ما حدث في" النواب " أعمق مما نتصور
حسين الرواشدة
جو 24 :
حين تابعت فصول " الملهاة " التي شهدها مجلس النواب خطر الى بالي سؤالان : الأول كيف وصلنا – اقصد المجتمع والنخب – الى مثل هذه " الرداءة " السياسية ٫ ثم من اوصلنا الى ذلك ، الثاني : هل يعقل أن نصمت على هذا الوضع وأن تقبله ثم لا نجد من بيننا " نخبة " عاقلة تخرج لتقديم ما يلزم من مبادرات جادة ومؤثرة لتصحيح الاعوجاج ٫ وإعادة بلدنا إلى سكة السلامة .
الإجابة على السؤال الأول أصبحت معروفة ، فعلى امتداد السنوات العشر الماضية - على الأقل - انكشفت أمامنا صورة الخيبات التي أصابتنا ، واصبح الأردنيون - او معظمهم - يعرفون تماما ما حدث ٫ ويشيرون إلى عناوينه واسماء النخب التي ساهمت فيه ، بما يعني أن عملية التشخيص موجودة بكل تفاصيلها ٫وسواء أنكرها بعض من لا يريد أن يعترف بها لأسباب مفهومة ، أو من اعترف بها ووقف عاجزا عن وضع ما تحتاجه من حلول ، فإن النتيجة واحدة ٫ وهي أن لدينا أزمة عميقة ومعقدة لابد من مواجهتها ، ليس بالتنظير وبالتغطية والتقسيط والوعود ، وإنما بمقررات جادة متزامنة مع إرادة حازمة لا تقبل التشكيك .
اما الإجابة على السؤال الثاني فتحتاج إلى الإشارة لعدة ملاحظات ، الأولى ان ما جرى في مجتمعنا من ردود وانفعالات على ما حدث في مجلس النواب ( وغير ذلك من الوقائع ) يعكس بالضرورة ٫ ويتطابق أيضا ٫ مع ما حدث في مؤسسات الدولة ٫ وبالتالي فإن اتهام المجتمع وما تمثله النخب المحسوبه عليه باي خطأ يفترض أن يتوازى معه فهم لحركة الدولة ومؤسساتها ، اذ لا يمكن أن ندين ما فعله النائب او ما قام به جمهوره الا اذا فتحنا أعيننا على أداء المجلس أولا٫ وعلى ثقة الناس فيه ثانيا ، وعلى السياقات السياسية التي خرج منها النواب ، أو باختصار على الأداء العام للدولة أولا .. وللمجتمع ثانيا .
الملاحظة الثانية هي أن حالة الصمت أو الاستقالة من السياسة التي انحازت إليها النخب السياسية التي تمثل المجتمع ٫ كانت إفرازاً متوقعا لما جرى من عملية " تجريف " وتكسير استهدفت الفاعلين في المجال العام ، وبالتالي فإن انتظار بروز كتلة تاريخية اردنية تقوم بواجب " التصحيح " ما زال حلما بعيدا ، وهنا يجب أن نضع أيدينا على قلوبنا لان البديل لهؤلاء هو حركة الشارع ٫ وهذه غير مضمونة النتائج ٫ ويمكن أن توظف في اتجاهات ضد مصلحتنا جميعا .
اما الملاحظة الثالثة فهي أن الاستثمار الذي عانينا منه ٫ وما نزال ، على صعيد صناعة " المناكفات" بين الدولة والعشيرة ، هذا الاستثمار مغشوش ويجب أن ننتهي منه تماما ، فدور العشيرة معروف وحركتها يجب أن تكون مضبوطة في اتجاه اجتماعي يعزز دور الدولة ومهماتها ، وبالتالي فإن الوقت قد حان " لترسيم " الحدود داخل الدولة والمؤسسات السياسية والاجتماعية بحيث تستعيد الدولة - والدولة فقط – مكانتها وهيبتها التي تستند أصلا الى هيبة المجتمع وكل من يعيش فيه .
تبقى الملاحظة الأخيرة وهي ان اختزال الإساءة ( ناهيك عن توظيفها ) للبرلمان او لغيره من المؤسسات في كلمة لنائب او خطبة لمتحدث تغطي على الصورة الحقيقة للواقع الذي نحن فيه ، ذلك انه ثمة اساءات اكبر تصدر تباعا من جهات مختلفة ، ومسؤولين ونخبا ، على صور مختلفة٫ منها أخطاء وتقصير واستهانة بالمسؤولية وعجز عن الأداء وربما فساد مالي واداري .. الخ ، هذه كلها اساءات يجب ان يحاسب عليها أصحابها ، والا فإن " فزعات " بعض الشباب المتحمسين للدفاع عن " البطل " الوطني " ، ستظل هي العنوان الملهم الذي سيغري الكثير من الشباب على البحث عن ملاذات اجتماعية آمنة لانتزاع حقوقهم ، او سيدفعهم الى ترسيخ ظاهرة " الرداءة " السياسية لتصبح مقبولة من المجتمع ومرحبّاً بها أيضا .