2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

شــتـاء عربـي طـويـل..!!

حسين الرواشدة
جو 24 : الذين وصفوا ما حدث في عالمنا العربي من احتجاجات في عامي 2011 و 2012 بأنه “خرف “ عربي كأنة اكثر دقّة، لا لانه ثبت الآن بعد موجة اجهاض الثورات والانقلاب عليها ان “الربيع” ما زال بعيدا ، وانما ايضا لان كل ما شهدناه آنذاك كان مجرد “سقوط” لاوراق صفراء لم تعد صالحة للنمو والبقاء، وانكشاف “لعورات” كنا نعرف ان قبحها لا يؤهلها الاستمرار في عرض خادش للحياء العام.

كنا بحاجة الى هذا الخريف ، تماما كما احتاجت غيرنا من الامم التي عايشت عصور الثورات الى عدة مواسم لكي تصل الى ربيع ديمقراطيتها، وكان الخريف اول هذه الفصول ، وما حدث فيه بالنسبة لنا ولغيرنا من البشر لا يختلف عما يحدث في الطبيعة حين تودع فصل الصيف بحرارته وجفافه وطول نهاره وسطوة هبوب السموم فيه لتستقبل “الخريف” الذي يؤذن بانقلاب المناخ وتحول الطقس ، وتغير المزاج وانتشار الغبار، وانكشاف الارض بما عليها من “زينة” امام عيون الناس ليروها كما هي مجردة من اي شيء، ومسفرة عن طبيعتها من دون غطاء.

ما حدث في “خريفنا “ اصبح تاريخا معروفا ومشكوفا، فقد سقطت زعامات وانكشفت انظمة ، وتلبدت اجواء العواصم بالغيوم والاتربة ، وتبددت آمال انعقدت على نخب وجيوش، وتعرض الطقس السياسي لموجات من التقلبات المفاجئة، ويبست دماء في العروق الجافة، لكن الناس حبسوا انفاسهم بانتظار فصل جديد.

جاء الشتاء ومعه انقلب المشهد تماما، فقد عادت انظمة بعد سقوطها ، وارعدت السماء وابرقت في بلدان تحول خريفها الى سحب من الغضب امطرت سيولا من الدماء ، وزلزلت الارض زلزالها فانهارت عواصم ما كنا نتوقع انها ستقع في قبضة ميليشيات وليدة، وفجأة خرج مارد التطرف والعنف وازاح الحدود معلنا الخلافة والدولة على ارتال من الجثث والرؤوس المقطعة، ثم تمدد على شكل “ارهاب” ملأ سماءنا بالغيوم التي لا نعرف من اين جاءت ولا اين ومتى ستمطر.

نحن الآن في “ الشتاء العربي” ، وعلينا ان نواجه ما يحفل به من برودة وصقيع وتجمد، ومن امطار وفيضانات ، ومن انسدادات في القنوات والمجاري والصدور، ومن ثلوج تمنع الناس من التجول ، وتفرض عليهم الاقامة الجبرية والاذعان لأوامر الطوارىء، فهذه احكام الطبيعة التي غالبا ما يترجمها البشر الى “نسخ” مشابهة لكن بايقاع اشد، والوان اخرى ،واحكام اسوأ، فالامطار تتحول الى دماء غزيرة ، والرعود والبروق تباشرها آلة الحرب الثقيلة، والانسدادات تمنع السياسة من الحركة والتجول، وتفرض على الناس البحث عن ملاذات اخرى آمنة.

كان طبيعيا ان يحمل الخريف بعض الامل والهمة ، وان يكون له رجاله(ثواره ان شئت) وطقسه وخطابه، وان يتحمل الناس” الزكام” الذي ينشره الغبار في كل مكان،وان ينشغلوا بمنظر” العراء” انتظارا لرؤية البساط الآخضر، لكن فجأة داهمهم الشتاء ، وكان طبيعيا ايضا ان يكون “ مزمجرا” ومزدحما بالغضب ،وان يكون له رجاله ، تماما كما يبدو امامنا الآن، فالشباب الذين انحازوا للتطرف والعنف هم خريجوا مدرسة “الخريف” الذي ولد يتيما وحرم من رؤية “ربيعه” المنتظر، والطوائف والمذاهب والعواصم والجيوش التي انتظرت ان تخرج من “خريفها” بأقل الخسائر وقعت في “فخ” الشتاء العاصف فاستمطرت اسوأ ما في تاريخها وتحولت الى عاصفة هوجاء.

ما نشهده في عالمنا العربي هو مجرد” زخات” مطرية في بداية الشتاء العربي الذي ودع خريفه: امطار من الدماء، وثلوج من الغضب، وفيضانات من التطرف والعنف ، واغلاق للطرق والقنوات “ السياسية” ، ورعود عسكرية وغيوم دولية واقليمية ومحلية، وموجات من الصقيع والانجماد تشل حركة الاقتصاد ، ووحوش تتحرك في الظلام وتبحث في غفلة الحراس عن فرائسها.

شتاء طويل،ربما، لكنه سيكون اقصى مما نتصور، ومهما كانت مراصدنا السياسية يقظة ودقيقة فانها لن تستطيع ان تتنبأ بكل تحولاته ومفاجآته، ومن واجبنا -كما فعلنا تماما في الثلجة- ان نستعد لمواجهته، ونتحوط من اخطار فيضاناته.

لكن المهم ان ندرك بانه سيمر وسينقضي، وسيأتي بعه الربيع الذي انتظرناه ، هل نخسر ام نربح؟ لا ادري ، هذا يعتمد على قدرتنا في مواجهة ما خلّفه الشتاء من نتائج، وعلى حكمتنا في التعامل مع ما حمله من زلازل، تماما كما حدث في اوروبا حين اجتاحتها فصول الثورات ، فازهر ربيعها بعد مئة سنة او اكثر او اقل ، ونحن العرب لن نكون استثناء في هذا الكون الذي تتطابق فيه صور الطبيعة مع صور البشر ، وحركة فصولها مع حركة الانسان فيه، لان السنن التي تحكمها واحدة : صحيح ان امرها بيد الله تعالى لكنها تجري على يد الناس -كل الناس- وان اختلفوا في التقدير والتدبير او في سرعة التنفيذ والتعبير ..


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير