اتحاد كا و با بعد الموت) و (آب: وهو قطرة من قلب الأم) و (شوت: وهو ظل الإنسان) والموت بالنسبة للمصريين هي مفارقة (كا) للجسد.
وقد حاول فلاسفة القرون الخامس عشر وحتى القرن العشرين الإجتهاد لفهم الروح، فحسبها ديكارت منطقة محددة في الدماغ تتحكم بالروح، أما الفيلسوف كانت، فعزى البحث عن الروح الى العقل الذي يحاول تفسير كل شيء على أساس عملي، وقد فتح الباب لعلماء النفس لتفسير الروح على أساس نفسي.
الروح عند البوذية هي وهم يؤدي بالإنسان الى صراع داخلي إجتماعي وسياسي، وأن كل شيء في حالة حركة مستمرة، وان للكائنات خمسة اسس تستند اليها هي الجسد والحواس والإدراك والكارما (الأفعال) والضمير. هذه الأسس الخمسة هي في حركة دائمة تبرر تغير الإنسان، فالهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كسر دورة الحياة والبعث، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها. وبما أن الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم الأشخاص بفعلها، فلا خلاص للكائن ما دامت الكارما موجودة. وعند وفاة الإنسان، فإن الجسد ينفصل عن العناصر الأربعة الأخرى وهي الحواس والإدراك والكارما والضمير. وإذا كانت هناك بقايا سيئة ناجمة عن عواقب لإفعال أو صفات، فإن هذه العناصر الأربعة تبدأ رحلة للبحث عن جسد للتمكن من الوصول الى التحرر التام (جسد لا يأتي المعاصي) وبالتالي فإنها تتحرر وتخمد نيران الألم، ويسمى هذا الهدف عند البوذيين (النيرفانا).
الروح عند اليهود هي من عند الله الذي نفخ في أنف الإنسان ليصبح مخلوقاً، وتنقسم الروح عندهم الى ثلاثة طبقات هي نفيش (النفس) وهي الطبقة السفلى من الروح وترتبط بغرائز الإنسان الجسدية، والروخ (روح) وهي الطبقة الوسطى والمسؤولة عن التمييز بين الخير والشر وتنظيم المبادي الأخلاقية، والطبقة الثالثة نيشامه (نشامى) وهي العليا والتي تميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية. وفي ذلك تشبيه لتقسيم فريود للاوعي الى الأنا السفلى والذات والأنا العليا.
الروح القدس في المسيحية هي بمثابة الكينونة الخالدة للإنسان، والتي قد يكافئها الرب أو يعاقبها بعد مغادرتها للجسد، حيث شببهها المسيح عليه السلام برداء رائع أجمل من كل كنوز سليمان. وقد فرق انجيل لوقا بين النفس والجسد فقال: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم. ويحترم المسيحيون جسد الميت، ويلبسونه افضل ما لديهم ويفسحون المجال لإحبائه بإلقاء نظرة الوداع عليه، ويعتقد بأن مرد ذلك لحادثة قيام المسيح عليه السلام بعد الموت والتي انفرد بروايتها انجيل متى حيث وضع الرومان حراسة على القبر بناء على طلب المجلس الأعلى لليهود خوفاً من ان يقوم تلامذته بسرقة الجثمان، وفي اليوم الثالث (الأحد) وجد القبر فارغاً، ومنذ ذلك الوقت تطوف روح المسيح الدنيا مخلصاً للبشرية حسب المعتقدات المسيحية.
الروح هذا الشيء أو الكائن الذي احتارت فيه المعتقدات، فهي في الإسلام أعظم ما في الكون لقوله تعالى في صورة الحجر: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29). فالروح من عِلم الله ولكنه سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه قد خلق آدم ونفخ فيه من روحه، وهذا بمثابة التكريم للإنسان، ويصف النبي الأمين، محمد عليه السلام (الأرواح جنودآ مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف). وفي تفسير الجلالين للآية (11) من سورة السجدة (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) «قل» لهم «يتوفاكم ملك الموت الذي وكِّل بكم» أي يقبض أرواحكم «ثم إلى ربكم ترجعون» أحياء فيجازيكم بأعمالكم. ويزهد المسلمين في دفن الجسد، بدعوى أن إكرام الميت في دفنه، حيث سيخضع للثواب أو العقاب بما فعل في حياته.
أياّ كان معتقد البشر، فالثابت أن أجسادنا الى زوال وأن ما هو خالد منا في هذا العالم هي أعمالنا التي سنحمد عليها أو نُذمّ.... فقد تكون هي (الروح) التي لطالما إجتهدنا في تفسيرها.
الأجل، عند المؤمنيين هو وقت مغادرة الروح للجسد، فيصبح الجسد جثة هامدة بعد ان كان يعج بالحركة والحب والنشوة والأمنيات والحسرات وإنتظار المجهول.
والأجل طبيا هو الموت السريري (حالة إنعدام دوران الدم في الأوعية الدموية وإنقطاع التنفس وغياب الوعي) أو الدماغي (إنعدام وظائف المخ وجذعه والنخاع الشوكي بشكل كامل) ومن الممكن ان يعمل قلب المتوفي لفترة من الزمن حتى بعد موته لأن القلب يدق من تلقاء نفسه بدون دماغ شغال، إلا ان الميت دماغياً لا يستطيع التنفس فيقل الأوكسجين في الدم بشكل تدريجي فتتوقف العضلات ومنها عضلة القلب، ولا حديث عن الروح في المراجع العلمية.
وقد إحتار الإنسان في كيفية التعامل مع الموت، فهناك شعوباً رفضت فكرة الموت وآمنت بالحياة ما بعد الموت فجهز قدماء المصريون موتاهم بطريقة تحفظ أجسادهم لأطول مدة ممكنة، مما مكننا في العام 2010 وبعد 3335 سنة على وفاته من مشاهدة مومياء توت عنخ آمون وجهاً لوجه. ولم ينسى الكهنة تزويدهم بالمؤمن من الطعام والشراب وحتى من الحلي والجواهر التي تؤنس وحشتهم، كل ذلك لإعتقادهم بأن الروح سترجع من جديد. وهناك شعوب تحرق مواتهم، وآخرين يتركوها للطير وأخرين يدفنوها بكل إحترام. وأياً كانت الطريقة التي نودع فيها مواتنا، فهي حزينة وحتى لو حصلت بين الأعداء وفي ميدان المعركة، فالروح عزيزة على كافة الكائنات، فما هي الروح.
الفلاسفة القدماء إحتاروا وإجتهدوا في هذا المضمار، فأفلاطون (427-347 قبل الميلاد) أعتبر الروح أساس لكينونة الإنسان والمحرك الأساسي له، وأعتقد بأن الروح تتكون من ثلاثة أجزاء متناغمة هي العقل والنفس والرغبة، والنفس عنده هي المتطلبات العاطفية أو الشعورية. أما ارسطو والذي توفي بعده بخمس وعشرون عاماً، فقد اعتبر الروح مرادفاً للكينونة ولم يعتبر الروح شيئا خالدً.
الروح عند قدماء المصريين مكونة من سبعة أقسام هي (رين: يعني المولود الجديد) و (سكم: وتعني حيوية الشمس) و (با: وتعني شخصة الإنسان الفريدة) و (كا: وهي القوة الدافعة لحياة الإنسان) و (أخ: وهو الشبح الناتج من اتحاد كا و با بعد الموت) و (آب: وهو قطرة من قلب الأم) و (شوت: وهو ظل الإنسان) والموت بالنسبة للمصريين هي مفارقة (كا) للجسد.
وقد حاول فلاسفة القرون الخامس عشر وحتى القرن العشرين الإجتهاد لفهم الروح، فحسبها ديكارت منطقة محددة في الدماغ تتحكم بالروح، أما الفيلسوف كانت، فعزى البحث عن الروح الى العقل الذي يحاول تفسير كل شيء على أساس عملي، وقد فتح الباب لعلماء النفس لتفسير الروح على أساس نفسي.
الروح عند البوذية هي وهم يؤدي بالإنسان الى صراع داخلي إجتماعي وسياسي، وأن كل شيء في حالة حركة مستمرة، وان للكائنات خمسة اسس تستند اليها هي الجسد والحواس والإدراك والكارما (الأفعال) والضمير. هذه الأسس الخمسة هي في حركة دائمة تبرر تغير الإنسان، فالهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كسر دورة الحياة والبعث، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها. وبما أن الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم الأشخاص بفعلها، فلا خلاص للكائن ما دامت الكارما موجودة. وعند وفاة الإنسان، فإن الجسد ينفصل عن العناصر الأربعة الأخرى وهي الحواس والإدراك والكارما والضمير. وإذا كانت هناك بقايا سيئة ناجمة عن عواقب لإفعال أو صفات، فإن هذه العناصر الأربعة تبدأ رحلة للبحث عن جسد للتمكن من الوصول الى التحرر التام (جسد لا يأتي المعاصي) وبالتالي فإنها تتحرر وتخمد نيران الألم، ويسمى هذا الهدف عند البوذيين (النيرفانا).
الروح عند اليهود هي من عند الله الذي نفخ في أنف الإنسان ليصبح مخلوقاً، وتنقسم الروح عندهم الى ثلاثة طبقات هي نفيش (النفس) وهي الطبقة السفلى من الروح وترتبط بغرائز الإنسان الجسدية، والروخ (روح) وهي الطبقة الوسطى والمسؤولة عن التمييز بين الخير والشر وتنظيم المبادي الأخلاقية، والطبقة الثالثة نيشامه (نشامى) وهي العليا والتي تميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية. وفي ذلك تشبيه لتقسيم فريود للاوعي الى الأنا السفلى والذات والأنا العليا.
الروح القدس في المسيحية هي بمثابة الكينونة الخالدة للإنسان، والتي قد يكافئها الرب أو يعاقبها بعد مغادرتها للجسد، حيث شببهها المسيح عليه السلام برداء رائع أجمل من كل كنوز سليمان. وقد فرق انجيل لوقا بين النفس والجسد فقال: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم. ويحترم المسيحيون جسد الميت، ويلبسونه افضل ما لديهم ويفسحون المجال لإحبائه بإلقاء نظرة الوداع عليه، ويعتقد بأن مرد ذلك لحادثة قيام المسيح عليه السلام بعد الموت والتي انفرد بروايتها انجيل متى حيث وضع الرومان حراسة على القبر بناء على طلب المجلس الأعلى لليهود خوفاً من ان يقوم تلامذته بسرقة الجثمان، وفي اليوم الثالث (الأحد) وجد القبر فارغاً، ومنذ ذلك الوقت تطوف روح المسيح الدنيا مخلصاً للبشرية حسب المعتقدات المسيحية.
الروح هذا الشيء أو الكائن الذي احتارت فيه المعتقدات، فهي في الإسلام أعظم ما في الكون لقوله تعالى في صورة الحجر: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29). فالروح من عِلم الله ولكنه سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه قد خلق آدم ونفخ فيه من روحه، وهذا بمثابة التكريم للإنسان، ويصف النبي الأمين، محمد عليه السلام (الأرواح جنودآ مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف). وفي تفسير الجلالين للآية (11) من سورة السجدة (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) «قل» لهم «يتوفاكم ملك الموت الذي وكِّل بكم» أي يقبض أرواحكم «ثم إلى ربكم ترجعون» أحياء فيجازيكم بأعمالكم. ويزهد المسلمين في دفن الجسد، بدعوى أن إكرام الميت في دفنه، حيث سيخضع للثواب أو العقاب بما فعل في حياته.
أياّ كان معتقد البشر، فالثابت أن أجسادنا الى زوال وأن ما هو خالد منا في هذا العالم هي أعمالنا التي سنحمد عليها أو نُذمّ.... فقد تكون هي (الروح) التي لطالما إجتهدنا في تفسيرها.